خالد إبراهيم
كثيرون ممن لا يستحقون نعمة الحياة، كثيرون ممن غافلتهم محاسن الصدف، كثيرون ممن اضاعوا أجمل ما لديهم في لحظة ضعف وغضب، ضيقة هذه الحياة، وقصيرة جداً وجداُ.
25/7/2021 والمصادف يوم الأحد وفي تمام الساعة الرابعة بعد الظهر، شممت جسدها قطعة قطعة، تفتحت عروق جسدي، توردت مفاصل روحي، انتعشت خلايا جسدي المعطوب وكأنني ولدتُ للتو، قرأت في عينيها جرح الخطايا، يااااه ما ألذ واشهى رائحتها.
يقول لي أحد الأصدقاء: وكأنك لم تنجب غيرها بعد هذا العمر يا صديقي.
لم أنجب لا قبلها ولا بعدها يا صديقي، هي ميلادي، وعنواني، هي هويتي التي تشطر الأرض إلى شطرين، تزقزق عصافير قلبي عند تخوم عينيها، تنحني النجوم والأقمار لمقلتيها.
Perî يا تلكَ العاصفة التي جرفت أطنان القهر من بين أضلعي، أضلعي التي كانت ولا زالت كبلور محطم، يا تلكَ الصباحات التي طفت على شواطئ من حنين وجُبن واشتياقات لاذعة، لتصب لهيب يومها في أحضان مساءات مجردة مِن أقلام الشكّ لكتابة القصيدة، يا تلكَ النار السائلة بين لعابي المرّ، وبريق أثداء أسناني المكسرة، يا تلكَ الأنهار المقتولة كدمي، الدمُ الطازج على برزخ التاريخ الماضي والحاضر المشنوق والمستقبل المنتحر عبر بوابات الصدف.
التاسع من أغسطس في العالم ألفين وواحد وعشرين ” 9/8/2021 ” اليوم تم فصلي من العمل، حقيرة هي البيروقراطية الأوروبية، كنتُ أشعر بالمرض ولا زلتُ، وفي اليومين السابقين قد أضعتُ محفظتي الصغيرة، فيها عموم المستندات الشخصية، من هوية و شهادة السواقة، وكرت البنك، و بطاقة التأمين الصحي وسواها من الوثائق، بالإضافة إلى صورة صغيرة لابنتي ( perî ) كانت الصورة مرصعة بقطراتٍ من دم أصبعي الذي جرحته منذُ يومين، لم أعطي إي أهمية لمحتوى المحفظة، كاهتمامي وغضبي على تلكَ الصورة، لم أنم ليلتها، إلا أنني غفوت قليلا حيث أيقظني رنين الموبايل، كان المتصل مركز شرطة شانهورز الحي الذي كنتُ أسكن فيه، أسعدني اتصالهم حيث تم العثور على المحفظة، كالتنين الجائع نهضت مسرعاً نحو مركز الشرطة، وتم تسليمي محفظتي الضائعة، أخرجت صورة ابنتي، أدمعت عيني كثيرا وكثيرا، لاحظت السيدة الشرطية أنني أنظر إلى صورة ما، قادها الفضول نحوي وسألتني:
لماذا تبكي؟
ومن هذه؟
إنها حياتي، وعمري الفائت والحاضر والمستقبل، قلتُ لها
أشتاقها في الدقيقة ألف طنٍ من الأعوام، والفضاءات والمجرات والكواكب والنجوم الآفلة، لا يهمني أي شيء في هذه المحفظة، أستطيع إخراج بدل ضائع لكلِ شيء، إلا إن ابنتي لا بديل لها سوى روحي التي ستخرج من جحرها إن غابت عني يوما، لتسقط كل نساء الأرض، ليسقط كل العالم المتذمر حولي مثل حبات رملٍ، أو خرزات مسبحة حمراء، لتحترق كل الشواطئ والأشجار وكهوف الإنس والجن، ولتبقى ابنتي مبتسمة، منتعشة، خضراء حولي مثل حديقة.
من يحب يعرف جيداً كيف يمحو أخطاء وعثرات الطرف الآخر…..
اسألوا من لا يمحي أخطاء طرفه الآخر ماذا حل به؟
فأنا لا أشمع لأي طرف بالأخطاء…
فهناك أخطاء تستحق الصبر وهناك أخطاء لا تستحق الصبر لحظة واحدة…
يا صاحبي كلامي للذين يحبون بأفعالهم وضمائرهم وقلوبهم أيضا….
الذي يحب بضميره سيصبر ويتحمل فليس هناك حياة محبين بدون أخطاء والذي يخسر دوما هو ذاك القلب الذي لا يمحو أخطاء من يحب ….
قابلت مرة إنسانة كانت لا تغفر أخطاء لا تذكر لشريك حياتها..
أنا لا ألومها هي الحياة قاسية بضغوطاتها وفوارق كل نفس عن نفس بالصبر أو حتى بحذف الأخطاء لصون الود….
هي الآن تعيش حياة أقسى مما كانت عليه في السابق
لأنها اتخذت قرااًر يبدو انها تقبض عواقبه……
يا صاحبي ليس سهلا مثل هكذا قرار….لربما ستنتقل بقرارك من سيئ إلى أسوأ….
يا صاحبي اختم لأقول….
هناك أخطاء إذا تحملتها ستقبض الثمن باهظا ومضاعفا……تبقى أفضل من تحمل أخطاء الغير والتي لن تقبض عن تحملها سوى القلق والتذمر من كل شيء….
هذا قانون ثابت في هذه الحياة…
لذلك نتخذ قراراتٍ مثل حد الشفرة، قاسية مثل ألم المشنقة، مثل سطوة برد الشتاءات على أجساد عارية، تماما عندما تجد نفسكَ مربوطا بحبلٍ متين ومن حولكَ أكثر من أفعى تتقدم نحوك، وانتَ باق تفكر في جُلّ تضحياتكَ التي مضغتها نيران الغيرة والشكّ وتلافيف العصب القاسي.
الإنسان
يعلم أن الله كرمه بالعقل ونفخ فيه من روحه…. يدرك أنه مسؤول عن أفعاله فيمتنع عن فعل ما يسيء له باتخاذ مبررات لا قيمة لها… يحترم ذاته فلا يرضى أن يجعل نفسه عرضة للسخرية أو الشفقة أو الشتم… يعلم حدوده فلا يتجاوزها ولا يسمح لأحد بتجاوز حدوده معه… يحاول دائماً الاعتماد على نفسه قدر استطاعته ويتجنب تحميل أعبائه على الآخرين… لا يرضى على نفسه أن يكون ضيفاً ثقيلاً أو صديقاً استغلالياً… يتحكم بأعصابه ويضبط تصرفاته فلا يقلل من قيمة ذاته بالحركات الانفعالية المنفرة… لا يتوسل سوى لله العلي القدير… إنه يا سادة عزيز النفس صاحب المقام الرفيع بشخصيته الواثقة المتزنة التي لا يمكن لأحد أن يقلل من شأنها.