أحمد الأنصاري مجادلة الواقع و تجاوز المتاح

غريب ملا زلال 

أتذكر أحمد الأنصاري ( 1954 ) مُذ كنت على مقاعد الثانوية ، كنت أتردد على المركز الثقافي و صالة عرضه في الحسكة في شبه يومي حيث كان باب الثانوية التي أدرس فيها / أبي ذر الغفاري / يقابل تماماً باب المركز الثقافي ، كان ذلك في النصف الأول من الثمانينات ، كان النشاط الفني في أوجه ، و لهذا بقيت أسماء كثيرة عالقة في ذاكرتي وأحمد الأنصاري بينهم ، فإذا إعتبرنا كل من عبدالرحمن دريعي وفهد كبيسي و خلف الحسيني و حنا الحايك من الرواد و كل من عمر حمدي و صبري رفائيل و عمر حسيب و فؤاد كمو و حسن حمدان و بشار العيسى و برصوم برصوما من الجيل الأول فإن ألأنصاري مع كل من خليل عبدالقادر و عزو الحاج ويوسف قومي وأنعام قاطرجي … إلخ 
من الجيل الثاني الذي استطاع أن يكسر جدار الفصل بينه وبين الجيل الأول لما كان لهم دور كبير في تفعيل الدورة التشكيلية و ترسيخها وبخصوصية ذاتية و بعزف فردي ضمن جوقة جماعية جميلة بدؤوا في العزف الجميل ضمن تقاطع فسحات و فضاءات عذبة ، فكان لأحمد الأنصاري حيِّزه الذي يشغله من هذه المساحة الجميلة ، وبالتالي كان له رصيده الإبداعي ضمن قنوات المعرفة الجمالية ، فهو لم ينزلق سريعاً في أزقة اللون بل بأريحية عذبة دون أي صخب لإهتزازات أمواجه الهاربة كذبذبذات قوس قزحي ، فغرق في الواقعية أولاً ثم أغنى أعماله بتعبيرية بها يمضي بالمتلقي نحو خلق علاقة جميلة بينه و بين فعله أقصد عمله برؤية بها يجعله يرتاد فسحاته الكثيرة و يدفعه لإعادة كتابة العمل من خلال إعادة تأويلاته و من ناحية عمق الهواجس الجمالية لديه فهو يرى و بتعمد أن الإشارة إلى ما يسمى الومضة في العمل الفني ليست قائمة بذاتها بل تتعلق بالقيمة الفنية للعمل وبمساحة الإستجابة و شدتها لدى المتلقي فهو يتناول تجليات الموضوع كجانب مهم لحكايته مع الرصد غير المقيد لفسحات عمله و هذا ما جعله يتجاوز النوافذ القماشية إلى نوافذ زمنية / مكانية حيث يتطرق لسرديات فيها كل مداخلات المتن و عليه فالأنصاري و من داخل حكايته و بكامل حيويته الفنية و بثقة الريح بالغيمة الكانونية يستقصي واقعه بفروع معرفية لخلق حالة الموقف الجمالي فهو يجادل الواقع و يحيل عليه من الدلالات ما يجعله يتلمس مجموعة رموز وإشارات تتناهى به إلى مآلات معنوية فهو على مستوى التواصل و بأنساقها العامة يدفعه إلى الإنشغال والبحث عن الرابط الناظم في أعماله ، ولذلك دلالة لرصد التحولات التي مرّ بها ، و في هذا الإتجاه يحاول الأنصاري الإختزال بما فيها إختزال المشهد المألوف حين يسعى إلى زج أساليب تميل إلى إعادة طرح إشكالية الإحالة المرجعية و على نحو أعمق حين يبرز التناقض الجم بين الخراب الذي يسوق الأزمة في الإتجاهات كلها و بين المولود الجديد الذي قد لا يأتي فالأنصاري مازال يعتقد بأنه قادر على إبتكار فضاء يستحق الحياة والتنفس فيه و إبتكار شخوص قادرة على العوم في هذا الفضاء فهو يعتمد كسياج لوني / جمالي أولاً و من ثم وبطرق أخرى مرهونة بلغة هي أقرب لتجربة فيها مسافة للمشارف الثانوية الوعرة جزئياً ثانياً فهو و بلا شك و بوصفه جزء من الذاكرة المستعادة فكل الطرق لديه تؤدي إلى تجاوز المتاح و التي تتجسد رنينها بألوان إدراكية أو بأدوات تعطيه نظائر جدلية تمكِّنه من تحقيق لحظات جمالية إنسيابية تختلط بمفاهيم تقوِّض احتياجاته و احتجاجاته الزمنية / المكانية فالأنصاري يدرك أن إتخاذ مسار / الفعل الفاعل / جدير بإدراك مسؤولية إستحضار الغموض و الثراء اللوني مع تطويع الخط بمقتظى الحالة لإبقاء الحضور المائل لتأكيد إمتداد المسار ضمن قراءات مشاهده البصرية المنخرطة بدورها في السياق السردي العام الذي يتلاءم على نحو كبير مع أساس تأملاته ضمن مستوى لغته التي يوظفها كسارد لها فيغور الحالة / العمل برمته بدءاً من عتباته التي تذكرنا بتلك العتبات النصية الولودة في فسحات تمتد بين الذات و الدار الذي حضنته ، وصولاً لتطريز سجادته الخاصة به .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…