ماجد ع محمد
إذا كانت الواقعية هي المعرفة العقلانية للحياة وإدراك كل أو بعض ما يجري فيها من وقائع، ومن ثم السعي لمستقبلٍ أفضل للعناصر والكائنات التي تُشغل ذلك الحيّز الجغرافي الذي تم رصد المجريات فيه بميكروسكوب الأديب أو الأديبة المعنية بتحسين ظروف الذين يُشغلون تلك البقعة، فإمكاننا القول إن الروائية أفين أوسو فعلت خيراً عندما اكتفت باستخدام اللغة الشعرية في بعض المواضع التي تتطلب الإقلاع والابتعاد عن الأرض المدماة قليلاً والسباحة في عالم المجاز إلى حين وليس الاستمرار فيه، باعتبار أن العمل مادته الأساسية جُبل من أديم الواقع المُعاش، وأولى تكوينات الصلصال انطلقت مِن الوقائع اليومية والحوادث البارزة في بلدٍ يشهد الخراب والدمار منذ عشر سنوات، وحيث أن الواقعية تتطلب تصوير الحياة كما هي دون الإغراق في المثاليات أو الجنوح صوب الخيال المحض،
وباعتبار أن الرواية “أرواح تحت الصفر”[1] التي بين يدي القارئ فيها العديد من الرسائل، ولا شك أن من يود إيصال الرسالة لجهة ما أو لعموم الناس مطالَب بأن يكتبها بلغة مفهومة من قبل الجميع، وأن على الرواية في الحالة هذه أن لا تحتاج إلى أدلاء ومفسرين وشرّاح، بما أن العمل الأدبي موجه للعامة ولا يستهدف فئة معينة من أبناء المجتمع، وأرى أن المادة الأولية المنتشلة من بين أضلاع الحقيقة غدت قطعة فنية بهية تحولت بين يدي الروائية بفضل قوة الملاحظة لديها وخيالها الخصب، إلى لوحةٍ تنبض بالآمال تارةً وتارةً أخرى تقتفي أثرالمواجع على اختلاف مصائر الشخصيات فيها.
وإذا كانت بعض الروايات لا تعمل آليات المغنطة فيها إلاَّ بعد أن يمر القارئ على عوارض المفتتحات التي تتطلب من القارئ الرشاقة والصبر معاً، لأنه لو لم يمتلك الخصلتين، فإمّا ستفتر همته منذ البداية، أو سيزيد من سرعته حتى يتخلص من منطقة العوارض تلك، علماً أن ذلك المرور السريع قد يتسبّب بعرقلته، فحينها ربما تعثّر هو أو تأرجحت أطراف العمل الفني بين يديه، ولكن ما يميز أفين هو أنها فلحت في الإيقاع بالقارئ من ومضة الإهداء، وهي الصفحة التي أعدتُ قراءتها عدة مرات، وخيّل إليّ وكأنها من خلال هذا العنقود المتدلي من العريشة المظللة بوابة المزرعة أرادت أن تُشعل ميكانيزمات الشغف لكي تحثنا على المضي قدماً لداخل بستانها الأدبي، وهو الذي حصل مع بعضنا وحيث نجحت في ذلك حسب ما أعتقد، كما أننا في الإهداء نستشف بأن أفين لم تكن وفية مع أمها فحسب، إنما هي كذلك مع المعلّمة التي قدّمت لها الزحافات والإرشادات الضرورية حتى تتمكن من التجوال على سطح جليدٍ يمكث تحت صفر درجاته آلاف الأوادم، وهي ههنا بخلاف الكثير من أهل الإبداع وحيث أن بعضهم ولمجرد أن يباشروا بالتحليق حتى تراهم يقطعون الخيوط مع كل من كانوا وراء صعودهم نحو سماوات الإبداع، وهذه الحالة لا شك هي عند أهل السياسة والسلطة أشد عنفاً وفتكاً مما هي عليه لدى أهل الإبداع، وحيث أن الصاعد السلطوي الذي يكنز الدكتاتورية في جوفه لمجرد أن يصل إلى مبتغاه حتى تراه قد بدأ بتصفية من أوصلوه.
وبخصوص العنوان فبما أن المرء حتى عقب الشروع بعملية القراءة لا يعثر بين طيات الرواية على جملة واضحة في فقرة اقتطفت من السياق واختير كعنوان بكونه يمثل جوهر الكتاب، ولا جاء العنوان في صدر فصلٍ أو مفتتح صفحة، إلاّ أن ظلال العنوان كانت مرافقة للقارئ في كل صفحة ينتقل إليها، أما قبل الدخول إلى أجواء الرواية وساعة التمعن بالعنوان وحده قبل الغوصِ، فقد يخال للبعض بأنه يشير إلى كيفية العيش في المناخات الباردة التي تنخفض فيها درجات الحرارة إلى ما تحت الصفر، أو يحيل البعض الآخر إلى شرنقة البدايات قبل الخروج والتعثر ومن ثم التحليق، أي الاِنطلاق من الصفر ومن ثم النمو التدريجي للأحداث والشخصيات والعمل ككل، شخصياً انتابني بدايةً ما يشبه الشك بأن لا يتوافق العنوان مع مضمون العمل، إلاّ أن الريبة سرعان ما تلاشت بعد القراءة، وغدا تذكر العنوان فيما بعد كافياً لأن يجر خلفهُ لوحةً بانورامية تختزل مصائر الشخصيات التي «هرمت ملامحها في ردح الفقر المثقل برائحة الموت»، والتي تسببت «الانفجارات المتتالية في إجهاض رائحة الياسمين في رحم بتلاتها»، وغدت تلك الكائنات معلقة بين «مخالب الموت وترسبات السلام» (ص: 6).
ولا مِراء أن الواقع كان مُراً ولا ينكر ذلك إلاّ من كان يقبع خارج التاريخ، ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يتم التأقلم نوعاً ما مع مرارته مع الرغبة لتحسينه، ولكن في حال المحطة الأولى للرواية والمكان الأول لانطلاق مراكب الكلمات منها تتحدث الروائية من دون تصريح عمن زرع وهم الخلاص في عقول وأفئدة أهالي الحي، وبديهي أن هذه التلميحة قد لا ينتبه إليها بسهولة إلاّ من كانوا من سكان الحي نفسه، ممن كانوا يشاهدون بأم العين الأحياء الشعبية من حولهم تُدمّر حياً تلو الآخر، وبسبب الحقنات الأيديولوجية لزارعي الوهم الخالص في أذهان أهل الحي ظن السكانُ أنهم بمنأى عما يجري في البلد ككل، وبناءً على تلقفهم اليومي للأمصال الأيديولوجية عبر بربوغندا الجهة التي كانت تدير الحي، خيّل إليهم بأنهم لن يحترقوا بنيران الحرب المشتعلة كغيرهم من أبناء البلد، وأنهم بالتالي سيبقون مجرد شهود عيان على ما يجري حولهم، إلاّ أن ذلك الوهم الذي استمر زراعته لشهور طويلة أُزيل أثره خلال ساعات قليلة، والواقع التدميري لم يستثني ذلك الحي وناسه من القتل والخراب والدمار؛ أما بخصوص الغرور الحزبي الذي عملعلى نشر الأوهام بين الرعية، وظهور الجهة التي كانت تدير المكان وناسه بمظهر الثقة الزائدة والتي هي في الأصل زائفة، باعتبار أنها لا تعتمد على أي أساسٍ منطقيٍّ، بكونه قائم على ضخ البالونات المؤدلجة فحسب، والتي سرعان ما تنفجر ولا يبقى أثر لكل هوبراتها، وهو ما كان يدفع المواطن المتيقظ آنذاك إلى السؤال عن مربط الثقة المزعومة لدى المتحكم بحياة أهل الحي، كما تساءل يوماً ريان هوليداي في كتابه (الغرور هو العدو) وحيث يقول: «إذا كان إيمانك بنفسك لا يعتمد على الإنجاز الفعلي، فما الذي يعتمد عليه إذن؟ وإجابة هوليداي هي الغرور طبعاً” لهذا نرى صعوداً مفاجئاً يعقبه إخفاق كارثي؛ وهو بالضبط ما حصل في حي الشيخ مقصود بمدينة حلب عام 2013 وفي منطقة عفرين عام 2018، والجهة المغرورة إلى حد الصلف لا تدرك حقيقة ما هي عليه، وربما لا تعي شيئاً عن مهارة تقييم القدرات الذاتية، وماهي إمكانياتها العسكرية والسياسيىة التي كانت وراء حصول الكارثتين». (ص: 6).
ولأن تدمير عش الإنسان ليس أمراً عادياً قط، لذا ففي الصفحة ستين من العمل يُعاد التذكير باقتحام الحي، ومن ثم الخروج منه بعد تشريد أهله وتدمير بنيته وسرقة كل محتويات منازل أهلها الذين جمعوا الأثاث والأدوات المنزلية بعد شقاءٍ استمر عشرات السنين، وفيما يتعلق بتأثيرات الطبقية حتى في المعامع والأزمات الكبرى، تذكّر الروائية القارئ بهذه الظاهرة في مدينة حلب التي بقيت أحياء الميسورين تقريباً بأكلمها مزدهرة وبعيدة عن لظى الحرب، بينما الأحياء الشعبية دُمرت بمجملها وقتل فيها كل أسباب الاستمرار بالحياة. (ص: 35).
وثمة تساؤلات تُطرح عن كيفية تسليم المنطقة للكتائب في الصفحة التاسعة والتساؤلات ههنا كانت لسان حال معظم سكان الحي الذين تهكموا وقتها قائلين: بأن الجهات ذات الخلفية الماركسية والتي كانت تدّعي حماية الحي هي نفسها مَن سلّمت الحي بدون أي قتال للكتاب الإسلامية المتطرفة! كما تبين للأهالي بأن الذين دخلوا الحي بدعوى تحرير باقي المناطق واستهداف فرع المداهمة الواقع في أسفل الحي من جهة حي الميدان، وكذلك الأمر موقع الجيش الشعبي في حي الجلاء، كان لديهم هدفين أساسيين من وراء دخولهم الحي، أحدهم تمثل بحماية مناطق النظام حماية تامة، وثانياً نهب وسرقة كل محتويات المحال التجارية والبيوت في الحارة ككل، وهذه خدمة أخرى للنظام، وحيث أظهروا أنفسهم للمدنيين بأنهم ليسوا ثواراً، إنما هم مجرد قطاع طرق ومجموعات لصوصية، وفي الصفحة السابعة هناك إشارة إلى أن ثمة نتانة أخلاقية لدى كل من يعتاشون على نتائج زرع المخاوف بين الناس، كحال السراق أوان القصف وأوان ضرب الزلازل أو إبان انتشار الأوبئة في مكان ما، كما تلفت الروائية انتباه القارئ إلى ظاهرة تغيير التركيبة السكانية في الكثير من المناطق السورية نتيجة النزوح وإحلال فئات بشرية مكان فئات أخرى، وحيث أن هروب المدنيين من منطقة لأخرى ومجيء غيرهم بسبب القصف الذي استهدف مناطق سكناهم، أدى إلى تغيير البنية الاجتماعية في أغلب الأحياء والمناطق السورية، وحيث تقول الروائية بأن الحارة لم تعد كما كانت عليه من قبل ككتلة مجتمعية واحدة، فالحي تغير بتوافد وجوه جديدة، وغدت الحارة الواحدة مزيج من السكان الذين لا يشبهون بعضهم في الكثير من الجوانب الاجتماعية، وهذا بحد ذاته لا يدعو للاحتفاء بالتنوع والغنى، إنما هو سيكون المكان الخصب لاندلاع الصراعات المستقبلية متى ما سنحت الظروف للتفجير من جديد، وذلك بسبب الاختلافات الجوهرية بين من أُجبروا في وقت الحرب للاجتماع في مكانٍ ما رغماً عنهم.
وبما أن تنعُّم أي منطقة بالأمان والسلام كفيل بأن نسمع فيها تغريد الطيور وتحليق العصافير في سمائها، فوجود الباعة الجوالين وخاصة بياعي السحلب والحليب والكعك صباحاً في أحياء المدينة دلالة على أن الحياة طبيعية، وهو ينوه إلى توفر الأمان والطمأنينة فيها، وغيابهم الكلي يشير إلى ما هو بخلافه (ص: 10)، إذ عندما تختفي في منطقة ما الأصوات الدالة على استمرار الحياة فيها، هذا فأل سيء، لأنك قد تجبر حينها إلى أن «تحمل بيتك إلى ظهرك وتخرج للمجهول تاركاً حقل منزلك تدوسه أقدام المارة وتُهرس ورود زرعتها في ثنايا ذاكرتك» (ص: 11).
من عايش الحروب يدرك أن في المعتركاتِ عادةً ما تتبخر معظم القيم، وترتفع أسهم الأنانية ويكاد الإيثار أن يغدو من اللُقى النادرة، وفكرة إنقاذ الذات هي التي تطغى وتصبح القاعدة الأساسية وإن كان الخلاص على حساب الآخرين، إلاَّ أننا نقرأ في سياق الرواية موقفاً جديراً بالتقدير، ألا وهو موقف الشاب آزاد الذي كان يعمل سائق على سيارة السيّد حسن والد جيان وجوان، وحيث أنه صبيحة الزلزال الذي ضرب الحي، أي صبحية دخول الكتائب الإسلامية إلى الحارة وبدلاً من أن يركب آزاد السيارة التي كانت معه ويفر بجلده لإنقاذ نفسه وعائلته من قذائف وهاونات وصواريخ النظام ورعب الكتائب الإسلامية، يترك العربة أمام باب بيته لكي يأتي صاحبها ليفر بجلده فيها، إذ أن الأنانية التي عادة ما تظهر بصفاقة ابان الفوضى ووقت إنتهاء العمل بقانون الدولة والمجتمع لم تظهر من خلال سلوكيات آزاد، وهو ما يعني بأن الطيبة كامنة فيه ومتأصلة لديه، وأن أخلاقه ليست متعلقة بقانون الدولة والرقابة المجتمعية ككل. (ص: 13).
تشبّه الروائية الحرب في مكانٍ ما بثعبان يتمدد كالسيل نحو البشر، وكما أن الثعبان قبيل اقترابه من ضحاياه يمضي إليهم بهدوء وخلسة، ولا ينتبه المرءُ إلى قدومه إلاّ في اللحظات الأخيرة، وعندها يكون التخلص من دائرة مخاطره ليس بالأمر الهين، لأن المباغتة تربك الإنسان وكثيراً ما يتخبط في مكانه المرءُ ولا يعرف التصرف كشخص سوي وحيث تقول: «الحرب تزحف إلينا وأنت لا تستطيعين حملنا على كفوف السلام» (ص: 14)، ثم أن خوف الأم على أولادها وحبها لهم يدفعها إلى أن تنطق بالصور الشعرية وتقول ما كان مستحيلاً القيام به، وذلك حيث تقول: «ليتني أستطيع أن أعيدكم إلى رحمي، لأتحمل مشقة حملكم عشرين عاماً» (ص: 14)، وهواجس الأم في هذا المقطع تذكرنا بقصيدة لشاعر صيني يقول فيها: «الحب يجعل الأمهات، يكرهن النسور، ويشفقن على الصيصان، والحب يدفع الأبناء كي يصبحوا نسوراً ولا يظلوا صيصاناً»، فالأولاد يتطلعون إلى الطيران بعد أن كبروا ونبت ريش أجنحتهم، بينما الأم تتمنى لو بقيوا صيصاناً صغار تخبئهم تحت جناحيها وتحميهم من براثن الصراع التناحري؛ وذلك باعتبار أن «الحلم بالأمان ما يزال ترفاً سورياً» (ص: 15)، كما أن خلو الأحياء والأزقة من المارة بسبب الحرب التي دارت فيها وبعد هجرة أهلها غدت الأزقة مقفرة، والشوارع «توقفت فيها معالم الحياة» (ص: 16)، أما بخصوص عبارة الله أكبر فغدت مصدر رعب حقيقي لدى الأهالي بدلاً من جلب الطمأنينة والسلام (ص:16)، كما أن المنادون باسم الرب والمدعين بأنهم من جنوده فلا ينتظرون أوامر خالقهم وإرشاداته ومزاميره في الحروب، ولا ينتظرون أوان صدور حكم الله، إنما المسلّح نفسه يتولى وظيفة الرب في محاسبة الناس على الأرض. (ص:16).
وبما أن وجوه الحروب والثورات ورغبات الانعتاق متشابه، لذا فإن وصف الحياة اليومية في الحرب، (ص: 19 و20) يأخذنا إلى مناخات رواية الكاتبة الكورية «مي هوانغ»، «الدجاجة التي حلمت بالطيران»، وحيث أن الحرية التي سعوا إليها وبحثوا عنها سرعان ما غدت وبالاً عليهم، ولم يخطر على بالهم بأن الضريبة ستكون باهظة الأثمان جداً، كما حدث بالضبط مع الدجاجة (إبساك) التي سعت جاهدة للخروج من القن واستنشاق هواء الحرية والتحرك بأريحية بعيداً عن الجدران والأسوار التي تطوقها وتمنعها من الذهاب والإياب، ولكنها لمجرد أن الخروج من القن تجرعت كل ما لم تتجربه من قبلُ قط، وعاشت الأهوال التي لم تكن تعرف عنها شيئا، وغدت دروب الحرية التي سعت إليها محفوفة بعشرات المخاطر التي تهدِّد حياتها كل يوم.
وعن دور الحرب في اتساع الفجوة بين أنماط المعيشة، فلا شك أن لكل واحد من القراء وخاصة السوريين نصيب من المعرفة المتعلقة بمصائرالذين كانوا عدماً وصاروا من أصحاب الملايين، ومن كانوا بحق ميسوري الحال ولكنهم فقدوا كل ما كانوا يمتلكونه، وكيف أن الذي صار ثرياً في الحرب لم يعد قادراً على التأقلم مع من لا يمتلكون إلاّ أنفسهم من بين كل أسباب الثراء والملكية، فالحرب رفعت صقور الفقر عن صدور بعضهم ولكنها سلبت آخرين كل ما كانوا يمتلكونه، كما أن الجشع غدا من القيم السائدة إذ تحكم «تجار الحروب مع تشظي الأسر من وراء سوء الأحوال الاقتصادية صارت ثقافة اللهم نفسي هي السائدة». (ص: 111).
ومن المشاهد التي عايشها سوريو الداخل وسط مناطق الاشتباكات وانتشار القناصة في الأبنية المحاطة بمنازل المواطنين في أغلب نقاط التماس في عموم سوريا، هو أن واحدهم لأجل أن ينقذ شيئاً من بيته، ولأجل أن يصل إلى مخدعه للاطمئنان عليه، أو يتفقد مقتنياته وسط القناصة، يتصرف في المضي إلى منزله والخروج منه كما يتصرف السراق، وذلك لأنه يدخل سراً ويخرج خلسةً مخافة أن يستهدفه أحد القناصة، وهذه اللوحة جسدتها الرواية بشكل جلي في الصفحة الرابعة والثلاثين بقولها: «الحرب تجعل الواحد يهرب من بيته وكأنه لص»، كما تؤكد الروائية بأن الكل خاسر في الحرب وأحكم الناس من ابتعد عن الأنانية والخلاص الفردي وسط اللهيب، لأن الحرائق التي تندلع في مكان ما قد تقضي على أسباب الحياة بدون أن تستثني شتلة في أول إيناعها، أو شجرةً بلغت مراقي الحكمة مع تقدم سنها في الغابة، «فحال الناس مع المعارك والصراعات الدموية كحال العيدان في الغابات التي تطالها النيران فالقليل من يخرج منها سليما لأن الحرب كمن يرمي كبريتاً مشتعلاً في كومة قش، لن تنطفئ قبل أن تحولنا جميعاً إلى رماد وحطام». (ص: 35).
وفي الصفحة الرابعة والستين يورد تساؤل فردي ولكنه حال ملايين الناس ممن ابتلت بلادهم بلعنة الحروب ألا وهو: «هل تظنين بأن الحرب ستتناسى حيناً وتمضى بجانبنا بسلام دون أن تعمدنا بإحدى طقوس مآتمها؟». (ص: 64)، حيال التساؤل قد نتجرأ ونقول: لا طبعاً، فمن لم يمت فيها ولم يخسر أهله فَقَدَأحداً من أقربائه أوخلانه، ومَن لم يخسر الأروح خسر الممتلكات والمقتنيات، ومن لم يخسر مادياً خسر معنوياً، فالكل خاسر حتى ذلك الذي كان يعتبر نفسه بعيداً عن لظاها كوالد أفستا نموذجاً، (ص:114)، لأن الحرب لا تسمح لأحد بأن يخرج من عالمها خالي الوفاض: «إنها الحرب أبشع ما أنتجته البشرية لا ترضى أن يفلت أحد من ضحاياها دون إرث». (ص: 62).
النقد في الرواية:
ننطلق من الإشارة إلى أصحاب الهتافات والشعارات الفارغة (ص: 11) ونقد مَن ادعوا بأنهم يحمون الأهالي في هذا الحي أو غيره، بينما في حقيقة الأمر هم بخلاف ذلك، لأن كل القوى السورية المسلحة على الأرض احتمت وتحتمي بالأهالي واستخدمت وتستخدمهم كدروع بشرية، وما من قوة منها كانت غايتها الحفاظ على حياة وأرواح وممتلكات الأهالي، أما فيما يتعلق بالازدواجية القميئة لدى شريحة لا بأس بها من أبناء المجتمع السوري فكقارئ للرواية كم مرت من أمامي ملامح بعض من أعرفهم على أرض الواقع وهم يعيشون حالة التناقض بحذافيرها، بين ما كانوا عليه في البلد وما صاروا إليه في المغتربات، والتي تذكرها الروائية في (ص: 25 و26) إذ أن من كان مستعداً لأن يتشاجر مع جيرانه أو أقربائه لأنه شاهدهم يتحدثون مع ابنته أو أخته أو زوجته، اليوم يُشجع بنات إخوته أو بناته هو شخصياً على ضرورة ارتياد المسابح المختلطة للتسريع بعملية الاندماج في المجتمع الذي يغدق عليه اليورو، ومَن تخلى عن حبيبته في البلد بسبب حديثها العفوي والبريء مع شاب، لا مشكلة لديه الآن في مغتربه في الاقتران بامرأة نكحها قطيع من الذكور، فمن «ترك أثراً من دناءته في روحها» (ص: 26)، وحاول مراراً إفهامها بضرورة الحفاظ على عفتها له، اليوم صار «جسده خريطة لأثر فتيات تجرعن الذل من نذالتك». (ص: 26).
كما تشير الرواية إلى دور وسائل التواصل الاجتماعي في معرفة الناس ببعضها وحيث أن المرء يمثل نفسه ويعبر عن ذاته ويكشف عن خصوصيته كشخص عبر تلك الوسائل، هذا إذا ما كان معروفاً بين أصدقائه، صديقاته، أقربائه ومعارفه، وليس مجرد لص مقنّع يتسلل الى هذه الصفحة وتلك لأغراض دنيئة، وحيث أن صفحته الوهمية لا تدل على أي شيء يكشف هوية صاحبه، (ص: 42)، وهذه الشكوك لمحت إليها الروائية من خلال نقدها لهذه الظاهرة الخطيرة التي تبدأ بمداهمة الخصوصيات عبر وسائل التواصل، والتي تسببت مراراً بانهيار العلاقات الأسرية، وعلى أرض الواقع يمكننا تلمس ذلك أو القراءة عنه في الأخبار اليومية، ومنها على سبيل الذكر حادثة القبض على هكر سوري في جبل لبنان، وحيث أن السلطات اللبنانية قد ألقت القبض في 22 حزيران 2021 على شاب سوري بتهمة قرصنة حسابات فيسبوك وانستغرام، وابتزاز أصحابها، وتهديدهم، واعترف المجرم في التحقيقات بما نُسب إليه لجهة تهديد وابتزاز المدّعية، طالباً منها إرسال صور وفيديوهات حميمة عائدة لها، كذلك أفاد بأنه أقدم على استخدام حسابها للإيقاع بضحايا آخرين، وقد تجاوز عدد الحسابات التي قام بقرصنتها ذلك المهكر 750 حساباً على تطبيقَي فيسبوك وانستغرام، وحيال ذلك حذّرت المديرية العامة المواطنين من مغبّة الوقوع ضحية هؤلاء المبتزّين الذين يستخدمون برامج عدّة لقرصنة الحسابات الإلكترونية، وطلبت منهم عدم فتح أي رابط مشبوه أو مجهول المصدر، أو تدوين بريدهم الإلكتروني أو كلمة المرور عليه، ومن جميل ما نقرأ عن وهم العلاقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي في الصفحة مائة وتسعة أن «العالم الافتراضي جعلنا بعد الفرار من الواقع المرير أن نقيم في العراء تحت قبةٍ أوتادها معلقة في السماء».
محنة اللغة والناطقين بها:
عن محنة الطفل الكردي في المدارس والتي تذكر الروائية تفاصيلها في الصفحة الخامسة والخمسين، وحيث كانت اللغة وفرضها بالقوة على البراعم أشبه بسياطٍ على البدن، وهذه المحنة المتجددة والتي ما يزال الطفل الكردي يعاني منها في سورية لم يتغير من وضعها شيء منذ أن عبّر عنها الأديب الكردي سليم بركات في «الجندب الحديدي»، وكذلك الأمر لفت الأنظار إليها الشاعر مروان علي في كتابه «كيف تصبح كردياً في خمسة أيام»، وكتّاب آخرين لا تسعفني الذاكرة لإيراد أسمائهم، ولكن بما أن قمع اللغة له علاقة مباشرة بقمع هوية أصحابها، قمع ثقافة ملة برمتها، فنقرأ عما يماثل هذا الجرح الغائر لدى الكاتب الليبي إبراهيم الكوني في روايته «من أنت أيها الملاك أيها الملاك»، وحيث أن الموضوع الأساسي للرواية إصرار المواطن «مسّي»، على أن يسمي ابنه «يوجرتن»، ولكن هذا الإصرار يصطدم بسياسة السلطات في التعامل مع الأسماء، والتي تعمل جاهدةً على تذويب ملة صاحب الاسم في بوتقتها القومية؛ وحيث أن الإصرار من قِبل الأب على اختيار اسم ابنه على هواه يسبب له متاعب دائمة؛ وبالعودة إلى رواية أفين فإن كلام الآنسة في الصفحة السادسة والخمسين هو ليس كلامها وحدها، إنما هو كلام الدولة بكل ما فيها من مؤسسات، كلام سياسييها وعسكرييها ومحلليها وكتابها وفنانيها وحتى عامة الناس الناطقين باسم الدولة فيها؛ أما بخصوص معاناة الكرد في ترجمة مواجعهم وفشلهم في ترجمة ما يفكرون به وإيصاله للآخر (ص: 57) فحتى فترة قريبة كان الكثير من كرد سوريا يرون بأن التقصير الأول هو من الكرد أنفسهم لأنهم فشلوا طوال السنوات الماضية في تعريف الآخر بهم، ولكن ظهر فيما بعد وخاصةً بعد الانتفاضة السورية الكبرى في 2011 بأن المحقون بالأفكار العنصرية لديه استعداد للتعرف على شعبٍ في آخر العالم، وعلى شعوب منقرضة، ولكن ليس لديه أي استعداد للتعرف على هوية جاره القومية من دون أن يتهمه بالعمالة لأمريكا أو لروسيا أو لإسرائيل.
الأمل وتخطي العثرات:
“تعثرت خطانا وسقطنا أرضاً وعلينا أن نحارب لنعيش”، هذه الفقرة الواردة في الصفحة الخامسة والسبعين معبّرة بحق، وفيها شيء من حكمة التعامل مع مصاعب الحياة وعراقيلها، والتي تحث المتلقي على عدم الاستسلام مهما تعاظمت العراقيل والمطبات، وبالتالي رفض الاِستسلام لليأس، وأن علينا عدم جعل الوقائع اليومية التي تنهال علينا هنا وهناك كحواجز ومصدات أبدية، إنما أن تكون كل محنة وكل منعرج محطة لانطلاقة جديدة، وهذه الرؤية المشبعة بالإصرار والأمل تأخذنا إلى فضاءات الشاعر البريطاني «رديارد كبلنج» وخاصةً قصيدته الرائعة «إذا استطعت»، وكيف علينا البدء كل مرة من جديد بعد أن نكون قد خسرنا كل شيء، كما أن النهوض والإنطلاق من جديد بعد كل سقطة، والبحث عن المخارج الجديدة بدلاً من الشتم واللعن والإحباط ههنا يذكرنا بعبارة ستيفن كوفي “عليك أن تقطع عهداً على نفسك بأن لا تلوم الظروف أبداً، وأن تفكر بالحلول بدلاً من التفكير في المشكلات”.
التحرر الاجتماعي:
بالرغم من أن التذمر من سطوة القيم الذكرية في المجتمع والتي تظهر من خلال تصرفات الذكور مع الإناث قد ورد ذكره في أكثر من بقعة من أرض الرواية، إلاَّ أن العلاقة بين جوان وجيان كانت متجاوزة عقدة الرجال قوامون على النساء، وهي تعّبر عن حقيقة ما هي عليه اجتماعياً منطقة عفرين كثقافة دارجة مقارنة بالمناطق المجاورة، حيث لم ينظر جوان لأخته من منظور ولي أمرها الذي يفرض عليها ما يريد ويمنعها من الاتيان بما هي تريد، ولا صرخ بوجهها أو حاسبها لأنها مشغولة بحبيبها، ولا أجبرها على إقفال قلبها، أو أجبرها على نسيان من تحب، بل العكس فكان يواسيها ويخفف عنها ثقل مصابها الخاص إضافةً إلى الهموم المشتركة. (ص: 78)، وليس من باب المبالغة القول بأن فضاء الحرية الاجتماعية في منطقة عفرين لا يشبه مناخ كل المناطق التابعة لمحافظة حلب، وهذا التصرف على كل حال ليس طارئ ولا هو جديد على المنطقة، إنما ربما له امتدادات فلكلورية وله علاقة مباشرة بالموروث المجتمعي ككل، ويمكننا تلمس مكانة المرأة في مقاطع كثيرة من أغاني الفلكلور الكردي المنتشرة في كل قرى المنطقة والتي يعرفها معظم كبار السن، كأغنية “Meryema Miho Bekê” وأغنية “Derwîşê Evdî” وأغنية “Gênc Osman” وأغنية “Heycanê” فبعد شرح وتفسير المقاطع المتعلقة بوصف جسد المرأة، والمرور على الفقرات الإيروتيكية الصرفة في كل تلك الأغاني سنجد بأن ما ورد فيها حيال المرأة وطريقة تناولها في مجتمع معظمه يعتنق الدين الإسلامي الذي يحظر هكذا أدبيات، هو بخلاف عادات وتقاليد وأعراف وفلكلور كل محافظة حلب، وسنجد بأن المرأة لها شأنها في ثقافة أبناء تلك المنطقة منذ مئات السنين.
الناس بلا أقنعة:
بخصوص إزالة الأقنعة وتبيان المستبطنات ابان الصراعات نقرأ عن الجار أبو عدنان في الصفحة الثالثة والتسعين حيث يظهر للقارئ كيف أن الحرب تكشف عن ماهيات البشر وتجرّد المرء من القيم وتدفعه نحو المواقف الخسيسة دفعاً، ولا يبقى على قيمه إلاّ القليل ممن كانوا بحق أصحاب خُلق، أما مَن كانوا يُظهرون الأُلفة والطيبة ابان السلم وحين وجود رادعين رئيسيين ألا وهما: الدولة والمجتمع، فلن يبقوا محتفظين بقشور الطيبة والعفة في الحرب بعد أن تخلصوا من الرادعين المذكورين، وحيث أنهم سيُعبرون عن كينونتهم الحقيقية بدون رتوش وبدون أيّة اكسسوارات اجتماعية، باعتبار أن العلاقات الاجتماعية تتمزق كالأقنعة التي يرتديها الكثير من البشر في الحروب، بما أن الواقع الاجتماعي قبل الحرب كان قد فرض عليهم قيمه، وخضعوا لنظام معين بالإكراه وليس حباً، كما هي حالة الكثير من الناس الذين تخرج كل أمراضهم في المنازعات وتكشف وجوههم الحقيقية التي كانت مغلفة بالزخرف والماكياج الاجتماعي بسبب الخوف من القانون والسلطة مِن قبل؛كما ثمّة عِظة في كتمان سر سرقة البيت من قِبل الجار أبو عدنان وهي أن معرفة بعض الحقائق قد تزيد من حالة فقدان الثقة بالناس، كما أن وجعها قد يمتد ويؤثر على موقف الشخص من المجتمع ككل والحياة بوجه عام، لذا فإن تناسي بعض المقابح أو تجاوزها وعدم التركيز عليها يساعد المرء في التدحرج ولو بشكل بطيء على أديم المسكونة المليء بالحفر والبثور والثآليل، بينما فضح كل المستورات دفعةً واحدة قد يترك في درب المرء حُفراً عميقة لا يقدر على المضي للأمام بسبب الاصطدام والانشغال بها (ص: 100).
عواقب السلل الغذائية:
تلمح الروائية إلى أن السلة الغذائية غدت واحدة من أدوات الحرب الولائية من خلال الالتفاف والتبعية، حيث بمقدور أي جهة مسلحة أو منظمة أو جمعية أن تفوز برضى الناس المحتاجين من خلال استغلال حاجتهم في الظروف الاقتصادية العصيبة في البلد الذي يعيش ويلات الحرب، وبمقدور المتحكم بمصادر المواد الغذائية المقدمة كمساعدات أن يكسب ولاء الناس،هذا بالرغم من كل ما فعلته بالناس من قبلُ نفس الجهة، إذ أن السلة الغذائية في الظروف الاقتصادية القاهرة كافية لشرء ذمم الكثير إن لم نقل معظم المدنيين في منطقة جغرافية ما. (ص: 100).
وعن حالة الاستهتار بأرواح الناس من قِبل المهربين كرمى النقود في الصفحة مائة وخمسة عشر وخاصة حادثة مقتل جيهان وبناتها تذكرنا بنفس الحالة التي تعرض الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني لها، والتي رصدها وكتب عن معاناتهم في رحلة الخلاص الروائي والقاص الفلسطيني الراحل غسان كنفاني في روايته «رجال في الشمس»، وربما لو كان المهرب التركي قارئاً للتاريخ لتذكر حال أجداده إبان الحرب العالمية وهم يجتازون الحدود نحو أوروبا ويبحثون عن طرقٍ لخلاص ذواتهم آنذاك كما هو حال السوريين اليوم، ففي هذا الإطار تقول الكاتبة الهنغارية أغوتا كريستوف في مذكراتها: “علمتُ من الجرائد والتلفزيون أن طفلاً تركياً في العاشرة من عمره قضى من البرد والتعب بينما كان يحاول بشكل غير شرعي عبور الحدود السويسرية مع والده”.
أما عن كلام السائق بلغة غاضبة ومقيتة في قوله: “لن يذهب بنفسه إلى الجحيم من أجل أرواح أناس متطفلين على بلادهم ويقاسمونهم لقمة العيش”، فهذه الهواجس التي تنتاب سائقي العربات العاملة بالقرب من الحدود السورية داخل تركيا، والذين يعتاشون على شحن السوريين وكأنهم طرود وأمتعة وليسوا بشراً مثلهملهم كرامة وأحلام ومشاعر وقيم، تكاد تكون نظرة شبه عامة في عموم المجتمع التركي، هذا بالرغم من أن القليل جداً من السوريين يعيشون في المخيمات التي تأخذ تركيا مصاريفها من الدول الغربية، ولا تدفعها الدولة من جيوبها، كا أن معظم السوريين في تركيا يكدون لتأمين لقمة عيشهم. (ص: 125)، ولكن سبب انتشار وجهة النظر تلك في المجتمع التركي هو المتاجرة السياسية بهم من خلال الإعلام، فلا المعارضة تقول لمؤيديها حقيقة المعونات المقدمة لبعض السوريين من أين تأتي؟ وكيف تأتي؟ ومن يدفع؟ ولا الحكومة تكشف ذلك أمام وسائل الإعلام الرسمية، باعتبار أنها ما تزال بحاجة إلى ورقتهم سواء للضغط على أوروبا أو لاستخدامها مع حلفاء النظام.
وتشير الروائية في الصفحة مائة وثلاثين إلى الذين لا يشعرون بآلام سواهم إلاّ بعد أن يتجرعوا ما تجرعه الآخرون قبلهم، وملامح هذه الفكرة بدأت في مستهل الرواية، وحيث أن الأحياء التي كانت بعيدة عن نيران الطيران أخذ سكانها موقع الفُرجة على الحارات الأخرى وهي تتعرض للقصف والتدمير، وحيث أن غارات الطائرات الحربية كانت لدى بعضهم أشبه بمشاهدة فيلم، ونسيوا بأن من يقصف جارك إذا لزم الأمر لن يستثنيك، ومن يدمر بقعة ما لن يكون صعباً عليه أن يشملك بهجماته إذا ما شعر بأن ثمة خطر في ديارك، ونسي الأنانيون في البلد بوجه عام مصائب الغير، وأن الغارات ستطال أبنيتهم ومنازلهم لاحقاً كما فعلت مع غيرهم.
أما بخصوص تحولات الثورة فالحديث في هذا المضمار يطول، وقد شاهد مَن كانوا في الداخل كيف بدأت تنهش الكتائب بأجساد أبناء الثورة أنفسهم قبل النظام، وذلك بعد أن كان هدف الثورة الأساس هو إنقاذهم من براثن الطاغية وجلاوزته، وغدت الثورة بالنسبة للكثير من حملة السلاح تجارة مربحة تدر عليهم الملايين، لذا فإن أمراء الحرب والمستولين على ممتلكات الأهالي يتمنون إطالة عمرالصراع حتى يُسمنوا على حساب هُزالة المدنيين، ويكنزوا الأموال على حساب إفقار الآخرين، كما أن ظاهرة المقامرة بالأراح لم تقتصر على المهربين الأتراك على الحدود بين البلدين، إنما بعض المجاميع المسلحة من كل الأطراف عملت بالسوريين ما هو أفظع من ذلك المهرب الغريب. (ص: 310).
وعن الجشع الذي صار ثقافة شبه عامة في الداخل والخارج وكيف أن الجشع «أعمى بصيرة الشعوب» (ص: 131)، وكيفية تحكم الجشعين من الأتراك ليس فقط بمستأجري البيوت والعمال في المصانع والورشات، إنما وحتى بالمقعدين وأصحاب الاحتياجات الخاصة، واللافت في الرواية (ص: 162) وخاصة فيما يتعلق باستغلال حاجة اللاجئ السوري أن بإمكان القارئ القابع في تلك الجغرافية أن يضيف من لدنه عشرات القصص التي كان شاهداً عليها، أو يعرف جزء منها، أو سمع بها، وعلى سبيل الذكر قصة مريض مقيم في حي اسنيورت باسطنبول والذي أجريت له عدة عمليات جراحية، وعندما طالبته إحدى الجمعيات بأن يبرز لهم عقد آجار البيت لكي يساعدوه مالياً، فلم يقبل صاحب البيت بإعطائه العقد وعليه السعر الحقيقي وليس الشكلي، باعتبار أنهم يسجلون مبلغاً بسيطاً في العقد بينما في الواقع يقبضون من المستأجر أضعاف ذلك المبلغ المدوّن، وقال صاحب البيت للمريض بأن عليه أن يدفع له شيء مما سيقبضه حتى يعطه العقد! والأمر على كل حال لا يتعلق بالاستغلال المادي فقط، إنما إضافة إلى استغلال الأطفال في العمل مالياً سُجلت حوادث التحرش بالإناث منهن في الورشات كحال الطفلة ميرا (ص: 191)، وبخصوص حالة ميرا واستغلال حاجتها واستمرار التطاول على اللاجئ بوجه عام، فإن أحد الأسباب التي تجبر السوري على التنازل عن حقه هو معرفة اللاجئ في تركيا بأن حامل الكيملك ما من حق قانوني له بناءً على تلك الورقة التعريفية، وتلك البطاقة ليست بمثابة اعتراف بالسوري كلاجئ، لذا يبقى مخفوض الجناح، وهذا الأمر يجبر السوري على تقبل الواقع والتعامل معه كسقفٍ واطئ جداً، ولكن مع ذلك عليه المناورة والعيش تحت ذلك السقف المنخفض، وهذا أحد أسباب منطقية استنتاج جيان وقدرتها على توقع عواقب الأمور، وهو ما يعطي انطباع بأن المجريات المريرة دعت لأن يكون الشاب أو الشابة أكبر من سنهما، وبديهي أن كثرة الوقوع والنهوض والتعثر بالمطبات اليومية زادتهم حكمة، خاصةً حول موضوع إخفاء ما يجري مع ميرا عن بيمان، وحقيقة تعامل صاحب الشغل معها، وما قد يقوم به بيمان إن عرف القصة، وبالتالي تفاقم الوضع أكثر مما هو عليه وليس إيجاد الحل المناسب له، فأي حلٍ مناسب إذاً طالما أنه بعد سنوات من لجوء السوريين إلى دول الجوار ما من مؤسسة مخصصة لحمايتهم والدفاع عنهم حيال ما يتعرضون له من قبل الكثير من أصحاب المعامل والشركات.
أما عن خذلان الكرد من قبل الدول صاحبة القرار والحل والربط،عبر مطالبتهم بالتوسع في حربهم مع داعش في جبهات القتال، واستخدامهم عسكرياً كحربة مستخدمة إلى حين، وفي المقابل التخلي عنهم بكل يسر مِن قبل عابد المال والمقامر الأمريكي الكبير دونالد ترمب الذي تخلى عنهم بكل سهولة لصالح تركيا لقاء مصلحته الشخصية معها، حيث نقرأ: «حلفاؤنا يتخذون منا متاريس لنقاطهم العسكرية» (ص: 164)، وكيف أن الحرب نيابة عن الغرب عموماً، وعن الأمريكان بوجه خاص زاد من المساحات المخصصة للشهداء والقتلى في الحرب مع داعش، إذ بدلاً من اِزدهار الاقتصاد وثراء المجتمع ورفاهيته ازدهرت المقابر.
مخاطر مخلفات الحرب:
إذ أن مخلفات الحرب هي ليست فقط بقايا القذائف والصواريخ والذخائر الحية المتروكة هنا وهناك، إنما الفاسدون ومن أجرموا بحق البشر والشجر، ومن نهبوا واعتاشوا على محن الآخرين، فهؤلاء من أخطر مخلفات الحرب إن لم يتم محاكمتهم على ما اقترفوه بحق الغير، لأن وجودهم بدون أي محاسبة على شنائعهم بحق الآخرين وسط ضحاياهم، يعني إمكانية حدوث انفجارات مجتمعية كل حين، وحتى إن لم ينتقم الضحايا أو أهاليهم من اللصوص والمجرمين يكفي أن وجود المتغطرسين وسطهم كافياً بأن تستمر معاناتهم النفسية إلى أجلٍ غير معلوم، (ص:242)، كما أن حب السلطة والتسلط والتحكم برقاب البرية تشير إليها الروائية في الصفحة مائتين وأربعة وأربعين تذكرنا بتجربة سجن ستانفورد، وكيف أن السلطة المطلقة تُخرج أسوأ ما في النفس البشرية وتغيّر من نفسيات وسلوكيات الأوادم في أرقى المجتمعات وخاصة بين طلاب الجامعات الذين خاضوا تلك التجربة، وإذا كان طلاب العلوم والمعارف الذين خضعوا لتلك التجربة تحولوا فيما بعد إلى أشخاص ساديين، عنيفين، قساة، فكيف يكون الحال في بلادنا مع أوباش المجتمع وحثالاته ممن تسلطوا على الخليقة، وحيث أن كل من حمل السلاح غدا متحمكاً بمصير سواه بفضل السلاح أو السلطة المطلقة الممنوحة له في مجاله الحيوي الذي غدا أقربُ من المجال الحيوي للكواسر.
وبما أن ذاكرة الإنسان وما تحتويه أعظم من أي صرح يقام في مكان ما، وكيف أن الصرح الذي يطاله التدمير ليس من السهولة بمكان إعادته إلى ما كان عليه من قبل، فمن كل بد أن إعادة ترميم الذاكرة يحتاج الكثير الكثير باعتبار أن أحجار بنائها لمُلمت من أماكن متفرقة، وبنيت في أزمان مختلفة، وعاشت دقائقها في بيئات مغايرة، والبناءُ كان بمعية صاحب الذاكرة نفسه وليس من الخارج، وصاحبة الذاكرة في الرواية عاجزة عن إعادة الإقلاع بعد أن دُمرت دوافع التحريك لديها، والتحليق من جديد بحاجة إلى دوافع قوية هي تفتقر إليها، لذا نرى نبرة الاستسلام في خطابها حين تقول: «من سيبني ذاكرتي لبنة لبنة» (ص: 286)، ولكن بما أن الحياة مليئة بالمفاجآت فرب رمية من غير رامٍ ساهمت في تصويب الخلل الذي توقعنا استحالة إصلاحه، لذا فإن الصدمة الثانية التي تلقتها أفستا كانت كفيلة بإعادة الأمور إلى مسارها، وكانت وراء استعادة الذاكرة (ص: 320)، علماً أن أفستا بعد أن فقدت ذاكرتها لم تعد تعرف من الذكور إلاّ أباها وحبيبها الذي بدأ في إعمار ذاكرتها المتناثرة كأحجار القلعة المهدمة من جديد حجراً فوق حجر (ص: 286).
ومن الصور التي تتلاقح بين الواقعية والسريالية حيال العشرات من السوريين الذين غدوا طعام الأسماك وما من سلطة أو جهة قادرة على إعطاء ذويهم شهادات تؤكد وفاتهم، قولها «قبور السوريين بلا شواهد في عمق البحار»، فكيف يكون البحر قبراً؟ والقبر مرسوم حدوده، وواضحٌ معالمه على الأرض، بينما في اليمِ لا تخوم، لا سماء، لا أطراف، لا شواهد، ولا أيّ دليل بأن ثمة مَن يرقد في هذا المكان، طالما ما من أثرٍ لوجوده حتى ولو اجتمع كل حفاري القبور في العالم. (ص: 292)، وبالعودة إلى الوراء قليلاً نلاحظ أن حياة الناس بالنسبة لمهربي البشر ليست بأفضل من حياة المواشي التي يتم تهريبها عبر الحدود وحياتهم في متناول هؤلاء المقامرين أشبه بقطعة نرد على طاولة في مقهىً شعبي رخيص، (ص: 245) والمهرب لا يتعامل مع البشر كأوادم إنما كأشياء وقطع من الأثاث، (ص: 276)، كما أن صورة التعاطف المروعة لدى المهرب هي أقرب إلى المشاهد الحية اليومية التي يعيشها الجزار مع الماشية التي يستعجل بذبحها بدعوى أن الإسراع يقلل من الألم، وحيث أن ادعاء تعاطف الجزار مع القربان يجعله يشحذ السكين جيداً حتى يخفف من معاناتها. (ص: 285).
وحيال واقعة تصفية الأم في الرواية من قِبل المهربين بسبب هلوستها وصراخها الدائم بعد فقدان بناتها واحدة تلو الأخرى (ص: 317) ثمة لحظات خانقة يعيش فصولها السيّد حسن، فإن رفض عرض وحوش التهريب قد يدفع هو وعائلته الثمن باهظاً، وإن قَبِلَ يتقطع قلبه على خذلانه وقبوله عرض الأخساء لقاء خلاص ذاته، وبالرغم من أن الخلاص في هكذا ظروف قد يكون الدافع الطبيعي للكثير من البشر إلاّ أنها بالنسبة للسيّد حسن المجبول بالمثل الإنسانية والرأفة كانت قاسية لأنها بمثابة لحظة الفصل التام بين ماضيه الخيّر والمسالم، ومستقبله المبني على غض البصر والسكوت عن جرمٍ لا يُغتفر، إذ أن «نجاته من الحرب كلفته خلع ماء وجهه ودفع ثمن ضريبة لم يكن طرفاً فيها بل كان جسراً منيعاً للوصول إليها»: 317 كما أن «قانون الحياة صارم، لأنه لا يعطي شيئاً بالمجان والخلاص الذي يطمح المرء للوصول إليه تذكرته ثمينة جداً» (ص: 288)، فإذا كان ثمن الخلاص بالنسبة للسيّد حسن هو التأنيب المتواصل للضمير بسبب تواطئه مع القتلة ولو كان الفعل قد تم رغماً عنه، إلاّ أن صاحب الحس الرفيع لا يقدر على تناسي ما جرى معه قبل الوصول إلى بر الأمان، كذلك الأمر تجرع والد أفستا المرارة مثله مثل كل الناس، بالرغم من أنه قبل إصابة ابنته كان ككل الساهين وككل المخدوعين ممن يتصورون بأنهم محميون أو محصنون، إلاّ أن قوانين الحياة لا تسمح لأحدٍ بأن يمر على صراطها من دون أن ينال نصيبه من الضربات والسقطات الموجعة، ولعل تتالي المصائب يدعو كل من تجرعوا المرارات وعاشوا لعنات الواقع اليومي إلى القول: «لو كانت الحرب رجلاً لأمسكت برأسه ومرغته في حوضٍ ما إلى أن يختنق، ومن ثم أخرجه وأقول له صارخاً: هكذا هي أيامنا تحت سمائك» (ص: 284).
انتصار الحب:
أخيراً بعد عبور جبال ومنحدرات الآلام والحسرات انتصر الحب في الخاتمة بين شفان وأفستا وهذه المحطة أشبه بحالة من يتنفس الصعداء بعد إرهاقٍ وتعبٍ شديدين، وقد يقول القارئ حيال ذلك في سره، ليت كل من في الرواية انتصروا على واقعهم المرير ولم يكونوا ضحايا وقرابين الظروف ليس في المقتلة السورية فحسب، إنما في عموم البلاد التي توقعوا بأنها منافذ للنجاة من الحريق الهائل الذي غزا أعشاشهم.
وبالعودة إلى بعض الفقرات من الصفحات السابقة، فمن التعريفات الجميلة التي نصادفها عن الحب في الرواية وعما يفعله الحب بالمرء والصراع الهواجسي بين القلب واندفاعاته والعقل وتأنّيه نقرأ: «الحب يشبه شخصاً يقف على سفح جبل، عقله يقول تراجع ستقع، وقلبه يردد كالوسواس اقفز ستطير» (ص: 97)، ومع أن الذي لدغته العواطف الجياشة بعد استسلامه لها، أو شوته في فرنها المخصص لمن كانت مشاعرهم رقيقة وقابلة للإنكسار، وبنيانهم مهيأٌ للمكوث في موقد الصبابة حتى الإفحام مع ذلك يبدو تحول المرء إلى «جثة في محرقة الحب» (ص: 75) أمر عسير التصور، بالرغم من أن جملة «محاكم الحب جائرة وقضاتها لا يعرفون الرحمة» (ص: 99)، تكاد تكون من المشتركات لمئات الأشخاص الذين هزموا شر هزيمة أمام محاكمها، هذا بالرغم من كل الحجج والبراهين التي كانوا يسوقونها ابان إصدار الحكم على مصائر الأفئدة؛ كما أن الوله الذي يسطو على مسار النبض إلى حين، ويمضي مع ضرباته من غير الإعلان عن مكانه ومكانته الحقيقية وبأنه ساكنٌ هناك في أعلى العرش، فلا يمكنه إضمار كنهه للأبد أو التمويه على تأثيره أو الاستمرار في التخفي تحت أسماء أخرى للعلاقة وذلك لأن «من كان مسربلاً بالحب لا يمكن لأقنعة الصداقة أن تخفي وهج شوقه» (ص: 107)، عموماً كأن الفقرة أدناه هي عزاء حقيقي لكل من لم يبلغ غاتيه العاطفية، بل وكأن الروائية تقول هنيئاً لمن لم يصل لمراده مع من أحب، باعتبار أن عمر حبه يبقى طويلاً جداً مقارنة بمن كان الوصال من نصيبهم «وحده الحب الذي نفشل فيه يبقى سرمدياً» (ص: 275).
وفي نهاية هذه القراءة التي لم أعطِ الرواية حقها في الغوص والبحث والتنقيب كما كنت أريد، أرى بأنه كان بمقدور الروائية جعل الخاتمة مفتوحة على مصائر من تناثروا كحبات المسبحة في صعيد اليونان، وبالتالي تترك كل قارئ يتصور على هواه ما ستؤول إليه أحوالهم في الشتات، ولكن بما أن الروائية نفسها ما تزال تعاني من أوجاع البلد وناسه بالرغم من وصولها للبر الأوروبي، لذلك بتصوري أنها أرادت أن تترك باب الأمل مفتوحاً وترسم بسمة الفرح في نهاية الرحلة المريرة التي عاشتها مع شخصيات روايتها للأخير، وهي تتماهى تماماً مع قول أحدهم «بأن النهايات السعيدة لا يكتبها إلا أناسٌ يتعذبون»، إذ بعد رحلة العذاب والمرارة والمواجع والانكسارات المتلاحقة آثرت ختم الرواية بانتصار الحب بين أفستا وشفان، وبهذا تكون قد هدأت من روع القارئ بعد اجتياز جبال المآسي وعبور مضارب وميادين الخراب والدمار، ولعلها تقصدت ذلك بناءً على تصورها بأن الأيام والساعات واللحظات الأخيرة في مسار حياة الناس ابان الأحداث الدامية هي الأكثر تذكراً بالنسبة للقارئ، لذا اختارت أن تغلق العمل بشرائط السعادة، وبنفس الوقت حتى لا تترك أثراً قاتماً في نفس المتلقي ولئلا تجعل اليأس مطبقاً على الأنفاس كما هي الوقائع اليومية في البلد منذ عشر سنوات، لذا بدت حريصة على جعل شتلة الحب تزهر في نهاية فصلهما الأليم وكذلك الفصول اللاذعة للتراجيديا السورية برمتها في الرواية وخارجها.
مقتطفات من الرواية:
ـ كفأرٍ يهرول في حلقة مغلقة لاختبار طاقته وسبر غور قوته في ظروف تفتقر للحياة.
ـ أرواح خاوية كبئرٍ جف منذ دهر وتحول إلى حفرة عميقة من الوجع يردد صدى صراخ السنين في جوفه.
ـ كأثافٍ مشتعلة وقفت وهي تصغي لنبرة الانكسار في حنجرته.
ـ كأن الوقت مضبوط على تقويمين مختلفن بل متناقضين، توقيت يمنحنا الحياة وآخر يسلبها منا.
ـ أرادت أن تسكب الماء على نيران قلب صديقتها الذي تآكل من الحزن.
ـ شيعت الطمأنينة مع جثمانه.
ـ يضاجع الهلع صوتها.
ـ تدلت كسنبلة قمحٍ ممتلئة الأوجاع.
ـ لا يحملنا الفرح لنرسي على شواطئ أحبتنا ووحده الأسى من يدفعنا كرياحٍ تعصف بنا على مرفاهم.
ـ الحياة حقل مزروع بألغام المفاجآت وعلينا الحيطة والحذر لتجنب انفجارها.
ـ حينما يكون الكلام عن الفضيلة مبالغاً فيه حينها اعلم أنه ثمة تغطية لجرم ما.
ـ علينا أن نشكر الحرب لأنها أوصلتنا إلى أقصى مخاوفنا حتى كدنا لا نخشى شيئاً.
ـ أن تكون نازحاً يعني أن تخفض رأس كرامتك وتبقى روحك لقمة سائغة.
ـ كم قبراً نحتاج لندفن أشلاء أحلامنا وفتات قوانا؟
ـ الحياة دولاب والحرب سارعت في دورانها بحكمها الجائر.
ـ لا ندري متى يضيء في حياة الشخص نور الحياة، ومتى تنطفئ شموس أيام.
ـ الإساءة للمشاعر لا يحاسب عليها القانون إنما الأقدار.
ـ أن تشتاق لأحدهم فتكتم لتخرج حمى الحب كبثور على جبين القلب.
ـ الألم كاللذة لا نستطعم بنكهته الحادة اللاذعة مثل كأس الخمر إلا بعد أن نتمرغ في نشوة خدره.
ـ مفتاح الأفواه الجائعة هو حزمة من المال.
ـ نحن السلالم البشرية التي يعلو بها الساسة مقاماً على أرض السياسة.
ـ الخلاص لا يعني عبورك سياج الحدود بسلام ولا أن تقطع المياه الاقليمية برئتين فارغتين تنجوان من وحش الماء.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواية “أرواح تحت الصفر”، للكاتبة الكردية السورية “أفين أوسو”، صدرت الطبعة الثانية منها عام 2021 عن دار “ببلومانيا” للنشر والتوزيع/ مصر، وتقع الرواية في (326) صفحة.