ثائر الناشف يسرد حكاية شالوم بن عزرا في رواية قمر أورشليم

صدر حديثًا عن دار أوراق في القاهرة رواية قمر أورشليم للكاتب السوري المقيم في النمسا ثائر الناشف، ويناقش النص الشخصية اليهودية من زاوية إنسانية محضة بعيدًا عن جوهر الصراع التقليدي الذي زخرت به معظم الروايات العربية، والتي غالبًا ما تناولت الشخصية اليهودية في سياق ذلك الصراع، دون الالتفات إلى أي جانب آخر من الجوانب التاريخية والإنسانية. 
غير أن ثائر الناشف لم يلبث أن وضع شخصية البطل أمام تحديات جمة، وأحاط حياته الذاخرة بالشكوك، في مسعى منه إلى زج شالوم في خضم التناقضات الإنسانية ليخلص من وراء ذلك إلى أن الإنسان عادة ما يكون ضحية للحقيقة التي يلهث وراءها. 
فشالوم بهويته الدينية كيهودي شرقي، لا يعرف أنه مجرد طفل سوري عثر عليه الجنود الإسرائيليون في آخر المعارك التي انتهت عند سفوح هضبة الجولان، بل يستمر في الاندماج والتفاعل مع الثقافة اليهودية وسط محيط يعرف جيدًا أصله الحقيقي، ويعرف مَنْ هو ” شالوم” حاله في ذلك كحال القارئ الذي يكتشف حقيقة الطفل المفقود منذ الفصل الأول من فصول الرواية.
 لكن لجوء الكاتب إلى إماطة اللثام عن شخصية شالوم، ربما حرص من وراء ذلك النمط السردي إلى وضع القارئ في موضع المراقب المتحمس لمعرفة المآل الذي ستنتهي إليه الرواية، وإلى عدم تكرار التجارب السردية للكثير من الروايات التي انتهجت سمة الغموض لشد أنظار القارئ، وجذب انتباهه من فصل لآخر وصولًا إلى النهاية المنشودة، وبالتالي الإمساك بتلابيب القارئ من فصل لآخر لضمان متابعته للرواية بغض النظر عن نهايتها سواء أكانت درامية فاجعة أم تفاؤلية تلبي رغبات الجمهور. 
فيما تطرح الرواية على امتداد صفحاتها البالغة أكثر من مئتي صفحة عشرات التساؤلات عن حياة المجتمعات اليهودية، والتي ركّز الكاتب من خلالها على إظهار إلمامه الواسع والغزير بأدق تفاصيل تلك الحياة، وكأنه قد جاء منها أو نشأ فيها مثلما نشأ بطل الرواية عينه، ولعل من أبرزها كما ظهر في الحوارات العميقة: 
ما الذي يحبه اليهود في الحياة؟ وما الذي يقلقهم ويشغل أذهانهم في الحياة؟ 
كيف ينظر الإسرائيليون إلى العلاقة مع جيرانهم العرب؟ 
كيف يفكر اليهود تجاه أنفسهم وتجاه غيرهم؟ ما الذي يهيج مشاعرهم؟ 
ثائر الناشف كاتب وإعلامي سوري؛ حصل على إجازة جامعية في الإعلام والصحافة من جامعة دمشق عام 2005، غادر سورية في مطلع عام 2007، وأقام في مصر لمدة ثماني سنوات، وأصدر فيها أول منشوراته الأدبية والسياسية، فكتب بُعيد وصوله إليها بوقت قصير جدًا المسرحيات النصية، والمؤلفات السياسية والفكرية.
أمّا الروايات، فقد بدأ في كتاباتها ونشرها بعيد وصوله إلى النمسا، وصدر له خلال الأعوام الماضية بضع روايات منها المسغبة التي تعد واحدة من أطول الروايات العربية المختصة في أدب الحرب. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…