الفنانة سلمى عبدي.

عبداللطيف الحسيني:هانوفر.

كأني خارجٌ من عصور مُغرقة في الجاهليّة الأولى, من الجُبّ الذي رُمِيَ فيه يوسف أو بجانب تلك التلّة التي خاطب الرسولُ كُفّارَه: اشتقتُ لقراءة لوحات سلمى , تلك اللوحات التي عرفتها بيوتُنا الطينيّة الخِربة , لن أنسى شطحات سلمى وهي تسلّمُ عينها للحيطان الترابيّة كي تكتشف لوحة مطرّزة على حائط ترابيّ مطرز بالنقش الملوّن. كَمَنْ يَرَى النائِمُ :
وَجَدْتُ معرٍضاً مُقاماً لسلمى في الهواءِ الطّلق ,وهي التي تضيقُ بفضاء يكتمُ نفَسَها الفنّيّ , فكيفَ بغرفةٍ إسمنتيّة تُقلّصُ هواءً تتنفّسُهُ سلمى ؟
لا تقولوا لسلمى بعدَ أنْ تتركوها في غرفةٍ : (هيّا ارسمي سلمى التي تحوّلُ الرماديّ المَوَاتِ إلى مجموعةِ ألوانٍ تعانقُ تخومَ الفضاء ألواناً تستجدي العيونُ بها . مرّةً أو مرّاتٍ قبلَ أعوامٍ عجافٍ فرشتْ سلمى أمامي لوحاتِها التي جمعتْها ميدانيّاً , كانت اللوحاتُ مختارة من تلك التي (لملمتْها) من بيوتٍ قديمةٍ في عامودا أو من القرى المجاورة لها . كانت اللوحاتُ تصرخُ بتراثيّتها : حيث رجلٌ يقتلُ ثعباناً . أو امرأة نصفُها سمكة و النصفُ الآخر يفيضُ أنوثة – جمالاً.
كانتْ سلمى تحلُّ ضيفة غالية على بيوت قديمة لتراقبَ جدرانها , عينُ سلمى تتخطّى البصرَ لتصلَ إلى البصيرة .تحجُّ إلى تلك البيوت الترابيّة حيث
الرسوماتُ المطرّزة.
لا أدري أين اختفتْ تلك اللوحاتُ التي جمعتها سلمى ؟
هل هي في حصون سلمى الحصينة ؟
أدري : عندَ سلمى من اللوحات المطرّزة ما ليس عندَ أحد.
قبلَ أعوام سألتُ صديقاً مقيماً في عامودا عن بيتٍ ترابيّ قديم في أطرافها كانت سلمى تحجُّ إليه لتلتقط ألوان الطبيعة, فقالَ لي ذاك الصديقُ بأنّ البيت تحوّلَ إلى مبنى اسمنتيّ.
ـ أرأيتم ماذا فعلت بنا الدنيا, وكيفَ طوّحت الحياةُ بأرواحنا؟.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

أغلب الحكايات الشعبية، في الآداب الشعبية للأمم والشعوب نجدها مصاغة على ألسنة الحيوان، ولها غايات تربوية توجيهية، ولعل حكايات “كليلة ودمنة” تشكِّل مثالاً بارزاَ لها، فنحن نجد فيها أسداً هو رمز أو صورة للسلطان الجائر، وثعلباً هو رمز للبطانة الفاسدة المحيطة بالسلطان الجائر، يدله على طريق السوء. ثم نجد أن كل حكاية في…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسكي

مَاذَا أَقُولُ

وَالصَّمْتُ قَوْلِيْ

لَسْتُ مِمَّنْ يُثَّرْثِرُ عَلَى الْمَنَبِرِ

أَنَا اَلَّذِي صَاغَ الْقَوْلُ لَهُ

وَتَرَاكَمَتِ الْكَلِمَاتُ فِي ثَغْرٍي

كُلُّ الْحُرُوفِ تُسَابِقُ بَعْضَهَا

لِتَخْرُجَ وَتُعْلِنَ عَنْ تَبْري

<p dir="RTL"...

صدرت حديثاً عن منشورات رامينا في لندن رواية الكاتب والفنان السوري إسماعيل الرفاعي بعنوان “نقوش على خشب الصليب” وهي عمل يضع القارئ منذ العتبة الأولى أمام مجاز كثيف ومركَّب، حيث يتحوّل الخشب إلى حامل للصلب، والنقش إلى كتابة فوق الألم، واللوحة إلى مرآة للروح.

الرواية تقدَّم على هيئة “فهرس نقوش”، في إشارات تشي بأن الفصول التي…

غريب ملا زلال

منذ أكثر من خمسين عاماً و الفنان التشكيلي محمد أمين عبدو يتنفس اللون، فمنذ عام 1975 و هو يعارك اللوحة بفاعلية مؤكدة يبقيه على الجذر الإنساني، و هذا ما يجعله يؤكد و بثقة العارف بعمران المكان بأن عمليات الإزاحة التي يقوم بها للوصول إلى نتيجة لماحة تحدد له وجهته…