الشاعر والناقد الكاتب لقمان محمود يعيش خارج وطنه جسدا لا روحا، وتبقى السويد وطنه المؤقت ،حيث يعيش اليوم . وفي أرض الغربة الباردة يواصل الشاعر حياته بما تقتضي المشهدية الشعرية ، وسعى ويسعى الى كسر الغربة ،بكسر العزلة الثقافية الجاثمة فوق أرض بعيدة .
صدر حديثا عن دار العابر للنشر والتوزيع، كتاب للشاعر والناقد لقمان محمود بـعنوان “كسر العزلة الثقافية ” وهو عبارة عن الجزء الأول من سلسلة حوارات.
ففي كتابه هذا أفصح لقمان محمود بهذه المقدمة:
يلعب الحوار دوراً مهماً في النهوض بالأدب، وكذلك في تبادل الثقافات بين الشعوب. والحوار الأدبي عالم تتحرك فيه الأحداث والحقائق، وتنتعش فيه الذاكرة بقوة.
هكذا نقترب من جوهر الأدب، من روح الشعوب. هكذا، يصبح الأدب سِفراً إلى الآخر الذي فيما هو يؤسس لاختلافه وأسئلته، يجعلنا نراه، وعندها نرى أنفسنا.
هل نقول بأن الحوار جنس أدبي غير مكتمل؟ أم نُعيد ما قاله غابرييل غارسيا ماركيز: الحوار مثل مزهريّـة الجدّة تساوي ثروة، لكن لا أحد يعرف أين يضعها.
مع هذه الحوارات، نُعيد اكتشاف المشترَك الإنساني على مستوى الوعي بالإبداع، وعلى مستوى وظيفتها المفترَضة داخل سياقات جغرافية وسوسيو- ثقافية مختلفة.
فأغلب المبدعين الذين يضمّهم هذا الكتاب تربطني بهم صداقات عميقة. دخلتُ بيوت بعضهم، بدعوة منهم، وشاركتُهم الطعام.
وأود أن أشيد في هذا المجال بالحوارات الثمينة مع الأصدقاء المبدعين وهم: شيركو بيكس، عمر حمدي، آزاد البرزنجي، عزالدين مصطفى رسول، طيب جبار، رؤوف بيكرد، آوات حسن أمين، واسماعيل خياط.
لقد كانت هذه الحوارات مهمة، حيث أثيرت فيها الكثير من القضايا، فغاية الفنون جميعاً هي توسيع مساحة الحرية وارتياد المدارات المجهولة.
والحاصل أن الإبداع الكردي ينطوي على حلم مثالي، لا أثر فيه للظلم والطغيان، رغم أنه ولد في بركة من الدماء والدموع.
ففي وقت الهزائم، وفي المنافي، يطيب الحديث عن الماضي.
ومن أجواء الكتاب نقطف المشاهد التالية:
شيركو بيكس:
الشاعر شيركو بيكس هو أحد أكبر قامات الشعر في دنيا الكرد، وهو حالة أدبية وإبداعية فذة لا مثيل لها ويصعب تكرارها، ولا مهرب من الاعتراف به في عصرنا الحديث، كظاهرة شعرية من الطراز الرفيع النادر، فهو صاحب ميراث كبير من الاعمال الابداعية التي تعتبر جزءاً أصيلاً من الأدب الانساني العالمي. إنه من أكثر التجارب الشعرية ترجمة و فرادة وتميزاً في تاريخ الشعر الكردي المعاصر.
ولد الشاعر في مدينة السليمانية ، كردستان العراق في عام 1940، وهو ابن الشاعر الكردي الوطني المعروف فائق بيكس.
في عام 1970 أصدر الشاعر مع نخبة من الشعراء والقصاصين الكرد أول بيان أدبي تجديدي كردي، والمعروف بإسم “بيان روانكه – المرصد”، حيث دعوا فيه إلى الحداثة الشعرية والأدبية والإبداع بلغة جديدة مبدعة. وقد شكلت هذه الحركة الأدبية إتجاهين رئيسيين في الثقافة الكردية. أولهما الولوج في ذاكرة تلك الثقافة ومفرداتها الحيوية المتجسدة في الرموز الشعبية والتراث والجمالية التي تخلقها عضوية العلاقة بين الواقع والنص. وثانيهما، تأسيس رؤية مفتوحة للنص واللغة وإنقاذهما .
هامش:
توفي شيركو بيكس يوم 4 أغسطس 2013 عن عمر يناهز 73 عاماً في العاصمة السويدية ستوكهولم.
عمر حمدي (مالفا):
خاض عمر حمدي غمار غالبية الاتجاهات الفنيّة التشكيليّة، بدءاً من الكلاسيكية والواقعيّة والتعبيريّة… وانتهاءً بالانطباعيّة فالتجريديّة، ولا زال يشتغل على هذه الاتجاهات حتى اليوم، بدليل أعمال معرضه الأخير في السليمانية و التي اختزلت بأمانة، ملامح تجربته الفنيّة ، وعكستها بوضوح وجلاء.
فالفنان عمر حمدي من مواليد الحسكة عام 1951، عضو نقابة الفنون الجميلة في دمشق، عضو الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب، عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين النمساويين، وعضو في اليونسكو بباريس- الاتحاد العام للفنانين.
مارس عمر حمدي الرسم منذ الطفولة، حيث درّس الفن في مسقط رأسه قبل أن ينتقل إلى دمشق مطلِع سبعينيات القرن الماضي، ليعمل في الإخراج الصحفي، والرسوم التوضيحية، وتصميم المجلات والكتب، في مديريّة الكتب المدرسية وفي عدة صحف ومجلات، كما كتب الخاطرة الأدبية، والنقد الفني التشكيلي.
قدم أول معرض له في دمشق عام 1968 بالإضافة إلى عدة معارض فرديّة قبل مغادرته سورية عام 1978، والمعروف بأنه خاض في تجربته غالبية الاتجاهات الفنيّة التشكيليّة، بدءاً من الكلاسيكية والواقعيّة والتعبيريّة، وانتهاءً بالانطباعيّة فالتجريديّة، وما زال يشتغل على هذه الاتجاهات حتى اليوم.
هامش:
توفي عمر حمدي يوم الأحد 18 أكتوبر 2015 عن عمر يناهز 63 عاماً في العاصمة النمساوية فيينا.
آزاد البرزنجي:
آزاد البرزنجي واحد من أبرز الأسماء الأدبية في كردستان العراق، التي احتلت موقعاً خاصاً في عالم الترجمة على الساحة الثقافية الكردستانية، فقد أثرى المكتبة الكردية بأكثر من 42 كتاباً في شتى فروع الأدب والمعرفة أبرزها: مع العقل الغربي، حول العقل الحديث، حلم موطن الرجال الصغار، الثورة أم الاصلاح، وحكايات الماضي والحاضر.
إنه من أهم مـــــترجمي الأدب الانكليزي والفارسي ، والأرجح أنه أهمهم على الإطلاق. فمن الانكليزية ترجم رواية “ألف شمس مشرقة” لخالد حسيني، ورواية “أرض ورماد” لعتيق رحيمي. ومن الفارسية ترجم رواية “عيونها” لبزرك علوي، و “العاشق وحيد دائماً” للشاعر سهراب سبهري، و” امرأة في عتبة فصل قارس” عن الشاعرة فروخ فرخزاد.
عزالدين مصطفى رسول:
الدكتور عز الدين مصطفى رسول من مواليد عام 1934 .. درس بالإضافة إلى الدروس المدرسية مقدمات العلوم العربية والدينية لدى والده … أكمل الدراسة المتوسطة والثانوية بتفوق … التحق بدار المعلمين العالية (كلية التربية) وأدت مشاركته في انتفاضة عام 1952 إلى فصله وسجنه … في عام 1956 سافر إلى سوريا والتحق بكلية الآداب في جامعة دمشق، ولدى اندلاع ثورة 14 تموز 1958 عاد إلى بغداد وأكمل الدراسة في كلية الآداب في جامعة بغداد …
في عام 1960 سافر إلى الاتحاد السوفييتي للدراسة العالية ونال شهادة كانديدا من معهد استشراق جامعة باكو سنة 1963، وكانت أطروحته للدكتوراه بعنوان”الواقعية في الأدب الكردي”، وقد نشرت فيما بعد باللغة العربية، وبعد إنهائها عاد إلى العراق سراً عام 1965 وشارك في الحركة الكردية … أمضى حياته في البحث العلمي حيث أنجز أكثر من ثمانين كتاباً بين القصة والشعر والدراسات الادبية.
هامش:
توفي د. عزالدين مصطفى رسول يوم الخميس 3 تشرين الأول 2019 عن عمر يناهز 85 عاماً، في مدينة السليمانية.
طيب جبار:
إنّ تجربة الشاعر طيب جبار تنطوي على معالم خاصة، ووعي مختلف ، اشتغل عليهما بهدوء شديد، كي تقول خصوصيتها المرتبطة أساسا بفهم الشاعر و أفكاره العميقة تجاه كل شيء. فقد استطاع هذا الشاعر أن يسجل في أعماله الشعرية الأخيرة (يوم أموت) و (ذات زمان الظلام كان أبيض) و (قصائد تلتفت إلى الأمام) إضافة حقيقية وهامة للحركة الشعرية الراهنة في كردستان العراق.
فالشاعر كتب و يكتب وفقاً لايقاع أحاسيسه، وما تقدمه هذه الاحاسيس من رؤى وطروحات مما تحمله الحياة الجديدة ، بمنطق يتسلل من خبرة شعورية مبدعة ، ضمن سياق تجربة حقيقية للشعر، تجسد صوت الشاعر، وتثبت ملامح خصوصيته.
رؤوف بيكرد:
تمثل تجربة القاص رؤوف بيكرد علامة مميزة في تجربة القص الكردي بشكل عام، لما لها من محاولات دائبة التأصيل لكتابة قصصية يكاد يكون لها ملامحها الخاصة بها. فالمشهد الثقافي في كردستان العراق ليس جزيرة معزولة عن غيره من المشاهد الثقافية في كردستان ككل، بل هو جزء من تلك المشاهد التي تشكل مجتمعة المشهد الثقافي الكردي، وتقدم يوما بعد آخر قرائن دالة على خصوبة هذا المشهد وتطوره ومواكبته لتحولات الواقع ومثيراته، وكفاءته في استيعاب الانجازات الجمالية المعاصرة له.
رؤوف بيكرد ، قاص حمل على كاهله أسئلة جيل أدبي مضطلع بمهام أدبية ثقيلة في مطلع السبعينيات من القرن الماضي، من خلال مجموعة متميزة من الأعمال الإبداعية المؤسسة والرفيعة، في مجال القصة القصيرة، أمثال: “المعبر ” عام 1977، “المرتع” عام 1981، “الرقص” عام1998، “يد الله” عام 2004، و”الطيران فوق الارض المحرمة” عام2010، حيث حاول في هذه الأعمال الاقتراب من الممنوع وكشف المسكوت عنه على المستويين الاجتماعي والسياسي ، عبر نزعة فانتازية ولغة تتحرر من وظائفها ودلالاتها السردية المباشرة، لتبني نسقها الخاص عبر انزياحات شاعرية تضفي أحيانا على الحقائق الداخلية، قوة ارتباط الأفكار بدوافعها.
آوات حسن أمين:
يمتلك الشاعر والمترجم آوات حسن أمين مشروعاً شعرياً وترجمياً و وجودياً بالمعنى العميق للكلمة. إذ يسجل تجربة شعرية لها مسارها ولغتها و آليات اشتغالها، بكثير من التمايز والتفرد. ولعل من أبرز خصائص قصيدة هذا الشاعر هي الكثافة الحسية والوجدانية بقلقها واوجاعها واسئلتها الانسانية.
حصل الشاعر على عدة جوائز وشهادات تقديرية منها:
· شهادة تقديرية من المهرجان الثقافي الاول للجواهري في بغداد، عام 2003.
· جائزة وزارة الثقافة من حكومة إقليم كردستان، عام 2003.
· درع الثقافة العراقية، من الملتقى الثقافي العراقي في عام 2005.
· شهادة تقديرية من مؤسسة بدرخان في القاهرة، عام 2008.
إسماعيل خياط
شدّ الفنان التشكيلي إسماعيل خياط (1944) الإنتباه مرةً أخرى بمعرضه الجديد “الأنفال”، الذي أفتتح مؤخراً في غاليري متحف السليمانية، والذي نظمته مديرية الفنون التشكيلية التابعة لوزارة الثقافة في كوردستان. حيث ضم المعرض (182) قطعة فنية كتمثيل لعدد ضحايا جريمة الأنفال ال (182000). حيث عكست هذه القطع الفنية مأساة الإنسان الكوردي في وطنه بين عامي (1987- 1988)، برؤية بصرية جديدة للعالم وللإنسان، ضمن مناخ لوني مترابط لأحلام الحرية والسلام في كوردستان الجديدة.
حيث يعد إسماعيل خياط أحد أبرز رموز الفن التشكيلي الكوردستاني، فهو عضو في جمعية الفنانين العراقيين، وعضو في نقابة الفنانين في كوردستان، وعضو في الرابطة العالمية للفنون التشكيلية. ولأهمية هذا الفنان المبدع فإن (7-8) من أعماله الفنية تعرض بصورة دائمة في المتحف الوطني العراقي للفن المعاصر من أصل (25) عملاً فنياً. كما أن أعماله الفنية قد وصلت إلى أغلب صالات العرض في الكثير من المدن الأوروبية والأمريكية.
هذا بالإضافة إلى جهوده المتميزة في ديكورات العروض المسرحية، وفي ديكورات رياض الأطفال، وفي أغلفة الكتب الكوردية. ناهيك عن جهوده المثابرة في صنع السلام والمحبة، بقوة الريشة والألوان.
(المؤلف الشاعر والناقد لقمان)
لقمان محمود: شاعر وناقد كردي- سوريّ، من مواليد عامودا 1966م، مقيم في إسكيلستونا، المملكة السويدية. عضو اتحاد الأدباء والكتاب السويديين ، عضو نادي القلم الكردي.
يكتب باللغتين الكردية والعربية، لديه حتّى الآن، عشرون كتاباً مطبوعاً، وهذا الكتاب يحمل الرقم 21 في سلسلة الأعمال المطبوعة.
عمل محرراً لمجلة سردم العربي، ومحرراً لمجلة اشراقات كردية. كما عمل محرراً في جريدة التآخي الثقافية.
—————
رسالة بيروت – إسماعيل فقيه
(شاعر وكاتب وصحافي من لبنان)
عن شبكة أخبار المستقبل