حوار مفتوح مع العاشق للحياة و الفن عنايت عطار (19)

غريب ملا زلال
غريب : هنا قد أتفق معك كثيراً ، و أختلف قليلاً و إن كنّا سنلتقي لاحقاً في محطة ما ، نعم قد تكون الأصالة في الإبداع هي السلاح إلى حد كبير ، و إن كنت أرى بأن الإبداع بحد ذاته هو السلاح ، سلاح في بناء الإنسان و تجميل الحياة ، على عكس ما يجري على الأرض من ممارسة و تجريب أسلحة لم تخلق إلا لقتل الإنسان و بالتالي قتل الحياة ، و لهذه و في كل الأزمات و على مر التاريخ كان الفن بأجنحته المختلفة الفصل في الحسم أولاً و في الإصرار ثانياً على الحياة ، كم هو بيِٓن سلاح يقتل الحياة و سلاح ينفخ الروح حتى في الحجر .
عنايت : اسمح لي أن أختلف معك قليلاً أيضاً ,, حيث لا أرى إن الفن خلال التاريخ كان فصلاً حاسماً ، ولكنه كان الأساس الحضاري منذ فجر التاريخ ,, إن الجندي في الخط الأول للمعركة هو موجود أصلاً ، وليس مساقاً بفعل لوحة أو قصيدة ، أو معزوفة موسيقية ولكن هذه الأخيرة تزيده حماساً ، و كان الجندي نفسه إذا رأى تمثالاً لشهيد ما يفكر أن يلتحق به خالداً ، فهو أصلاً كان متواجداً هناك وضمن تنظيم وسياق آخر ,, بمعنى إن فكرة الخلود سهلت عليه الموت ، ولذلك لم أقل أبداً يوماً بأن الفن بعيد عن صيرورة التطور ، ولكنه ليس كما وصفتها هنا بسؤالك إنه هو الحسم ، لنكن واقعيين في هكذا مواقف ، ولا نبالغ في وضع الفن في مكانه المناسب ، و في دوره الحضاري الأصيل ,, كما علينا ألا نسوق أمثلة تقترب من الحقائق ، ولا من تلمسها كأن نقول عن الرياضي كما يلي لولا الجسم السليم لما استطاع الجندي الدفاع عن الوطن وعن الخبز ، لو لم يكن هناك طباخاً يطعم الجنود لما استطاعوا إكمال المعركة ، ولو لم يكن هناك الخياط لماتوا برداً .. إذاً لنكن واقعيين ونقول و نتفق إن الفن من العوامل الأساسية في بناء وتطور المجتمعات كما إنه يرسخ الصورة الأجمل للإلتزام بقضياياها إذ يكفي أن ناخذ التلاميذ إلى متاحفنا ونريهم تاريخنا ، وأنماط معيشتنا ونشرح لهم مايفيد الإنتماء والأصالة كي لا نرى أنفسنا أمام أجيال ضائعة مجهولة الهوية ، مهزوزة النفوس والبنيان والاخلاق
غريب : ” لا تكثر الإيضاح ، فتفسد روعة الفن ” قالها الفرنسي فكتور هوغو ، نعم هوغو يضع يده على الجرح ، و يكاد يرسم بكلماته الوجه الأحق لملامح الفن ، عنايت ، كيف يتفاعل مع مقولة هوغو ، أين يضع أعماله من تلك المقولة ، كيف ينظر إلى الغموض في العمل الفني ، ما حكايته مع هذه السفينة ، سفينة الوضوح و الغموض .
عنايت : هوغو كان شاعراً، وقد قرأت الكثير من أشعاره ، وللأسف وصلت ترجماته إلى بلادنا كروائي ، وأذكر منها احدب نوتردام – تلك الكنيسة التي زرتها في باريس يوماً ,, نعم يا صديقي فالشاعر فنان كذلك ثم إني هنا في المكتبة المركزية رأيت له لوحات فنية كذلك ، بالتالي فإنه فنان أيضاً .. ومن قال إنني أسهم في لوحاتي بالتفاصيل وأنت أول من تعرف سراباتي التي تاخذ الأبدان في وشاحها الفضي ، كما أخفي تقصداً مني كل فعل يومي ,, وكأني أطرح أسئلة ؟ ماذا تفعل هؤلاء النسوة ؟ أين يذهبن ؟ من أين يأتين ؟
نعم يا غريب إن الفن وحي وإيحاء 
بل دهشة ترمي ملائكتها أو شياطينها على المساحة البيضاء .. رقصة إرتجالية على مقام العشق خارج الإيقاع وجد قديم جديد يتنكر وردة أو وجه صبية أو افقا يمضي إلى التلاشي .. دفقة نبض ساخن
تلميحة للجهات تناغم لذكرى .. إن العمل الفني الخالص صورة للفنان مأخوذة من تلونات الروح لحظة إيقاف للزمن المنصرم في كنف الايام .
يتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…