إيروتوكيا: هاتي الشفاهَ

عبد الستار نورعلي

“كُتِبَتْ القصيدةُ وأنا في الثامنة والعشرين، وظلَتْ حبيسةَ قضبانِ دفتري القديم، لم ترَ النورَ في عالم النشر؛ لهذا السببِ أو ذاك. واليوم أطلقُ سراحَها؛ لتعانقَ عيونَ المتلقين وتملأ كؤوسَ ذائقتهم، سلباً أم إيجاباً، قبلَ أنْ نودِّعَ الدنيا، فتختفي حيثُ هي في حبسها. فمعذرةً من قرائي الأعزاء الكرام؛ عساها لا تُخدشُهم.”
هاتي الشفاهَ، فقد أضنانيَ السهرُ
هاتي العيونَ ، ففي أنهارِها الدُرَرُ
هـاتي الخدودَ ، دماءً فيَّ نازفـةً ،
لونَ الشقيقِ، وجمرَ النارِ أستعِرُ
أذوبُ في الجمْرِ أروي منْ مناهلِهِ
قلبي وروحي، فلا أبقي ، ولا أذَرُ
عيناكِ نجمانِ ، إشراقاً وتحليةً ،
غارَ النهارُ، وغارَ الشمسُ والقمرُ
أرى النعيمَ ، إذا ألفيتُ منطلقاً
في بحرِ عينيكِ موج التوقِ ينتظرُ
فأرتقي سُـلّمَ الأكـوانِ ، أحملُـها
طفلاً نديَّ الهوى في الحضنِ ينحدرُ
أنا الحنينُ، أنا الأشواقُ راقصـةً ،
أنا الغريقُ، أنا الشاطي، أنا البحَرُ
أنا الجريحُ، أنا الرامي، أنا العسلُ،
أنا السمومُ، أنا الجدبُ، أنا المطرُ
أنا الذي مـزّقَ الأضـلاعَ ، بعثرَها
بينَ اللواهي، فجفَّ الشوقُ والزَهَرُ
أنا الذي، أيُّها الساقون، قد نضبَتْ
في حقليَ النَبَعاتُ الحُمْرُ والعمُرُ
    
فعدْتُ أحملُ أشواقي وأرديتي
وقصتي وخموري وهي تُعتصَرُ
لأشـربَ الكأسَ ، نشـواناً بلا مللٍ ،
أطوي السطورَ المواضي طيُّها الفِكَرُ
أطوي الليالي، وقد كانتْ مراشفُها
أهنى من الشهدِ، طابَ الحبُّ والسَمَرُ
طابَ العناقُ، وجيدٌ ذابَ في شفةٍ،
وعاريُ الصـدرِ بينَ الكـفِّ يُعتصَـرُ
وقبلـةٌ فوقَ صـدرٍ ناعـمٍ لـزجٍ
أبهى من الصبحِ والنيرانُ تنفجِرُ
تكادُ منْ لمسِه الأجسادُ تحترقُ
تكادُ من حـرِّه الأضـلاعُ تنتشرُ
ويصبحُ الصدرُ فوق الصدرِ في لهبٍ
يفنى الوجودُ، ويفنى الناسُ والعمُرُ
فلا أنينٌ، ولا قالوا، ولا زعموا،
ولا دعاوى، ولا دهرٌ، ولا بشرُ
كأنّنا واحدٌ، والكلُّ قد سلفوا،
لا نسمعُ القيلَ غيرَ الآهِ ينهمرُ
فآهةٌ تنتشي في لحظةٍ دلفتْ
مساربُ الشوقِ في الأرحامِ تستترُ
وآهةٌ تنتشي في لحظةٍ شربتْ
ريحُ المجاعةِ حلوَ الشهدِ يختمرُ
يا سارياً في دياجٍ رُحْتَ تقطعُها،
انهلْ من اليومِ، لا يبقى لكَ العمُرُ
فنحنُ ماضونَ إنْ سرْنا وإنْ وقفتْ
أقدامُنـا خيفـةً ، فالموتُ ينتظرُ
لمْ لا تعـيشُ نواسـياً بلا ظمـأٍ ،
تسقي الحياةَ، فلا خوفٌ ولا سهرُ؟
ماتَ النواسيُّ، ماتَ الشيخُ واعظُهمْ،
نموتُ نحنُ ، يموتُ الطيرُ ، والشجرُ
فكلُّنا في ظلامِ القبرِ يجمعُنا
صمتُ الترابِ، ويغفو فوقنا الحجَرُ
عبد الستار نورعلي
الاثنين 31/5/1971 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…