قراءة نقدية في (باب موارب للصدى) للشاعرة ميديا شيخه

نجلاء داري

باب موارب للصدى الذي أحدثته ميديا شيخه في مجموعتها الشعرية، ظل مشرعاً بالقدر الذي تقصدت أن يمرر الضوء من وربه إلى عوالم تبدو في قصائدها أحياناً هادئةً كانسيابات النهر الذي نسبت إليه أمها في إهدائها للمجموعة وآهلةً أحياناً أخرى بضجيج الفكرة والصورة التين تؤسسان مشهداً شعرياً يكاد أن يحاكي أقدار  آيلين بقوة الجبل الذي – تقول ميديا شيخه- إنها من نسغه ترجل أبوها الرمز، ولتمضي هي في  رصد تهالك الجغرافية الآدمية في( قامات النار ):
وويلات الحروب وعار النساء
  كأنهم في الشبه اللّعين
قطعان شاردة من جيل إلى جيل
منهك هذا الآدمي من بخور الأدعية
والصلوات
والمجد الرذيل
يغتصبون قرنفل الحب
من المهد إلى الّلحد
الكتابة الشعرية التي تعزف بها ميديا شيخه تفاصيل تاريخ أزلي وتحولها إلى إيقاعات حاضرة في مشاهد درامية أبطالها شهود متخمون بالعويل والويلات، هي أكثر من مغامرة في الإمساك بالكلمة لتطويعها في سياق لغة أنثوية بارعة في مآلاتها إلى محاكاة اسطورية وملاحم تكاد أن تزاوج الأشياء بنقيضها كي تنفتح القصيدة على مناخات غير اعتيادية، هي القصيدة التي ترفعها الشاعرة على كفيها وتتحدى بها زيف هرطقات تشبه الخرافة التي تسخرها في اللغة دون أن تحملها ما لا تطاق في عفوية المشهد الشعري الذي تحوله إلى ميدان لا يصمد فيه سوى أولئك الذين لا يعتلون الريح إلا لكي تصدح قلوبهم بالحب الإنساني.
لا ترمي المارة الطيبين
بمناقير الكلام
ولا تهذي على جانب الطريق
المؤدية إلى المكان المهجور
كقلبك
ذلك المساء
ظل الملاك توضأ برذاذ شهيقه
وأوليت وجهك للريح
النص الذي أسست له ميديا شيخه في مجموعتها، تتجلى حالة تمرد وثورة في سياقاته التي لا تنتهي دائماً بالسلام مع ذاتها ومع الآخرين الذين تخلع الشاعرة اقنعتهم عنهم في النهايات التي تستشرف بدايات حرب مضادة على حرب مفتعلة في تحولات القصيدة إلى مواجهة صعبة مع المجموع المجتمعي بما فيه كاريكاتورية ودكتاتورية الرجل الشرقي المهزوم والملطخة أياديه بدماء الجريمة الأولى .
كم من الوقت يا ترى
لم أتقيأ الّشتائم البذيئة في وجوه أولئك الذين لم أعلقهم كالّذباب  على مشانَق قصائدي
وأمضي في سبيلي
مرفوعة القامة كراية
في رأسها جلّنار
أو كجرح قان على ياقة قميصه الأبيض
رب غيمة شاردة هناك
و ُرب بيارة عطشى يؤ ُّمها الحمام
من قال إن المطر لا يهتدي إلى يباب الأرض حين لا يأويه وطن
ميديا شيخه التي تعرفت على شعريتها في هذه المجموعة، تبدو قامتها الأدبية شامخة ورزينة وبطلة مقاومة في كل جبهات قصائدها التي تفح بالمرارات والخيبات ولكنها مدججة بقوة بلاغتها في تشكيل المشهد الشعري لتقدم ذاتها المبدعة كشاعرة صاعدة وتعلن بأنها القامة التي ستعلو على غبار الشرق منتصرةً على الأفاكين الذين لم تأخذ ويلاتهم وسفسطاتهم البائسة من حولها على محمل الجد ولم تكترث لرد الضغينة بالضغينة والطعنك بالطعنة صاع”” صاعين وإنما اكتفت بأن تلوح بلغتها النبوية الساطعة لتعلن في مجموعتها الشعرية بأنها الإمبراطورة التي تتألق على عرش قصيدتها

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…