فرهاد عجمو الشاعر و المهندس و الموسيقي و رجل الأعمال الناجح

بهزاد عجمو
معظم الكرد يعرفون بأن فرهاد كان شاعراً، و لكن الكثير منهم لا يعلمون بأنه كان مهندساً و أنه درس الهندسة المدنية في جامعة حلب و تخرج فيها بتفوق و لكن حبه للشعر و خوض غمارها منذ نعومة أظفاره اختطفته من الهندسة و المعادلات الرياضية و دراسة الأساسات و البيتون المسلح و الطرق و الجسور و المطارات، و لكن شاعرنا حاول أن يوائم بين الشعر و الهندسة و أن لا يقطع شعرة معاوية بينهما بل أن يمد جسراً متيناً بينهما و أن يسخر ما تعلمه في كلية الهندسة من علم في بناء القصيدة الشعرية و من خلفيته العلمية توصل إلى حقيقة مفادها بأنه لا يوجد شيء ثابت و جامد فمثلما أن النظريات العلمية تتطور و تتقدم و تتغير، ينطبق هذا أيضاً على الشعر لذا فقد حاول شاعرنا أن يجدد القصيدة الشعرية ليواكب تطور الشعر العالمي و أن يخرج القصيدة من حجرات الملالي لتنطلق إلى الآفاق العالمية و أن يقول لكل الشعراء العالميين بأن الشعر الكردي لا يقل شأنناً عن شعرهم و عندما ذكرنا شعر( حجرات الملالي ) فإننا لا نقلل من شأن شعرائنا الكلاسيكيين بل أننا ننحني بقاماتنا أمامهم لأنهم هم الذين وضعوا الحجر الأساس للشعر الكردي، 
فشاعرنا الكبير جكرخوين حينما انتقده البعض بأنه لا يوجد تطور و تجديد في شعره و أنه من الديوان الأول و حتى الأخير على نفس النمط فرد جكرخوين بكل شفافية: (أنا العبد الفقير كلما حاولت أن أطير مع الشعر و أحلق لأصل إلى أعلى طبقة في السماء فلم أستطع لأنني كنت أجد نفسي مربوطاً بخيط بالجزيري) لأن المكتبة الشعرية الكردية فقيرة مع الأسف لذا فإن فرهاد حاول أن يقطع هذا الخيط  و قطعه فعلاً من خلال اطلاعه على شعر معظم شعوب العالم ، فعندما سألته : أي الشعراء العالميين أعجبك، فرد علي: (الشعراء اليابانيين) فعندما أحدث شاعرنا التجديد في القصيدة الكردية، في البداية حاربه بعض الشعراء الكلاسيكيين أمثال الشاعر الفذ “تيريز” و لكن في النهاية أتى و اعتذر من فرهاد و قال بأن ما تفعله هو عين الصواب فكان شاعرنا عندما يكتب قصيدة يتخيل بأنه يبني بناءً ، كيف يضع لها الأساسات من البيتون المسلح لا تؤثر فيها الزلازل و لا العواصف، لتبقى هذه البناية لأبد الدهر و كيف تكون أعمدتها قوية و متينة و السطح كيف يكون صلباً و كيف يقسم الغرف أو بالأحرى الأفكار بحيث تكون متناسقة و كيف يزخرف هذا البناء من الخارج بالأحجار الجميلة ليستمتع المشاهد من الخارج برؤية هذه البناء أو بالأحرى جمالية هذه القصيدة لأن شاعرنا كان يقرأ كثيراً كتب علم الجمال، و حاول زرع فناء هذا البناء بالورد و الأزهار و الرياحين لذا ترى بأنه كان يستعمل أسماء الورود والأزهار كثيراً في قصائده و قد حاول شاعرنا أن يسخر الموسيقا أيضاً في كتابة قصائده و أشعاره لأنه كان بينه و بين الموسيقى هوى منذ طفولته فكان يتخيل عندما يكتب قصيدة ما بأنه يعزف على معظم الآلات الموسيقية الوترية و كان على إلمام و معرفة بكل المقامات مثل الصبا و بيات و عجم و نهاوند و حجاز و غيرها لذا فإنه كان أحياناً يلحن قصائده عندما يطلب منه أحد الفنانين أن يغني إحدى قصائده. كل الشعراء الكرد و حتى العالميين عاشوا و رحلوا و هم فقراء إلا فرهاد فقد عاش غنياً و رحل ثرياً و هو الشاعر الوحيد الذي كسر هذه القاعدة بأن “الشعراء فقراء” فقد كان في تجاربه رجل أعمال ناجح و يعرف كيف يقسم وقته كتابة الشعر و أعماله التجارية و في المساء عندما ينتهي من أعماله التجارية كان يغلق على نفسه باب المتجر و يحولها إلى صومعة لكتابة الشعر ، أضف إلى ذلك فإنه كان مطلعاً على حركة البورصات العالمية مثل بورصة نيويورك و لندن و طوكيو و حركة صعود وهبوط الأسهم و أسعار السلع في البورصات مثل الذهب و القطن و القمح و الذرة و الغاز و النفط و كل السلع الاقتصادية تقريباً و أسباب صعود أو هبوط أسعارها ، أتذكر عندما كان شاعرنا طالباُ جامعة حلب زار معرضاً للرسم في صالة المكتبة المركزية بجامعة حلب للرسام الحلبي عبد اللطيف حوري و في لحظة افتتاح المعرض وقد وقف الزوار أمام صالة المعرض للدخول إلى المعرض وقف هذا الرسام أمام باب المعرض و في يده قنينة كولونيا و كل من كان يدخل المعرض كان يبخ على يده قليلاً من الكولونيا و يطلب منهم أن يقرأوا الفاتحة على أرواح الأحياء و يتابع حديثه بالقول لأن الأحياء تستوجب عليهم رحمة الله لأنهم في كل يوم يموتون أمام الذين رحلوا فقد ارتاحوا من عذابات هذه الدنيا. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…