الطفل والتفكير النقدي متى يلتقيان ؟

 

شيلان حمو

نمو الطفل بيننا, وسط عالم يسميه الكبار, فيرسم لهم في عقله الطفولي الغض لوحة من خلال ملاحظته اياهم, وأحياناً كثيرة نسمع منه عبارات  نقدية, نندهش أمامها, وأحياناً نعجز عن بعض أسئلته ونحن مستغرقون في همومنا, دون مراعاة لعالمه ,حاجاته.
كأن يسألك الطفل, كيف تعلقت هذه النجوم هكذا في السماء ؟ أو حين ينقد  معلمته ببراءة. آنسة وضعت لي جيد على الوظيفة دون أن تنظري اليها لماذا؟ فكيف نزرع في تفكير هذا الطفل هذا السؤال الدائم في كافة مجالات الحياة مثل  هذا التفكير النقدي الذي يجعله يجد لنفسه مكاناً خاصاً به.
لكن للأسف, نجد أنه في البيت, المرأة عندنا في الأسر الشرقية, تفرض الأم على أطفالها هيمنتها العاطفية, كوسيلة تعويضية, عما لحق بها من غبن باسم الأمومة المتفانية, انها تغرس في نفوسهم التبعية من خلال الحب, تشل عندهم كل رغبات الاستقلال وحسب رأيها _يجب أن يظلوا), و ملكيتها الخاصة وتحيطهم بعالم من الخرافات والمخاوف, فينشأ الطفل بالتالي انفعالياً, خرافياً, عاجزاً عن التصدي للواقع من خلال الحس النقدي والتفكير العقلاني كأن تقول له:
لا تخرج في الظلام سيأكلك الذئب. أو  هناك عصابة تخطف الأطفال وتشرب من دمهم.
ثم يأتي الأب, بما يفرضه من قهر على الأسرة, من خلال قانون التسلط والخضوع الذي يحكم علاقته  ليكمل عمل الأم, فيغرس الخوف والطاعة في نفس الطفل ويحرم عليه الموقف النقدي, مما يجري في الأسرة  من الوالدين, وما يمثلانه من سلطة (تحت شعار قدسية الأبوة وحرمة الأمومة), ويتعرض الطفل لسيل من الأوامر والنواهي باسم التربية الخلقية, وباسم معرفة مصلحته, وتحت شعار قصوره عن ادراك هذه المصلحة,. فوضع الطفل في جو يرقى به, الى النقد الخاص ضروري لتكمل شخصيته, لنترك الطفل يعبر عما رأى وسمع وقرأ, لنفسح له المجال ليتخيل عبر أسئلة مناسبة لسنه, فالتفكير في حد ذاته لا يمكن تعليمه, ولكن علينا تجنب التدخل في مقدرات كامنة لا واعية للعقل اليشري, لكننا نستطيع وضع الطفل في طرق ومسالك أشياء يفكر بها نشجعه ليقوم بأعمال فكره في هذه الأشياء والتعبير عنها, وهذا يجنبنا الخطأ الذي يمارسه التقليديون, وهو اغفل خبرة الطفل وتعليمه أشياء يعرفها سابقاً, مما يؤدي بها الى السأم والنفور, بدل الأقبال والرغبة عليها.
وقد نبه علماء النفس كثيراً الى أساليب التدريس المغلقة الجامدة التي لا تتناسب وطبيعة عقل الطفل, الذي يتحول في مرونة منقطعة النظير أماماً وخلفاً خلال القيام بعملية فكرية, خلال مراحل النمو التي يمر بها. بالإضافة الى ذلك, قد ثبت أن الطفل يتعلم التفاعل الخاص الذي خبره بنفسه, سواء أكان مع أشخاص, أو أفكار.
وبالتالي يعبر الطفل وفق منظوره الخاص عن فهمه للقضايا. التي تواجهه أو تأمل أعمق في الأفكار التي يتعامل معها, وهكذا ينطلق الفكر حراً, خلاقاً لأقصى مداه, بنموذج خاص لأقصى مداه, بطريقة حرة مفتوحة مرنة, يتضمن كل عناصر التطوير, من تغيير واضافة وحذف ……الخ وبالتالي يشعر الطفل وسط هذا الجو الديمقراطي بالتمييز الذي ينير دربه في تفاعله مع محيطه, والانسجام مع نفسه.
_____
المراجع :
-فلسفات تربوية معاصرة تأليف: د.سعيداسماعيل علي اصدارات المجلس الوطني للثقافة والفنون واللآداب -الكويت-
-التر بية الأستقصائية –الدكتور أحمد علي الفيش –اصدار الدار العربية للكتاب

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…