فوبيا

عبداللطيف الحسيني / هانوفر

قبل أعوام سألتُ صديقي المقيم في عامودا عن شجرة كنتُ أستظلُّ بها في صيف عامودا الحارق, أجابني ذاك الصديقُ أنّ الشجرة تلك اُقتلعت, وأصبح مكانُها ممرّاً للشاحنات.
لونٌ يخاطبُ رجوعي إلى الماضي الذي أُعجِبُ ببعض ما فيهِ من التّفاصيل, لا لأنّه غنيٌّ فحسبُ, بل لأنّ الصّورةَ تعيدُني إلى بدايات الحياة حيث دقّةُ العِناق مع البراءَة والخضرة والابتسامة المُتشظيّة المرميّة على الكتف الأيمن المليْء بالملائِكة التي لا أظنُّها إلا مرميّة تُحاكي الظّلامَ والرّفاهية النّاضجة التي تمدحُ و ترى وتقدّرُ الناظرَ الذي لا يُمدَحُ ولا يُرَى, بل يبشّرُ ويتجاوزُ المرئِيَّ أمامَه ليستدلُّ ويثور -مثل الصّورة- على الأقنعة والفراغ. 
صورةُ فوبيا تركيبٌ مُفكَّرٌ بنا لأنّ كثافة السَّواد الطّاهر يُفضي إلى تحرّي الملامح التي تضلُّ – تضلّني- المُشاهدَ وتضعُه إلى حيث السّلامةُ والوفرةُ الظّاهرة التي تُخفي السّعادةَ الغامرةَ المُهيمنة أوالمُؤجّلة. فوبيا ذات الشَّعر الأسود المخفيّ , أتذكّرُ هنا: “سوادٌ في سوادٍ في سوادي” . هذا العالمُ المكشوف – الصّورة الصارخةُ تقولُ الأشياءَ قبلَ أنْ تُسمَّى, لا توحي, كيف بالصّورة المرعبة الناضجة أنْ توحي ؟ فهي الصّادمةُ للقاريء ” لا المُشاهد فقط ” هذا الإيحاءُ أو الإدهاش ” القصديّة في الإيحاء والإدهاش لا يعني معانقةَ وقبضَ الوجه والشَّعر والسّواد والبياض والابتسامة والميلان فقط , بل تتملّكُني بهجةُ الصّورة إلى درجة أنّي كنتُ معَها في الجانب الأيمن حيث ميلانُ الرّأس , إنّها “وحدَها ” الصّورةُ الباهظةُ بالحركات : الصّورةُ الصائِتة ونحن أمامَها الصّامتون, لكنّي أنا ظلالُها وكلُّ سوادِها, كلُّ الموبقات لي, وكلُّ الإيمان لها, إنْ قِبلتْ بي صّورةُ فوبيا. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

فراس حج محمد| فلسطين

في النص الأخير قلت شيئاً شبيهاً برثاء النفس، وأنا أرثي أصدقائي الشعراء:

كلّما ماتَ شاعرٌ تذكّرتُ أنّني ما زلتُ حيّاً

وأنّ دوري قريبٌ قريبْ

ربّما لم يُتَحْ للأصدقاءِ قراءةُ قصائدهم في رثائي المفاجئ

وها هو الشاعر والناقد محمد دلة يغادر أصدقاء على حين فجأة، ليترك خلفه “فارسه الغريب” ونقده المتوسع في قصائد أصدقائه ونصوصه. محمد دلة…

أحمد جويل – ديرك

 

لقد أدمِنتُ على تذوّق القرنفل كلَّ يوم،

ولم يكن باستطاعتي التخلّص من هذا الإدمان…

وذات يوم، وكعادتي الصباحيّة، دفعتني روحي إلى غيرِ بُستان،

علّني أكتشف نكهةً أُخرى،

لعلّها تُداوي روحي التي تئنّ من عطره…

 

بحثتُ في ثنايا المكان…

وإذا بحوريّةٍ سمراء،

سمراء كعودِ الخيزران،

تتزنّرُ بشقائقَ النّعمان…

عذرًا، سأكمل الخاطرة لاحقًا.

 

شقائق النعمان كانت تخضّب وجنتيها برائحةِ زهرة البيلسان.

أمسكتْ بيدي، وجعلنا نتجوّلُ…

سيماف خالد جميل محمد

 

هناك حيث تنبعث الحياة، حيث كانت روحي تتنفس لأول مرة، هناك أيضاً أعلنتْ روحي مغادرتها، لم يكن من الممكن أن أتخيل ولو للحظة أن تغادرني أمي، هي التي كانت ولا تزال الصوت الوحيد الذي أبحث عنه في الزحام، واليد التي تربت على قلبي في الأوقات الصعبة، كيف يمكن لخبر كهذا أن يتسلل…

بدعوة من جمعية صحفيون بلا حدود الدولية، أقيمت اليوم، السبت ٦ نيسان ٢٠٢٥، أمسية شعرية متميزة في مدينة إيسن الألمانية، شارك فيها نخبة من الشعراء والكتّاب اعضاء الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد.

وشهدت الأمسية حضورًا لافتًا وتفاعلاً كبيرًا من الحضور، حيث تناوب على منصة الشعر كل من:

صالح جانكو

علوان شفان

يسرى زبير

بالإضافة إلى الصديق الشاعر منير خلف، الذي…