ريوان ميراني
صدر في عام 1967 كتاب (كُردستان أو الموت) للكاتب والصحفي الفرنسي( رينيه مورييس) نتاج فترة قضاها في موطن الثورة الكوردستانية والذي كان حينئذٍ مراسلاً صحفياً وشاهد عيان لأخطر وأشرس المعارك التي خاضتها الحركة التحررية الكُردية في ستينيات القرن الماضي ضد حكومات بغداد، وليجدها بحسب تعبيره حرباً دمويةً مجهولة أو متجاهلة من قبل الرأي العام العالمي، فآل على نفسه بعد معايشته للشقاء مع أهلها أن يذيع أخبارهم وينشر حقائقهم للعالم كما ينشر أريج زهر جبالها المسكر.
تُرجمت فصول من الكتاب للغة العربية من قبل المحامي والكاتب جرجيس فتح الله سنة 1973 ولم يتممها بسب الظروف التي كان يعاني منها إلا انه في عام 1998 انتهى من ترجمة كافة فصولها بلغةٍ عالية رصينة، وطبعت سنة (2012 بطبعة أولى صدرت من دار آراس ومنشورات الجمل)
ويعرض لها المترجم مقدمة يذكر فيها دوافعه لترجمة هذا الكتاب القيم والمتمثل بحبه للشعب العربي وبلاده وضرورة اطلاعه على نضال شعب عريق شاركه السراء والضراء عبر قرون طويلة فضلاً عن مشاركته الوجدانية، وهو نضال يقوم البعض على تشويهه وإظهاره على غير حقيقته بدافع من تعصب قومي مزيف. يقع الكتاب ضمن (221 صفحة) من المقطع الطويل ويضم بين دفتيه تسعة فصول نذكرها بإختزال مع الأمثلة الكُردية التي وردت فيها على رجاء الفائدة تاركين للسادة القُراء الطامعين في المزيد للإطلاع على الكتاب.
الفصل الأول: (بلاد بلا حدود)
“لا تنم تحت شجرة الجوز فإنها قد تورثك المرض”
يتطرق الكاتب في هذا الفصل إلى أرض كوردستان تلك البلاد التي يقطنها الكورد منذ آلاف السنين والتي قسمت بين خمسة دول وهي تركيا وسوريا والعراق والإتحاد السوفيتي وإيران. كما يذكر رسوخ سفينة نوح على جبل جودي وفق النسخة السريانية من التورات. وقصة الطوفان على سهل مابين النهرين القديم، وتشييد المسيحيون الأوائل عند أخر محطة للفلك ديراً دعوه ( دير الفلك) ومجيئ المسلمين من بعدهم وجعلهم للدير مزاراً يحج إليه الناس. كما يذكر أن من كوردستان ينبع أيضاً نهرا دجلة والفرات: النهران التوراتيان العظيمان اللذان نشأت على شاطئيهما أول نطفة للحياة البشرية وأنبتا أول بذرة للوحي الإلهي. وأن سبب شقائها الحالي هو إنها بلاد غنية بالنفط، مهملة من قبل الرأي العام العالمي، وتعرض للمذابح على يد الدول المغتصبة. وأن الرسائل الموجهة إلى رؤساء الدول الكبرى في العالم ولقداسة البابا بقيت حبراً على ورق ولم تسمع جواباً. كما يذكر فيه إلتقائه بالبارزاني الخالد الذي قال له في إحدى المعارك ومن خلال هزيم المدافع ” إن العدل والضمير العالمي لم يعد لهما وجود”
الفصل الثاني: موريتوري ملاعب الجبال
“من لاشعور له بالشرف لا يدخل الجنة” مثل كُردي
الموريتوري (Moritori) هم المصارعون الرومان الذين يدربون على القتال الفردي فيما بينهم حتى الموت في الملاعب الرومانية وقد شبه البيشمركة الأبطال بهم إذ يذكر كيف انهم تركوا عوائلهم والتحقوا بالثورة التي تقصفها طائرات الميغ بالنابالم وإتباع سياسة الأرض المحروقة من قبل أنظمة بغداد، وبسالة البيشمركة في الدفاع عن أرض كُردستان. كما يذكر بأن البيشمركة هم المقاتلون النظاميون في الجيش الثوري الكردي والكلمة تعني الحظوة بالحياة أما ترجمتها الحرفية فهي طلب الموت في سبيل تحرير كردستان.
الفصل الثالث: شعب نسيه التاريخ
“الأسد الخامل يقاتل مرتين”
يتطرق الكاتب إلى أصل الكورد وفق ماذكره بعض المؤرخين العرب الأقدمون الذين عزوا أصل الكرد الى كونهم من نسل الجن القاطنون الحبال افترعوا أربعمائة من أجمل بنات الغرب اللواتي جيء بهن إلى حريم الملك سليمان فاستشاط الملك غضباً وطردهم فعدن ليضعن نسلهن العجيب في بقعة موحشة من الأرض قيل انها مقر الجن الدائمي فكان الشعب الكوردي سليل هذا التزاوج. ويذكر أن أجداد هذا الشعب العريق هم الميديون، جبليو زاغروس العتاد الغلاظ الذين كانوا السباقين الى أن يصنعوا من بترولهم سلاحاً حربياً قبل أن يقدر للنار اليونانية الإشتعال. النار الميدية كانت الاولى في التاريخ وقد إستخدمت بنجاح. وأن عصرهم بدء (612 ق.م ) عندما خرب الملك الميدي كيخسرو مدينة نينوى وقضى على الإمبراطورية الاشورية.
إلى سقوط الامبراطورية الميدية وبعدها يذكر الامارات الكوردية وانقسامها على يد الملا إدريس البدليسي ودوره السيء لخوض معركة جالديران في الحادي والعشرين من آب 1514 وسقوط الامارات الكوردية الواحدة تلوى الاخرى بعد ذلك حتى القرن التاسع عشر.
كما يذكر الكاتب معاهدة سيفر المبرمة في آب من عام 1920 والتي أرسى الحلفاء بكثير من الضجة والتباهي فيها قواعد كردستان وأرمينيا المستقلتين. سيما المادتين 62 و 64 من الفصل الرابع من تلك المعاهدة لاتتركان أي مجال للبس والإبهام. اذا كشفتا أوراق كل وطني كردي. لقد كشفت هذه الوثيقة الدبلوماسية الهامة لأول مرة مع الاسف الشديد الوطن الكردي لاعين العالم ولهذا تستأهل أن يذكر بها الرأي العالمي الظلوم والضعيف الذاكرة. لقد ساهم البترول على اغراق افضل القرارات وخنقها، وجعل من شعب أعزل لا أصدقاء له سوى الجبال.
الفصل الرابع: إنها لتشعر بالموت
“إن لم تر جهنم بعينك، فإنك لن تعرف للجنة لذة”
يتطرق الكاتب في هذا الفصل على مشاركة المسيحيين في الثورة الكوردستانية، وخص بالذكر الأب بولس بيداري العضو في المكتب التنفيذي لمجلس قيادة الثورة وممثل المسيحيين آنذاك. حيث إنه كان مواطن كوردي من مدينة زاخو، وكان له دور بارز في الحركة التحررية الكُردستانية.
الفصل الخامس:مذابح السكان المدنيين
“الدنيا هي الدنيا منذ الأزل الذئب يفترس الشاة.”
يذكر المؤلف في هذا الفصل المعارك التي خاضها البيشمركة ضد نظام بغداد آنذاك ومنها معركة رواندز وزوزك، وغيرها ومعارك 1961 و 1962 كما يذكر الشخصية الوطنية (رشيد سندي) وهو من أهالي زاخو والمسؤول العسكري لقطاع جبل سفين وقد خاضت قواته معارك عنيفة جداً دامت قرابة ثلاثة أشهر فصد فرقتين من الجيش العراقي ( حوالي عشرين ألف جندي) عدا المرتزقة في حين لم يكن تحت امرته أكثر من ألف بيشمركة.
كما يذكر تداخل العشق مع الموسيقى وأغاني البيشمركة، فالكردي يعشق الغناء والرقص وهو طروب بالسليقة والطبع تراه يتغنى بالطبيعة والفصول ويتغنى بالحرب والقتال كذلك. لانه يرى أن الدنيا لا تكون إلا لذوي البسالة والإقدام ومن بين القصائد التي يتغنون بها:
ليس أحلى من الموت في سبيلك يا كردستان
أن يكون المرء في وطنه، وأن ينشد باعتزاز باللغة الكردية
في نار لهب سلاحنا إننا نحتفل بمجد شعبنا الألفي العريق وأرضنا المحبوبة
أن يكون الإنسان حراً، وأن يحب وأن يؤمن ويموت فيها
سل هذا النبع فسيقول لك من خلال خريره
هناك ألف آهةٍ وألف دمعة وألف ثورة وألف أمل
الفصل السادس أبناء نينوى
“عندما يتبادل صديقان إخلاصا بإخلاص فالله يكون ثالثهم.”
يلقي الكاتب الضوء في هذا الفصل على مكون أصيل من مكونات شعب كوردستان والمتمثلين بالإخوة الكلدان الكاثوليك المرتبطين بروما وعن الآثوريين المسيحيين المعروفين بالنساطرة التابعين للبطريارك مار شمعون ودورهم في الثورة كما يذكر جان دارك كُردستان ( مارغريت جورج) بعمامتها الكُردية وبندقيتها المعلقة على كتفها وحزام رصاص يحيط خصرها، وشعرها الطويل المنسدل. ويذكر قولاً للبارزاني الخالد: “المسيحيون والمسلمون تعاهدوا على بذل دمائهم بمحض اختيارهم تأدية لواجبهم الواحد ولأجل إنتزاع حقوقهم السليبة.”
الفصل السابع يوم القيامة
“الخنحر أخ والبندقية ابن عم”
يتحدث هذا الفصل عن المعارك الضارية التي شنتها أنظمة بغداد على الحركة التحررية الكُردستانية ومنها معركة جبل زوزك و رواندوز وغيرها من المعارك التي سجل فيها البيشمركة الأبطال ملاحم سيذكرها الأجيال الكُردستانية المتعاقبة بفخر وإعتزاز.
الفصل الثامن
آخر السادة العظام
“رجل واحد بمائة، ومائة قد لايبلغون واحدً”
يذكر المؤلف في هذا الفصل تفاصيلاً دقيقة عن لقائه البارزاني الخالد الأب الروحي لشعب كوردستان وقضاءه معه أوقات ولحظات لن ينساها، وكيف طلب منه البارزاني الخالد أن يوصل ما يشاهده للعالم.
الفصل التاسع
العدل والإحسان
“الدنيا وردة شمها وناولها لرفيقك”
حقق الكاتب وعده وأتم كتابه، كما قدم من خلاله الدلائل عن طريق الصور الفوتغرافية إلى وسائل الاعلام العالمي. وودع كوردستان بباقة أزهار برية أهدت إليه من قبل إحدى البيشمركة الأبطال، تضوع بعبير المحبين أنقى وأزها من عطور الشرق التي وردت أخبارها في التاريخ والأساطير، وأشدها قوة وتأثيراً، فهي أريج زهرة (كلاله) تلك الأزهار التي تحتم عليه القول أن يعطر العالم بها. حسب قوله.