عبداللطيف الحسيني. هانوفر
أخلعُ جلبابي وأنضو سيفي .. أُريحُه مكسوراً بجابني مع ترسي,أنختُ جوادي الأبرقَ وأجلستُ كلبي الأعرج حَدّي من طول المسير, جلستُ في طرف الأرض أقلّبُ جهاتِه وأقبّلُ عتبةَ المعبد شوقاً ولهفةً…. أخالُها عتبةَ بيتي المخبّأ الذي لا يظهرُ إلا فوقَ دمعة الذكريات لغريب ترَكَ ملعبَ طفولتِه وأخذه الجنُّ إلى حيث لا يشاء, فوقفَ مثلي بهذا الباب رافعاً يديه مبتهلاً.
أيّ سيل مررتَ به سرقتَ منه قطرةً بلّلت حلقَكَ المختنق, وتنمّلت يدُكَ تحتَ رأسكَ آن صادفتَ رطوبةَ النهر, فنمتَ بجانبه في تلك الليالي الموحشات.
ظمآنَ… كان رفيقي المسافرُ… متعثّرَ الخطى .. أعشى.. مغمضاً يقيسُ صوتَ الابتهالات….. يتحرّشُ بالسموات.
كانت ريحانةُ العينين لصقي تهمسُ: نورُك الممتدُّ ـ ربّي ـ يضيءُ الأرضَ عمرُه.
تغريبتُه عمرُه.
أُحسُّ بي ـ يا الله ـ بأنّي الذبيحُ, ويدبُّ في الخواءُ حتّى وقفتُ ببابكَ أنا الفقيرُ المعنّى.
فهاكَ عيني هبةً…. ثمناً لأراك.
يطاردُني الأسى .. لاهثاً أركضُ..أخلعُ وجهي المرهقَ إلى الخلف فيخطفُني… يبتلعُني نورُك…., شغلتني عنك الهمومُ… وودّعتني الرحمات, تمدّدتُ بساحة بابكَ وسيفي البرّاقُ يطردُ المريدين دوني لأدخلَه وحدي أشكو لك علّتي. ذبحتني في كلّ طريق توجّهتُه ولم تكن تعلمُ أنك تذبحُ إلهاً بداخلي… أو بلادي التي نحرتَها مدينةً.. فقريةً على الحدود التي تخطّيتُها, كنتُ أشهقُ وكنتَ تخنقُ شهقتي بيدكَ على فمي… ما أقساك وأنت تعلمُ بأني هاربٌ من بلادي وتاركٌ حاشيةَ الخنوع ورائي أؤلئك الذين لا يعرفون لونَ السماء لفرطِ ما انحنت الرقابُ.. ولفرط ما ديست رؤسُهمُ كما ديس الترابُ.
في كلّ سماء مررتَ تحتَها رميتَ لها نجمةً, والركبُ الذي يمّم خلفي حدّثني بأنه رأى آثارَ أقدامي على الموج والعشب.
ملسوعاُ قلتُ له : كيف عرفت؟.
أجابني بدمع مرتبك: كانت آثارُك دماً ويبدو أنك رميتَ حياتكَ قطعةً….. قطعة في الغابات والأنهار دونَ أن تعلمَ.
في كلّ شبر من الأرض أقلّكَ وهبته نفَساً من أرواحك الخمس.
تغريبتُه عمرُه.
وعلى مشارف تلك التغريبة كان اللهُ يمدُّ يدَه تنقلُني إلى الضفة الأشدّ كثافةً بالأعشاب والأمواج.