المرأة ومصادرة قرارها السّياسي

صبري رسول
احتفالاتٌ، مهرجاناتٌ، دبكاتٌ، خطاباتٌ نارية، دعواتٌ لمنح المرأة حقّها، وتسليم سيف آخيل لها.
تلك مظاهر الاحتفال بيوم المرأة الكُردية التي دأبت القوى السياسية والنسائية للقيام بها، وللتدقيق في الأمر يمكن القول أنها ماتزال تتخبّط في مسار حياتها السّياسية، والعثور على هدى السّبيل للوصول إلى ما تريده. التّخبط يأتي في ضياع المعرفة والوعي القانوني، وعدم الاهتداء إلى رأس الخيط. والمظاهر الاحتفالية تلك مجرّد فقاعات لونية تتلاشى سريعاً، فوجود بضع جمعيات، أو منظمات أو أفراد وهي في أضعف حالاتها لغياب الدّعم لها، لا يعني أنّ المجتمع متعافٍ من هذه الناحية.
المرأةُ الكُردية، بشجونها وشؤونها، ترزحُ تحت ثقلٍ هائل من التراكم، في العادات، والتقاليد، ومفاهيم صفراء، تعيق حركتها، وتحدّ من نشاطها. المرأة بوصفها جزءاً من بنية المجتمع، وتحملُ على كاهلها عبءَ الجزءَ الآخر، فتعاني الأمرّين، فإلى جانب همّها الذي تعجز الجبال عن حمله تشاطر الرّجل في همّ المجتمع.
أعتقد أنّ طريقةَ الاحتفال التقليدي غيرُ مجدٍ بيوم المرأة، لأنّها أسمى من الدبكات والأغاني، بل ينبغي الاحتفاءُ بهذا اليوم التَّاريخي، يوم الوعي بأنّها كيان أنثوي ليس فقط مكمل له بل موازٍ للطرف الآخر، صفحات كثيرة من العمل النسوي طوتها أحداث وحروب مدمّرة، والاحتفاء المناسباتي مغ غياب التشريعات القانونية لاتتناسب والتّضحيات الكبيرة التي قدمتها خلال تاريخٍ طويل وحافلٍ بالمآسي. 
كانت عبدة، وخادمة، وعاملة، وحاملة للعبء والمنزل، ومربية، وراعية، وفلاحة، ومقاتلة، إنّها كالرّجل ولا تختلف عنه إلا في الطّبيعة الفيزيقية، وكَم المشاعر الفياضة لديها، والكُردي يجب أن ينظر إليها نظرةً تُعيد لها الاعتبارَ المفقود منذ تولي البطرياركية عرش المجتمعات، ويكون الاعتبار نصّاً تشريعياً وليس مجرّد كلام، ويبقى شأنُ المرأة مقياساً علمياً لمعرفة مستوى تطور المجتمع فكرياً وثقافياً وسياسياً.
نرى أنّ بضع خطواتٍ عملية قد تعيد التّوازن إلى كيانها المهدور، تاريخياً، منها: إعادةُ النظر في كلّ التشريعات المحلية والوطنية وصياغتها بما يتوافق مع المواثيق والاتفاقات الدولية، كسر الصورة النمطية المشوّهة للمرأة المرسومة في أذهان المجتمع، ورسم الصّورة الحقيقية المشعَّة بدلاً عنها، محاربة التقاليد البالية التي زرعتها الثّقافة الذكورية السّيئة.
وسياسياً، علينا أن نتجاوز الهيمنة الأبوية على الحزب، ونفسح المجال أمامها للانخراط في الشّأن العام وفي منظمات المجتمع المدني بكل ما لها من طاقات وزخم. وعدم فصلها كتنظيم خاص في إطار الحزب، لأنّ فصل التنظيم النسوي عن التنظيم الذكوري، في هيئات محددة عمل مجحفٌ وانتقاص بحقها.
أما نسبة (الكوتا) المخصّصة للنّساء فرغم أنّها «تشكّل تدخلاً إيجابياً لتحقيق المساواة والتقليل من التمييز بين فئات المجتمع المختلفة وخصوصًا بين الرجال والنساء» وفق بعض الدراسات، ورغم ضرورتها المرحلية إلا أنها لا تفي بالغرض، ولا تحقّق المساواة بين الجنسين، فهي وسيلة وليست هدفاً.
يجبُ إنصافُ المرأة في الحياة، سواءً في أذهاننا أو في واقعنا، ولا يكونُ إنصافُهَا إلا بتمكينها للوصول إلى مراكز القرار.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…