فراس حج محمد/ فلسطين
أقضي وقت الصباح في الكتابة إليك. في الحقيقة لا أشعر بالملل وأنا أكتب، ربما لأنني أعبّئ الفراغ بمثله. هكذا صرت متأكدا من هذا الإحساس، في هذا اليوم يكون قد مرّ على خصامنا ثمانية وسبعون يوماً. هل شعرت بالوقت مثلي. أقضي نهاري نائماً في رمضان، لا شيء جديد، لا مشاريع كتابية جديدة، كل شيء قد توقف تقريباً. توقفت عن كتابة الشعر منذ مدة طويلة، لم أعد إنشئ أي نص جديد، ما أنشره هو من القديم الذي كان آخره عام 2020، لا أدري ما هو آخر نص كتبتة. على أي حال ليس مهماً الشعر في مثل هذا العصر، وكل من يقول عن الشعر أنه منقذ لا شك في أنه إنسان مهووس أو رومانسي. تخيلي لو أن شاعرا فقيراً ذهب بأجود قصائده للدكان ليشتري بعض الخبز. سيكون أضحوكة بين الناس. لذلك توقفت عن الشعر، لم يعد لديّ ما أقوله. أعمل حاليا على مراجعة كتبي المعدة للنشر، ثمة أشياء عليّ تعديلها، غيرت كثيرا في كتاب “لا شيء يعدل أن تكون حرّاً” أضفت إليه تأملات جديدة على هامش كتاب “نسوة في المدينة”.
عرضت كتاب “هي جملة اسمية” والكتاب الرديف المتصل به “مركزية حضور الاسم في النصوص الإبداعية” على الصديقة الدكتورة ريم غنايم. تحدثنا طويلا جدا بمكالمة هاتفية، أكثر من ساعة ونصف. ترى ريم أن التجربة جيدة، قرأت الكتابين، لا شك أن لها بعض الملاحظات حول النصوص الشعرية، اتفقنا على بعض التعديل، سأحذف النصوص التي أضفتها وكنت وجدتها مكتوبة بالاسم فقط في ديوان “الحب أنْ” وفي مقدمة كتاب “بلاغة الصنعة الشعرية”، لا أميل ألبتة إلى تغيير العنوان كما اقترحت الدكتورة ريم، مع تسليمي بوجهة نظرها، وربما أنني معها في تخوفها أن يحشر النقاد الكتاب في أنه تجربة لغوية فقط، ويتغاضون عما فيه من تجريب شعري واضح، لا أظن أن النقاد سيهتمون بما أصدره.
كما تقترح ريم أن أحذف من القصائد، وأن أبقي على ثمانين صفحة من الكتاب الذي بلغ (137) صفحة، على اعتبار أن المجموعات الشعرية والقصصية الناجحة هي الكتب صغيرة الحجم المركزة للفكرة والهدف، وتستشهد بمجموعة شيخة حليوي “الطلبية” فهي مجموعة قصصية صغيرة لكنها تفوقت على مجموعات شعرية متضخمة أو أكبر حجما. بالمجمل أرى ما تراه، وربما فعلت ما تشير عليّ به شريطة أن تظل النصوص محافظة على تنوعها الموضوعي والشكلي وحجم النصوص، لأن فكرة التجريب في الديوان تقوم على المقدرة بكتابة نصوص متنوعة باستخدام الاسم فقط.
الخميس الماضي كان يوما مختلطا بين الجميل والقبيح، الجميل فيه أنني التقيت أصدقائي حسن عبادي وجميل عمرية ومصطفى نفاع وإبراهيم خلايلة، وللحظات الدكتور عادل الأسطة، كان الوقت في حدود السادسة مساء، البلدة القديمة في هذه الأجواء جميلة، درجة الحرارة مناسبة لقد هدأت حدة الحر، وصلنا صبانة كنعان القديمة، كان في استقبالنا الدكتور معاوية المصري والدكتور عدنان عودة، صبانة كنعان بناء قديم أثري مكون من طابقين يحتضن “جمعية المركز الاجتماعي الخيرية”، سيعقد في هذا المبنى نشاط ثقافي بعد الأفطار، حيث سيكرم منتدى المنارة مجموعة من الكتاب الأسرى. تحدث حسن عن ستة كتاب من محافظة نابلس، وأنا تحدثت عن ديوان شعر جديد لأحمد العارضة، كان النشاط جيداً والحضور رائع ومستمع.
القبيح في هذا النشاط هو أن دار النشر التي نشرت كتاب أحمد العارضة، وقمت بتقديمه في فقرة إطلاق الديوان، لم يذكروا ذلك إطلاقاً، وكان الأمر سيئا بالنسبة لي، فهم بهذا العمل يعانون بالفعل من أزمة أخلاقية كبيرة، لقد تم حذفي نهائيا من المشهد. أعتقد أن الأمر سيكون مختلفا لو قام غيري بتقديم الديوان، لم يقم أحدهم- وكانوا ثلاثة- بالتقاط صورة لي حتى، وبالطبع لم يقوموا بتسجيل فيديو للكلمة التي ألقيتها، ربما فعلوا ذلك، وأنا لا أدري. لقد كانوا تافهين بالفعل وهم يقومون بهذه التفاهة البادية التي تدل على عقل صغير ومنطق أولاد صغار يلعبون في الحارة. لقد أزعجني جدا هذا العمل، مع أنني كنت مصرا على حضورهم، وكان بإمكان النشاط أن يتم دون حضورهم، لكنهم عضوا اليد التي امتدت إليهم بالسلام وطيب النوايا، ليسوا هم فقط من تصرفوا كالأولاد، بل أيضا الصفحات الخاصة برئيس شؤون الأسرى والمحررين؛ لقد تم حذفنا جميعا: أنا وحسن ولينا كلية من المشهد، فقد قصقصوا التقرير الذي أعددته ونشروا ما يخصهم، هذا الفعل ينم عن وقاحة بالفعل.
على العموم، ربما سأكون في الخليل للمرة الثالثة، ثمة أمسية شعرية مشتركة السبت القادم يحييها مجموعة شعراء من الداخل الفلسطيني المحتل وشعراء من نابلس ورام الله والخليل، أو بيت لحم. متشجع جدا إلى الآن للذهاب، لا أدري ماذا سيحدث، الأوضاع الأمنية على الأرض تتجه نحو التصعيد، ربما لن ننجح في الذهاب، فالطرق ليست ملكنا، فالاحتلال يغتالنا كل حين ويحذفنا هو الأخر من المشهد، ليس مشهد الكتابة وحسب بل من مشهد الحياة كلها.
ليس سرا لو قلت لكِ إنني بالفعل لا أثق بما تقوله السلطة وذبابها الإلكتروني الذي يصف القرارات بالحكيمة حتى وهي متناقضة، وأنا كذلك لا أثق بأي عمل وراءه أي فصيل فلسطيني، فهم سيستثمرون الدم النازف والعذاب لمصالحهم الشخصية ولمكاسب هزيلة. وستبقى الأمهات وحدها هي التي تعاني إن أُسِر شاب أو قتل. نعم وحدهنّ من سيعانين، فالغارقون في كراسيهم في رام الله سيذهبون إلى حفلاتهم متخمين مسرورين مع زوجاتهم وعشيقاتهم وأبنائهم وأحفادهم بعيدا عن متناول الجنود والمستوطنين، وتبقى عتمة السجن والدموع هي الباقية، وستحذفهم السلطة من المشهد أيضاً. هل تلاحظين أننا نشبه بعضنا نحن والأعداء، كلنا يتقن حذف الآخر من المشهد لا فرق بين دار نشر أو محتل أو سلطة متحجرة متقوقعة في المقاطعة. كلهم يبدون من طينة واحدة، وعقلية واحدة.
الكتابة تلتهم الوقت بسرعة، عليّ أن أجهز نفسي للعمل، الجيد في هذا اليوم أنه يوم عمل مكتبي، إن نجحنا في الوصول إلى العمل، ونجونا من الحواجز، ومن الاجتماعات الفجائية سيكون هذا اليوم فيه بعض الجمال. أرجو ذلك.
المشتاق: فراس حج محمد
الاثنين: 3 /5 / 2021