محاكمة الساموراي

عبداللطيف الحسيني/هانوفر

كانَ الوقتُ ظهيرةَ يوم تموزيّ تُحرقُ شمسُه الصفيحَ والحديد خرجتُ لأستظلّ بشجرة توتٍ عملاقة وُجدت خطأً في صحراء بلادي, وبلادي كلُّها صحراء لا ماءَ ولاخضرةَ ولا وجهَ حسن, زوّادتي التمرُ واللبن والخمرُ.
آنَ وضعتُ خطوتي الأولى على عتبة الصحراء اختفت الأفاعي و النمورُ والضباع,كأنّي خارجٌ من صفحات التاريخ…. شبيهُ كلكامش وعُطيل أو الشنفرى, كأني رجلٌ من المطّاط: لا الماءُ يبلّله ولا الأرضُ تتحمّلُ قفزتَه وصلتُ إلى بلاد تحطُّ النوارسُ فوقَ يساره والحمائمُ فوقَ يمينه, أتنفّسُ مع الأشجار وأتموّجُ مع الأنهار,أتيتُ زحّافاً من بلاد كنتُ أراقصُ الأفاعي فيها أضعُ يدي في أفواهها ملتقطاً السمومَ والأحجارَ المتوهّجة…. 
تلسعني,فتموتُ هي, أجعلُ أجسادَها حطباً لمدفأتي الحديد يجتمعُ حولَها الأولادُ والأحفادُ الهاربون من زمهرير الشمال, وأنتم لا تعرفون  شيئاً عن الشمال و زمهريره, إن حدّثتكم عنه صيفاً لبحثتم عن الجحور والكهوف التجاءً من صفعات الهواء وألواح الثلج التي ترتطم بالوجوه.
أنا من بلاد يكون الصيفُ ملعبا لكائنات غريبة السمات والأصوات والألوان تعتاشُ على تراب الأرض وأشنياته وملحه.
قلتُ لغريب الدار: أنا الغيمةُ التي مرّت فوقَ البحيرة وتركت دخاناً فوقَها, البحيرةُ تشتعل, أضرمتُ فيها ناراُ… وهربتُ.
أنا تِربُ الندى… أغلقتُ السماءَ وأطفأتُ نجومَها, وأوقفتُ الأرضَ لأحطّ تركتي عندَكَ.
قلتُ للقاضي الذي كُلِّف بمحاكمتي: “يا سيدي.. أين سأذهبُ إن رفضتني أنت أيضاً”؟.
وقف الرجلُ وانحنى لي, كانت عيونُه تشعُّ خضرة وترحيباً: أهلاً بكَ في بلادنا.
إحساسي لا يخيّبني.
الرجلُ كان يبكي… كان يتحدّثُ بصوت متهدّج ويسترُ وجهَه أو يخفيه عني.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…