أصل الشعب الكردي، تاريخه ولغته (1/3)

الدكتورالراحل يوسف دارا زند  (1939-2003) 
بحث دراسي قيّم(May 1963)
أعدّه للنشر الالكتروني جان كورد
مقدمة
 تعرفت على الدكتور يوسف دارا زند -رحمه الله- لدى الصديق العزيز يوسف نصرو قبل أعوامٍ عديدة في مدينة هامبورغ في شمال ألمانيا، فوجدته عالماً كبيراً حقاً في كل ما يمت للكورد وكوردستان بصلة، وقد كتب رسالته باللغة الألمانية في الدكتوراة في جانبٍ مهم للغاية من قواعد لغتنا الأم (أداة “داDA- ” في اللغة الكوردية) وهو بحثٌ صعب وشاق لا يستطيع إنجازه سوى من هو ضليعٌ في اللغات بشكلٍ عام وفي اللغة الكوردية بشكلٍ خاص. وعلمت أنه يملك مكتبةً ضخمة في بيته تضم الكثير من المؤلفات عن الكورد وكوردستان باللغات الألمانية والانجليزية والعربية والفارسية والتركية والكوردية، ومن أهم ما ألّفه بالعربية كتابه القيّم (فقه اللغة السامية) الذي لم يرَ النور بعد، كونه لا زال بخط يده ورحل من دون أن يتمكّن من طبع ذلك الأثر الكبير، بسبب أوضاعه المادية. وأعتقد أن ما كان لديه من كتب قد وُضِع في مكتبة جامعة كيل الألمانية، حيث كان يعيش وحيداً في منزله المتواضع حتى وفاته، ولم يكن ثمة من يستلم ذلك الإرث الثمين مما جمعه في حياته من كتب بمختلف اللغات.
 قبل فترة سنواتٍ عدة أرسل لي الصديق يوسف نصرو من هامبورغ نسخةً باللغة الألمانية عن كتاب  الراحل (أداة “دا” في اللغة الكوردية)، إلاّ أنّ الكتاب اختفى من خزانتي ولا أدري هل استعاره أحد الأصدقاء لقراءته ولم يقم بإرجاعه لي أم أنني لا أدري أين وضعته، ثم أرسل لي نسخته التي كانت عنده على أمل أن أسعى لطباعة الكتاب في ألمانيا أو منحه لجامعة في كوردستان، ثم قبل تدويني لهذه المقدمة لكتاب الدكتور الراحل بأيامٍ قلائل أرسل لي صديقي المهتم جداً بحياة وآثار الدكتور دارا زند نسخةً بالألمانية من سيرة حياة الراحل كان قد كتبها بنفسه وهي من عشرات الصفحات، والنسخة المكتوبة بخط يد المؤلف ذاته باللغة العربية من كتابه الثمين حقاً (فقه اللغة السامية)، إضافةً إلى نسخة بخط يد الدكتور الراحل بالعربية من هذا المؤلف الذي بين أيدينا، ونسخة غير جيّدة تم تدوينها بالآلة الكاتبة، فوضعتُ للكتاب عنواناً مناسباً لمضمونه، حيث لم أرَ في ثناياه أي عنوان، سوى ذكره بأن الكتاب “بحث “.
  أسعى الآن وأواظب على العمل ليرى النور ما تركه لنا الصديق العزيز الدكتور يوسف دارا زند من أثر هام، وسأكون سعيداً لو أن جامعةً كوردية أو أي جهةٍ مهتمة بالثقافة واللغة الكوردية تساعدني في ذلك. 
ولا يسعني إلاّ أن أتوجّه بالتقدير والاحترام والشكر للصديق العزيز يوسف نصرو الذي من دونه كانت ستمحى آثار ذلك الإنسان المحترم الذي خدم أمته وقضيتها وتاريخها وثقافتها في صمتٍ  ولم يطمح يوماً لمنصبٍ أو مال، فقد عاش فقيراً همّه العلم والمعرفة وخدمة شعبه المغدور.
جان كورد 
بون في 13/8/2021  
بسم الله الرحمن الرحيم
(كلمة)
  حينما كان تقديم “البحث” في هذه السنة مادةً من المواد الدراسية وكان لا بد من تقديمه، استعرضت مواضيع عديدة لأكتب في إحداها البحث… ولكن ألفيت كلها مطروقاً من الصعب أن آتي بشيء جديد ففكّرت كثيراً عمّ أكتب البحث؟ وأخيراً هداني تفكيري إلى أن أكتب عن أصل الشعب الكردي وشيئ من تاريخه قبل الاسلام وبعده وعن لغته بإيجاز، وذلك لأنني كفردٍ من أفراده هذا الشعب أرى أنه يجب عليّ إسداء ما في وسعي من خدمةٍ نحو أمتي وشعبي وأنه ينبغي أن أكون حلقة اتصال بين الشعب الكردي الذي انتمي اليه وبين الشعب الذي انتهلت من مناهل ثقافته الواسعة وتعلمت منذ صغري لغته بكل جد وعناية لأنها لغة القرآن ولأن كثيراً من القراء والكتّاب في عصرنا لا يكونون ملمين باحوال هذا الشعب وتاريخه إلمامةً تؤدي فكرةً تامةً عنه
 وعندما أردت الاقدام على كتابة بحثٍ كهذا شعرت بعبءٍ ثقيل وذلك لاسباب عديدة منها:
 1-لم يكتب مؤرخو الشرق عن هذا الشعب كتابة وافية عن تاريخه مستقلاً منظّماً كما كتبوا عن الشعوب الأخرى – وإن كتب عنه بعضهم امثال حسن بيرنيا المؤرخ الايراني المعروف وبعض المستشرقين بايجاز – لا لأن تاريخه غير حافل بالمفاخر أو غير مزدهر بالحضارة واللغة العريقة فذلك شيء لا يمكن انكاره لمن درس الحقيقة وأرهف سمعه إلى حديث التاريخ الحر الصحيح، ولكن غَشَت ذلك أحياناً السحب المظلمة تارةً بسبب إهمال المؤرخين إما جهلاً منهم أو لغرضٍ سياسي وتارةَ أخرى بسبب الاضطهاد والظلم اللذين تعرّض لهما هذا الشعب منذ تاريخ طويل في سبيل تطلّعه الى حقوقه ااشرعية وحريته اللتين ينبغي أن يتمتّع بهما ككل أمة تعيش على وجه الأرض. والمعروف أن الشعب المظلوم يحاول اعداؤه دائماً أن يشوشوا تاريخه بقصد كتمان الحق ولكن الحق أعلى من أن يكتم.      
 2-باعتبار أنني طالب وملزمٌ -ككل طالب- بالدراسة عدا أنني مكلّف بترجمة واذاعة النشرات الاخبارية وبعض الاحاديث يوميا في اذاعة القاهرة القسم الكردي أحسّ بضيقٍ شديد في الوقت ولا ريب أن البحث والدراسة في الكتب لهذا الغرض يزيد في تعبي خاصةً وإن هناك مشاكل أخرى كثيرة. ولكن مع ذلك شرعت في كتابة الموضوع راجياً من الله تعالى أن يوفّقني في الوصول إلى غرضي.
ولا شك أن بحثي هذا لا يخلو من قصورٍ للاسباب المذكورة آنفاً، لذلك أرجو من سماحة الاستاذ أن يقدّر ظروفي وينظر إليه بعين الاغماض لا الاعتراض. 

التعريف بالشعب الكردي

 إنّ الأمة الكردية من الأمم الآرية الشرقية، تقطن في آسيا الوسطى في المنطقة التي تدعى كورستان (موطن االكورد) -كما أجمع على ذلك علماء الجغرافيا والتاريخ من أوربيين وشرقيين- شمالاً بجنوب القوقاز وبلاد اللاز (لازستان). وفي الجنوب والجنوب الشرقي تحدّ بخطٍ وهمي ممتدّ من خوزستان بايران ماراً ببدرة وبعقوبة فجبل حمرين وجبل سنجار في العراق فكرد داغ (جبل الأكراد) حتى حدود اسكندرونة في تركيا، وفي الغرب والشمال الغربي تحدّ بخطٍ من أرضروم ثم ملاطية ثم أضنة في تركيا. وتحدّ شرقاً بأقصى لورستان وبحيرة أورمية في إيران الغربية وفي الشمال الشرقي تحدّ بولاية قارس إلى بحيرة أورمية، وتشمل أيضاً محافظة الجزيرة ومدناً أخرى في شمال وجزء من منطقة ايريفان في الاتحاد السوفيتي. 
 ولا يفصل هذه المناطق من بعضها سوى حدود صناعية اصطنعتها الدول المستعمرة لكوردستان. وهناك عددٌ كبير من الكورد في منطقة بلوجستان في باكستان وأفغانستان وفي منطقة شيراز والخليج الفارسي بايران. (ملاحظة من جان كورد: ربما نسي الكاتب وجود منطقة واسعة للكورد في شمال-شرقي إيران تدعى خراسان). وتعتبر كوردستان من ناحية المواقع الحربية العمود الفقري في جسم منطقة الشرق الأوسط.
ومن ناحية المواد الأولية (الخام) تعتبر أغنى منطقة في الشرق، فهي غنيّة جداً بالبترول (الذهب الأسود) وإن البترول العراقي والايراني كليهما في المناطق الكردية وفيها مادة الحديد والذهب والفضة بكثرة هائلة ومواد معدنية أخرى. 
واشهر حاصلاتها القطن والتبغ (الدخان) وانواع الغلال والصوف الذي يعتبر من اجود انواع الصوف في العالم، وانواع الفواكه، والاخشاب ذات القيمة العالية جداً، وانواع السجاجيد الفاخرة المسماة ب(العجمية…) (هنا تم الحذف من قبل الكاتب نفسه لسطر وبعض السطر باللغة الفارسية من النص الأصلي – جان كورد)       
الكرد قبل الاسلام
لا يعرف بصفةٍ قاطعة متى أقام الشعب الكردي في هذه المنطقة التي تسمى “كردستان” ولكن الشيئ الواضح الذي لا ريب فيه هو أنه أقام فيها قبل فجر التاريخ، لأن الاكتشافات الجديدة أثبتت أنه أقام في هذه المنطقة قبل القرن السابع والثلاثين ق.م. ويرجح أكثر المؤرخين والجغرافيين أن الموطن الأوّل للبشرية هو ما بين النهرين (دجلة والغرات) أي المنطقة التي هي الآن جزءٌ من بلاد الكرد.
ولم يذكر المؤرخون أن قوماً بهذا الاسم هاجروا من بلادٍ أخرى إلى هذه البلاد واستوطنوها، وإنما يذكرون أن أقواماً كثيرة غير الكرد مثل البابليين والآشوريين وغيرهم أغاروا على هذه البلاد وسيطروا عليها بالقوة مدةً من الزمن ثم أخرجوا منها، وهذا يدل على أن الشعب الكردي أوّل من سكن في هذه المنطقة. وقد قامت لهذا الشعب دولٌ عديدة قبل الاسلام خدموا الحضارة وساعدوا على رقي الانسان في الحياة. نذكر منها:

 1-الدولة اللولوية:  

 كانت عاصمة هذه الدولة (شهرزور) في منطقة السليمانية في شمال العراق حسب ما تفيده النقوش التي اكتشفت في منطقة (زهاو) القريبة من العاصمة يرجح تاريخ بعضها الى القرن السابع والثلاثين وبعضها الى القرن الثامن والعشرين ق.م. وحصلت روابط وثيقة بين اللولويين والآشوريين فيما بعد حتى أن الوثائق الآشورية تدل على أن بلاد الكرد كانت على جانبٍ عظيمٍ من الازدهار والحضارة والعمران، وأنّ أهلها كانوا متقدمين في معظم الصناعات والفنون لدرجة أن الملك ألاشوري (ناصر بال) إستعان بهم وطلب من الدولة اللولوية إيفاد عددٍ كثير من أصحاب الصناعات والفنون من أهالي بلاد اللولو إلى بلاد آشور ليساعدوه في تنمية الصناعات وتعمير البلاد، كما يقول المستشرق “سيايزر” ويرى أن هؤلاء اللولويين هم أجداد القبائل اللورية الكردية الحالية في ايران. وهذا رأي لا بأس به إذ أن بعض الكرد كثيراً ما ينطقون اللام “راء” و الراء “لاما” مثل كلمة (دلوب) قطرة و (كلول) سيء الحظ فينطقونها (كرول) وغير ذلك كثير فكلمة اللور إذاً على رأيه محرّفة عن اللولو، ولكن الرأي الأقرب الذي لا يحتمل الشك هو أن اللولويين هم أجداد لكرد بادينان في تركيا لأن الكرد يطلقون إلى الآن اسم اللولو على الكرد في هذه المنطقة الكردية فيقولون “كرد لولو” أي كرد اللولو إذاً هم اللولوليين القدامى أجداد اللولويين الحاليين وهذا رأي خاص لي، ويمكن أن سبايزر ومن على رأيه لم يطلعوا على هذا، لذلك ذهبوا بعيدا. 

2-دولة الكوتيين: 

هذه دولة منسوبة الى الكوتي وهو الجبل الشامخ الذي ذكره الله تعالى في كتابه الكريم بقوله: (واستوت على الجودي). وورد في كتاب الأخبار الطوال بأبي حنيفة الدنيوري ص 3 ما نصّه: ” وكان جنوح سفينة نوح عليه السلام واستقرارها على رأس الجودي جبل (بقردى) أو الكردي.” كما كان العرب يسمون الشعب الكردي، وكذلك وحرف الكاف كالجيم القاهرية المصرية غير موجود في العربية الفصيحة لذلك حرّفوه الى جيم، فقالوا (جوتي)، ثم (جوردي)، كردي.
كان شعب هذه الحكومة الكردية يقيم في منطقة كركوك والزاب الصغير في شمال العراق، ثم أخذ تدريجياً يوسّع في بلاده حتى استولى بعد قتالٍ مرير على بلاد أكاد وسمر، في جنوب العراق وأخضعتها لحكمها تماما. وقد كتب في جدول ملكي اكتشف في “نيبور” في العراق أن واحداً وعشرين ملكاً (جوتياً) “كردياً” حكموا مئةً وخمس وعشرين سنة وأربعين يوماً في بابل، وكان أحدهم المدعو (أنرى دايير) بنوعٍ خاص عظيم الشأن قوي النفوذ، ولكن ضعف آخر ملوكهم سببٌ في إخراجهم من بلاد أكاد وسومر وتأسيس دولة بابلية جديدة سنة 4482 ق.م. كما يقول سبايزر.
ويظهر من الروايات التاريخية أن حكم الكوتيين بدأ بعد الثامن والعشرين ق.م. حتى حوالي القرن الثاني عشر ق.م. وبعد هذا التاريخ رجع الشعب الكوتي الى موطنه الأصلي في منطقة كركوك والزاب الصغير ولم تقم لهم نهضة سياسية ظاهرة بعد ذلك التاريخ.

-دولة الكاسيين: 

هم قومٌ من الكرد كانوا ولا يزالون مستوطنين في منطقة “كرمنشاه” إحدى المدن الكردية في الكردستان الايراني.
 ولا يعرف بوجه محدد متى قامت هذه الدولة ولكن يذكر المؤرخون أن الكاسيين أغاروا على بابل سنة 1760 ق.م. وعلى القطر البحري من بلاد سومر سنة 1710 ق.م. ووحدوا هذين البلدين في دولة واحدة باسم “كاردونيان” عاشت 600 سنة ويمكن أن نستنبط من الوقائع التي جرت لهذه الدولة أنها قامت حوالي القرن العشرين ق.م. إذ أنً دولةً فتية لا تستطيع غزو غيرها، خاصةً في تلك العصور الغابرة التي كانت وسائل التقدّم فيها بطيئة جداً، فكان لا بد أن تمرّ على تأسيس دولة عدة قرون حتى تتمكّن من غزو غيرها. وفي عهد الدولة الأخمينية الفارسية قويت الصلة بينها وبين الدولة الكاسية الكردية بحكم الجوار. وقد فرضت الدولة الكاسية الغربية على كل قافلة أجنبية تمرّ في بلادهم من بابل إلى همدان. 

-دولة كالدى، كاردي: 

قامت هذه الدولة حوالي القرن الحادي عشر ق.م. وكانت عاصمتها مدينة “توسباسي” وهي مدينة (وان) الموجودة الآن في الكردستان التركي. يقال أن ساردوسي الأوّل ملك الكالديين الكرد هو الذي قد بنى هذه المدينة في سنة 840 ق.م.
ويؤخذ من المكتشفات والوثائق الخاصة بحروب “سرجون” الثاني ملك آشور أن حدود حكومة (كالدي) تمتد من الشمال إلى بحيرة “كوكجة” في تركيا، ومن الغرب الى نهر الفرات ومن الجنوب الى راوندوز في العراق الحالي ومنابع نهر الزاب، ومن الشرق الى بحيرة “أورمية” في إيران، وحكمت ردحاً من الزمن على شمالي سوريا.
وفي القرن السابع ق.م. قامت القبائل الميدية الكردية في شمالي غربي ايران وهو من المناطق الكردية، فقوّى نفوذها متى أخضعت الدولة الكاسية لحكمها وبذلك انقرضت الدولة الكاسية وكان الميديون قبل ذلك قد أخضعوا غيرها.

5-دولة السوباري:

عثر على هذا الاسم في لوحة أثرية اكتشفت فيما بين النهرين، يرجع تاريخها الى القرن الثلاثين ق.م. وكان هذا الشعب يعيش في بلاد ما بين النهرين (موزوبوتاميا) ومنطقة شمالي سوريا الكردية حتى الآن والجزء الشرقي من آسيا الصغرى. وهذه المناطق جميعها كردية كما هو واضح. يقول هذا  المستشرق “سبايزر” في كتابه (شعوب ما بين النهرين).

 6-دولة الميديين:

 كان الشعب الميدي يسكن في الشمال الغربي من هضبة ايران بلاد ميديا واستولى تدريحياً على بلاد جيرانه. وقد ذكرت السجلات والآثار الآشورية أخبار القرن التاسع والثامن ق.م. قدوم هذا الشعب الى هذه البلاد وكان الآشوريون يسمونه “آماد”، “مادا”.
 وفي أواخر القرن الثامن ق.م أسس هذا الشعب دولة مستقلّة وأخضع لسلطانه شعب (بارساى) الفارسي في جنوب هضبة ايران المجاور له والمتصل به في النسب والقرابة.
 تم إنشاء مدينة (أكباتان) همدان الحالية في كردستان الايراني وجعلها عاصمتها الصيفية وأنشأ أيضاً مدينة (ماديان) -أي موطن الميديين- التي تسمى الآن “مدائن” في جنوب العراق وجعلها عاصمتها الشتوية. 
وكان أوّل علاقة بين الشعب الميدي وبين الشعب الآشوري في عهد “شلمنصار” الملك الآشوري سنة 835 ق.م. حيث كان الآشوريون في قتالٍ مستمر مع الشعب الميدي الكردي. وفي القرن السابع ق.م. أخضع الميديون دولة كردية أخرى هي دولة الكاسيين لحكمهم.
يقول بعض المستشرقين والاخصائيين في اللغات الشرقية “أن لغة الميديين كانت نفس لغة الشعب الكردي الحالي أو أساسها على الأقل”. ويبين مشير الدولة المؤرخ الفارسي نفس هذا الرأي تفصيلاً مع بيان الأدلّة في كتابه (ايران القديم – ص 27).

 7-دولة نايري، نهري: 

 اندمجت العشائر الكوتية والسوبارية من الكرد في بعضها فتكوّن منها شعب سُميَ “نايري” فأصبح ذا بأسٍ وقوة واقدام وحبٍ في القتال والنضال. حاربه الآشوريون مدة طويلة فلم يستطيعوا التغلّب عليه إلاّ بعد قرن. وكان هذا الشعب يقيم في منطقة “نايري” في الكردستان التركي وأنشأ باسمه مدينة كبيرة ولا تزال آثارها باقية إلى الآن، كما أن “نايري” اسم لقبيلة كردية تقيم في هذه المنطقة في تركيا. وقد ظهر هذا الشعب على مسرح الحياة حوالي القرن العاشر ق.م. وفي القرن التاسع ق.م. قام الجيش الآشوري بهجومٍ عام على بلاد النايريين فأخضعها لحكم الآشوريين، ولكن النايريي لم يرضوا بالحكم الآشوري الاستعماري، بل ثاروا ضده وما زال الجانبان يحاربان بعضهما الى القرن السادس ق.م. حيث ضعفت شوكة النايريين وتعرّضت كردستان بعد ذلك للهجمات والاغارات الأجنبية. 
 ومنذ القرن السادس ق.م. لم تقم دولة كردية قوية قادرة على أن تصّد الحملات التي شنها الغزاة على كردستان. (هنا يهمل الكاتب لسببٍ مجهول -مع الأسف- ظهور التحالف الميدي – البابلي القوي الذي تمكّن من الهجوم على مملكة آشور فدمّر مدنها وأنهى وجودها إلى الابد في  عام 612  ق.م. وغيّر بذلك الواقع في المنطقة تغييراً حاسماً، ولا زال الآشوريون المتطرفون قومياً يعتبرون الكرد، أحفاد الميديين، الذين يحمون أرواحهم ويحرسون كنائسهم من هجمات الإرهابيين، أعداءً لهم بسبب تلك المرحلة من تاريخ بلاد ما بين النهرين،  ويعتبرون هجمات شلمانصار الدموية المتتالية على بلاد الميديين والنايريين انتصاراتٍ قوميةً لهم. – جان كورد)
 ففي منتصف القرن السادس ق.م. شكّل (كورش) ملك ايران جيشاً قوياً وهاجم كردستان، وبعد قتالٍ عنيف بين الكرد وجيش كورش استطاع كورش أن يسيطر على كردستان وبقيت تحت حكم الفرس حتى منتصف القرن الثالث ق.م. حيث استولى الاسكندر المكدوني على بلاد الفرس والكرد.
وبعد موت الاسكندر المكدوني سنة 323 ق.م. في بابل صارت كردستان من نصيب أحد قواد الاسكندر اسمه (سلفكوس) ولم تخمد نار الثورات والمنازعات في كردستان طوال حكم هؤلاء السلفكوسيين وقد دام حكمهم حتى الربع الأوّل من القرن الثاني ق.م. وبعد ذلك انتهز الأرمن ضعف السلفكوسيين فاستعانوا بملك “مهراد” الفارسي واستولى الجانبان على كردستان الجنوبي (يقصد منطقة كردستان العراق – جان كورد). 
وفي حوالي سنة 69 ق.م. زحف الجيش الروماني بقيادة “لوكوللس” على كردستان، ومنذ ذلك التاريخ كان الرومان والفرس في حروبٍ مستمرة حتى سنة 1 ق.م، ففي هذه السنة عقدت الحكومة الفارسية الاشكانية معاهدة مع حكومة روما.  
 ومن هذا التاريخ الى ظهور الاسلام كانت كردستان دائماً مسرحاً لحروب الرومان والفرس المستمرة، ولمهاجمات اللان (اللاز؟) والكرج (شعبان قوقازيان). وكان الشعب الكردي دائماً يناضل هؤلاء المستعمرين والمغيرين نضالاً مستميتاً، ولكن لم يستطع التغلب عليهم واقامة دولة كردية مستقلة قوية -وإن قامت فيها إمارات صغيرة- نظراً لتشتت الشعب الكردي حينذاك وصعوبة اتصال بعضهم ببعض بسبب تخلل الجبال الشاهقة والأنهار الكبيرة التي يصعب عبورها دون الجسور وكانت الوسائل آنذاك معدومة تقريباً.
 كانت كردستان -كما قلنا- مسرحاً للحروب والقتال بين اليونان والفرس والرومان -نظراً لوقوعها بين الامبراطورية الفارسية والرومانية جغرافياً- وكانت دائماً متعرّضة للاغارة والهجوم من هؤلاء أو العبور فيها.
ونرى بعد هذا أن فتوحات وحروب الفاتحين والقواد المشهورين قد جرت حوادثها في كردستان الجبّارة. 
 وكان هؤلاء الفاتحون من أمم مختلفة كالآشوريين واليونان والفرس والرومان والعرب والترك والمغول، ومع ذلك نرى أن مقاومة الشعب الكردي ضد هؤلاء الغازيين والمغيرين كانت بحيث استطاع أن يقف أمام المغيرين والاستعماريين وقفة الجبال وأن يحافظ على كيانه اللغوي والقومي نقيّاً لا تشوبه شائبة الأقوام الأخرى، ولم يستطيع أي فتحٍ أو غزوٍ أن يغيّر شخصية الكرد وعاداتهم وتقاليدهم القومية، ولم يندمج هذا الشعب الذي اشتهر من قديم لبومن بالقناعة والشجاعة وحب الاستقلال في الأمم الفاتحة الكبيرة، وهذا مما يثير الدهشة والاعجاب وأقوى دليلٍ على هذا أن الاسلام انتشر في كوردستان منذ 14 قرناً ولم يؤثر في الشعب الكردي من ناحية اللغة والتقاليد القومية، مع أنه مسلم 95% بمعنى الكلمة. والسبب في ذلك أنه شعبٌ صلب الرأي لا يتنازل عما يختص بإعلاء شأن قومه مما لا يحالف الدين.
 هذا موجز بسيط من تاريخ الكرد قبل الاسلام.
يتبع….

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…