سيرة الموت

صفاء أبو خضرة/ الأردن

قالَ لي: أعرفُ ما لا تعرفُ، 
وأقفُ بجنبات الحُلْمِ،
 أضيءُ ظلكَ يحْبِكُ صورتكَ،
 أراكَ مكتّظاً فيكَ
 وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.
تستأنسُ بي في وحشةٍ لا تطالُ معرفةً،
 ترنو إليّ كورقة خريفيّةٍ 
تدلّت من أخمصِ الغيب،
وأرنو إليكَ من جبروتي،
أُحصي اللامنتهى في حُزْنكَ،
 أُشفقُ عليّ فيكَ،
وأشفقُ عليكَ فيّ،
أتدلّى بين جفنيكَ فأدنيكَ مني،
 أتساقطُ زخّاتٍ
 فتعرقُ الروحُ بينَ جنباتك،
 تنهمرُ الذكرياتُ
فتلفحُ قلبك،
 وتنهمرُ الأمنياتُ
 فتصدح بالشكوى
وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.
وقال لي: بُعدي عنكَ آخرةٌ ،
 وقربي نجاةٌ وحياة،
 وأنتَ شبيهي في الدنوّ والبعد،
 وغريمي في الصمتِ والعلوّ،
 وشبيهي في الحُبّ 
وفي شهقة الدهشة والفرحة،
 أشهقكَ فتزفرُني،
 وتشهقني فأزفرك،
أضمكَ فأكسرك وأجبرك،
تنامُ على وسادةٍ 
لا يطأها جسدي، 
تتقلّبُ كلّ لحظةٍ تموتُ وتحيا،
 تُفارقُ أنفاسكَ فتلقاكَ لقاءَ المُسافر، ولا مفرّ.
وقال لي:
ترجّل عن خُطاكَ
واسلك الريح
إنّها الباقيات الحالكات
ولا تجعل منامكَ سحابة من زجاج
إنْ مرّ عنها عابرٌ أنّت فيه المرايا
وقال:
لا تسألني بعدَ اليومِ عن خطايا الخوف
لفّ هشاشتي بدمعةٍ مؤجّلة
وارحل مع الراحلين.
وقال:
لأنكثنّ بوعدي..
قبلَ أن يرتدّ طرفُك.
وقبْلَ أن تهذي
فيكَ عروقُ الخوفِ
فتبتلّ بالأغاني..
وتحمحمَ الروحُ
في أغوار النفسْ..
فلي فيكَ سُلطانٌ 
وأهوالُ..
ولي عليكَ 
شهقةٌ 
ورعدةٌ
تنمنمُ في سريرتكَ
وأسرارك..
ومنكَ
لي
هبّةٌ
تكابدُ فيكَ
وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.
وقال:
لا ثباتَ بعدَ اليوم
لا طيرَ تأكلُ من رأسكَ
ولا خمراً تعصرُ فجرا..
فامنح الريحَ جناحيكَ
وطرْ..
في هبوبٍ أخير..
قصعةً من حنين
منكَ وإليكَ..
حفنةً كنتَ
وحفنةً صرتَ
وتراني مرجعكَ ولا مفرّ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…