الإعلام ما بعد الحداثي/ إعداماً: محطات، واقع، و وقائع!

إبراهيم اليوسف

بدهي، أن وسائل الإعلام استطاعت إلى حد كبير، إفادة جوهرالإعلام، ورسالته، وتسهيل مهمة الإعلامي، وتوسيع دائرة محيطه، ضمن مجتمعه، وخارجه، بالوتيرة ذاتها، مع تطور أدوات ووسائل الإعلام، ولنا، هنا، خير مثال، في دور الإعلامي في المجتمعات البدائية، خلال مراحل ما قبل الصحيفة، عندما كان محدود التأثير، إذا ما ترفع عن المزاوجة مابين: الطبال والحكواتي، في آن واحد، أو في شخص واحد، و في خدمة: السلطة القائمة، أنى كانت طبيعتها، وهنا أفرق ما بين خدمة: العوام من الناس. خدمة الوطن. خدمة القيم العليا، إذ إن هذه الخيارات كلها موجودة، وهي بعمومها تتراوح بين حدين:
السلطة- الشعب
ويمكننا، على ضوء مثل هذا التصنيف معرفة دافع الإعلامي: أهو يتصرف من أجل ذاته، أم من أجل سواه، لأن من يعمل من أجل من حوله إنما يغامر بمنافعه، ويجازف حتى بحياته، من أجل رسالته، وإن كان ضمن هذا التصنيف الأخير ذاته: عناوين فرعية جمَّة، ومن بينها لرب من يغامر بذاته من أجل فكرة “خاطئة”، أو من يغامر حتى بحياته، من أجل معاداة جماعته. شعبه، لقاء منافع بائسة!
مع اختراع االطباعة الآلية، استطاع الإعلامي أن يثبت حضوره، وهو يقدم أوراق اعتماده، وهويته، وموقعه، في خدمة جماهيره، أو خدمة مقام السلطوي، وبات تطور أدوات الاستبداد والرقابة، مع هذه التحولات الجديدة بعد ظهورالمطبعة، يوسع دائرة هؤلاء الصحافيين الذين تهاووا في محرقة السلطة، إذ راحوا يدورون في فلكها، إما عبرالسقوط العلني، أو المقنع، إذ إن الحالة الأولى غرق في مستنقعها أولئك الذين غدوا مجرد مبوِّقين، مدَّاحين للسلطوي، مسوغين لانتهاكاته، يتلقون مايملى عليهم من قبل الرقيب، وهو عادة شخص قميء مجرد من القيم والأخلاق، وكانت النتيجة  أن افتقد هذا الصنف من الصحفيين لخصوصيتهم، وكرامتهم، بعد تحول أحدهم إلى مجرد -برغي- في ماكنة إعلام النظام!
أما الحالة الثانية، فلم يتمكن من الوصول إلى قممها إلا هؤلاء الصحافيون الذين حافظوا على- ماء وجوههم- وكرامتهم، وقيمهم، ودفعوا ثمن ذلك، من خلال إقصائهم، وتهميشهم، وتهديدهم، والتضييق عليهم، بل لطالما تعرضوا للتهكم منهم، والإساء من قبل أقرانهم الذين باتوا يغوصون في دبق هاويتهم، ناهيك عمن يتم تسليطهم عليهم:
أتذكر، أن شرطياً وقف مع أحد أزلام الأمن الذين حاول ضرب أحد أطفالي، وواجهته، قال لرئيس المخفر، وهو يقدم شهادة ضدي: سيدي إنه صحفي مع وقف التنفيذ، مغضوب عليه!- كتبت عن حادث الاعتداء وبالتفاصيل في كتابي ممحاة المسافة 2016″!*
وقد وجدنا أنه في زمن تطور الإعلام، أو الحداثة، كيف أن- الإذاعة أو التلفزيون- غدوا بوقي الأنظمة، وكان الإعلامي الحر مكبلاً هاجسه اليومي: كيف يحافظ على ذاته من السقوط؟ بينما إعلاميو النظام كانوا يسرحون ويمرحون، ولهم اليد الطولى في حدود دائرتهم، ولطالما إنهم خنعوا وقبلوا بأن يأكلوا جبنهم بجبنهم- على حدِّ قول المفكر الراحل هادي العلوي-  بل إن منهم من تمددت يده خارج الإعلام، إلى تخوم أخرى، لست في إطار توصيفها، إلا إن الفرز بات واضحاً بين المتهافت. الساقط من جهة، وبين المحافظ على نقاء صوته، من جهة أخرى، وإن كان هناك، من يحاول – من بين السقطة- التملص من ماضيه وارتداء ثياب أصحاب الموقف، مزاحماً إياهم، بل مزيحاً لهم، صانعاً مجداً ملفقاً، وقد بات من يصدق كذبة هؤلاء، كما في أكثر من مجالات الموقف والحياة، حيث بات الإعلام أداة تزوير: ترفع من شأن من يشاء وقد تسيء إلى من يشاء، وهنا فإنه لابدَّ على أصحاب الموقف رفع أصواتهم، إنصافاً للحقيقة والتاريخ!
ومع تطور الإعلام، إلى مرحلة مابعد الحداثة “معتبرين عصر الصحافة والإذاعة التلفزيون حداثياً” ، بل ربما إلى ما يتجاوز- مابعد الحداثة- ولست ممن يتمكنون من فرض المصطلح، فإن الإعلام غدا مشاعياً. غدا حقاً للمواطن الكوني، وبتنا نجد- وبلاحياء- من يرفع من وتيرة التزوير، وذلك من خلال قلب الحقائق رأساً على عقب، إذ كان هناك في الوطن، من لطالما آذوا من حولهم- ولا أسترسل في التفاصيل أكثر- بيد أنهم باتوا يغسلون وسخهم التاريخي، في البحر الأزرق، الافتراضي، متوهمين أنهم قادرون على غسل أدمغتنا، وذواكرنا، بل يمنحون ذواتهم حق تقويم سواهم، وصناعة تاريخ جديد، على قد حالهم، وطموحاتهم، وأمزجتهم!
إعلام البلطجة
من التضليل إلى التدمير!
بعض الذين انخرطوا إلى عالم الإعلام ما بعد الحداثي، وهم ينطلقون من رماد ثقافة- مستحاثية-  ويجهلون مهمة الإعلام، بل أولويات هذا العالم، لاسيما هؤلاء الذين يؤسسون ظاهرة جد خطيرة ألا وهي إسكات كل مختلف معهم، والترويج لما قد يسيء إلى المجتمع، أو يلحق به الأذى، بل إنه ومنذ العام 2011 ظهر بعض هؤلاء الذين  شنوا حملات على أصحاب الأصوات المختلفة، ومنهم من تم التشنيع به، عبر شلل هكرية، تعمل بعقل مافيوي، ماحدا ببعض أصحاب الآراء التي كان من الممكن الاستنارة بها إلى الانسحاب، وهذا ما يسجل على هذا الصنف- من جهة- إلا إنه قد يبدو معذوراً- من جهة أخرى- عندما لايرى من يتضامن معه، ويؤازره. 
إن الرأي الشعبوي، ومنذ العام 2011، أثر في كثير من الأحيان في إطار التسويق لرأي محدد، ضد آخر، وكان بمثابة إطلاق أعيرة نارية في الهواء، من قبل من اشتغلوا بحنكة، وهم السبب في بعض ما آلينا إليه، وممارسة العنف من خلال هذه المجموعات التي تبلغ المئات، وبدت أحياناً وهي تكرر مجرد – شتيمة- مكتوبة بقلم أحد معلميهم، أو أحد المشرفين عليهم، فراحوا يتناولونها- كنسخة فوتوكوبية – ما أثر أحياناً في موقف السياسي- وقال لي بعضهم لقد خفنا الفيس بوك-  والآن بعض الزعران وصلوا إلى مرحلة البث المباشر، ولا أعني البتة، من يعمل بوعي و بروح مبدئية، في هذا الموقع، أو في الموقع المقابل، مهمته تقديم الحقائق، ولا خوف من هذا النوع، بل يجب أن نشدَّ على أيديهم، حتى وإن كانت لكل منهم آراؤه الخاصة التي لاتؤثرعلى مهنيته، وللحقيقة، فإن نسبة كبيرة من إعلاميينا، وفي ظل الحرب الدائرة، طوروا أدواتهم، ومنهم من عمل في الخطوط الحربية، ليغطوا إعلامياً ما يجري، في ساحات المعارك والحروب والجبهات، وخلال  أصعب مراحل المنطقة، وما استشهاد بعضهم في هذه الجبهة أو تلك – وقد كتبت شخصياً عن كل شهيد منهم- أو أسر آخر، كالزميل فرهاد حمو، إلا مجرد أمثلة جد قليلة عن الشجاعة المهنية لهم، ولابد لهؤلاء أن يشتغلوا على مذكراتهم، لتنتفع بها الأجيال!
حرب فتاكة تستهدف الذات:
عنف الإعدامات الميدانية
ضمن سياق الحرب المفتوحة، لتدمير وجود إنساننا، وتخريب سيكولوجيته، وإفراغه، من قيمه، وخصوصيته، وتكميمه، وتبكيمه، وتعميته، يلجأ، حالياً، بعض الزعران إلى الاستفادة من آخر مبتكرات التكنولوجيا، للإساءة إلى الآخرين، عبر أساليب وأفانين كثيرة: تجميل ماهو قبيح وتقبيح ماهو جميل، إعدام القيم العليا. إعدام حملة هذه القيم. تشويه الشخصيات التي ناضلت في هذا الميدان أو ذاك، وتقديم بعض الأقزام على أنهم رسل الخلاص، بل إنهم باتوا يشكلون ما يشبه – المافيات- بحسب الجهة التي يصطفون- تطوعاً، أو وظيفة، مستخدمين أسلحة- الحكي- البذيئة، المحرَّمة “اجتماعياً” و”قانونياً”، بما يساهم في تدميرالمنظومة  الأخلاقية لدى أجيالنا التي بات” قسم  ولو جد ضئيل”منهم يحاكون هؤلاء الشذاذ، بالإضافة إلى قسم آخريواجه هذا الطرف أو ذاك، بلغة مفخخة بالديناميت!
إن إعلام البلطجة بات يعشش على نطاق واسع، ولاسيما في أوربا، ولقد قيل لي أن هناك من له متعهده  ورصيد “الدفع” لمن أثبت أو يثبت حضوره ضمن مستنقع الشتائم الآسن، وأن سموم هؤلاء الفتاكة، تشتغل في جسدنا العام، وكثيرون منا يهرولون إلى تشجيع أولاء، من خلال الانضمام إلى جمهورهم، وقد تجد قناة نظيفة – وما أكثر مثيبلاتها من المنابر المسؤولة- يتعاون فيها حوالي عشرين مثقفاً وتقنياً- على سبيل المثال- وقد دأبت أن تقدم حلقات جادة – بشكل عام- ضمن برامجها، إلا أن عدد متابعيها يقلُّ في الحالات الطبيعية عن مئة متابع، بينما تجد أحد الذين يفتحون عبر صفحاتهم الفردية مشاتم لسواهم: أفراداً و شخصيات ذات ثقل ما، يتابعها الآلاف!
ما يلفت الانتباه أن أغلب هؤلاء المسيئين، يقيمون في -أوربا- وترد في برامج بعضهم: تهديدات بالقتل، أو شتائم مستنقعية، يتم تداولها عبر فيديوات وتلقى رضى وتشجيع من وراءهم، أو من حولهم، وهو ما يبدو من خلال- إعجابات أو تعليقات بعضهم-  وهم مستمرون في عملهم الفتاك، من دون أن يتم تقديمهم للقضاء، بالرغم من أن الدول الأوربية – جميعها-  كانت سباقة في صياغة وإقرار قانون الجرائم الإلكترونية، وأن استمرار هؤلاء المسيئين يشكل خطراً كبيراً في رعاية بعض الذين يرون في العالم الافتراضي مايعزز روح الجريمة لدى: من يهدد، في أقل تقدير!
ثمة من تمت محاولات إعدامهم، عبر وسائل الاتصال، مابعد الحداثية، من خلال استهداف أعراضهم، عبرالفوتوشوب – كذباً- أو اعتبارهم قابضين، من هذه الجهة أو تلك، هكذا زوراً وبهتاناً،  وكان هؤلاء ينطلقون من خندق مماثل، وفق حساباتهم ذاتها، بالرغم من أن الأسطول المعتمد عليه معمى، فحسب- هنا وهناك- وهم أناس عاطفيون، تم تأليبهم على الآخر/ الذات، وفي لحظة انعدام الحيلة، لم يبق لهم إلا استخدام السلاح المحرم الذي ينم عن أنهم في الحضيض الأخلاقي!
 تعالوا نقرع الأجراس:
إن الإعلام ما بعد الحداثي لهو أعظم سلاح، من الممكن أن تتم الاستفادة منه، في قضايانا المصيرية، فيما إذا تم استخدامه، على الشكل المطلوب، من خلال إعلاميين مهنيين، لا يسمحون لأنفسهم أن يكونوا أداة لترويج الأكاذيب، بحق المختلف معه، أياً كان تصنيفه، ناهيك عن أقصى درجات العنف التي يلجأ إليها بعضهم ممن بات يصدق ذاته إعلامياً، وهو دون مرتبة “المواطن الصحفي” وهو القدير، الذي ظهر منذ العام 2011، في بلدنا، ومكاننا، وقدم بعضهم أدواته، وصار له حضوره الفاعل، مالم يتم شراء ذمته، وتدجينه في مطبخ تمويلي مخرب.
 أجل، إننا، و كنخب معنية بالثقافة، أو السياسة، أرانا مطالبين -الآن وليس غداً- بفضح هذا النوع من الإعلام المخرِّب الذي بات ينشر أوكاره وجحوره في حياتنا العامة، وبات يوزعنا إلى جبهات وإقطاعات متنازعة، نتمترس إلى جانب هذا الدعي/ إعلامياً، أو ذاك -وأعني المسيئ- وهو ليس إلا مجرد قزم، أفَّاك. مشروع مجرم. أو مجرم في بعض الحالات، لاسيما ذلك الصنف الذي يبذر فيروسات ثقافة العنف. ثقافة الضغينة. ثقافة التأليب على الآخر، وإن كان مشروعاً، الآن، في زمن الإعلام المفتوح مواجهة أي خطأ. أي انتهاك، من دون مواربة، إلا أن صناعة العيوب ضد الآخر: شخصاً أو مؤسسة، أو حتى بلداً، أو شعباً هوما يجب عدم السكوت عليه البتة، ومواجهته، وفضح أدواته!
مجدداً:
لابد من ميثاق شرف جامع!*
لقد دعوت، وفي وقت مبكر من ظهور الإنترنت، إلى ميثاق شرف إعلامي كردي، ولم تلق الدعوات الصدى. أرى الآن، لابد من إعادتك إطلاق الدعوة، لاسيما إن الأسباب الداعية أكثر  إلحاحاً، ضمن حالة تنطع بعض الطارئين على الإعلام  لممارسة ثقافة التخوين، والشتم، وإيذاء الآخرين، وإطلاق الاتهامات بحق بعض جزافاً، ومن دون رادع، وتقنع بعضهم وراء أسماء مستعارة. لن أسترسل، بل أحيل القارىء الكريم إلى أكثرمن نص دعوة حول هذا الوباء الأكثرخطورة وفتكاً.
*يراجع بهذا الصدد:
مقال: دعوة إلى صياغة ميثاق شرف إنترنيتي وهناك حلقة ثانية منه مفقودة للأسف، كما إن لي مقالات سابقة عليه، في الموضوع ذاته افتقدتها:
مقال آخر أدعو فيه إلى- ميثاق إنترنيتي- في العام 2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…