الشاهد الضحية

أحمد مرعان 

تتحداني الأمنيات..
فأسرج خيلي، 
عازما السفر إلى متاهات الحياة.. 
وأرسم خريطة الرحيل في الأذهان.. 
أمتطي جوادي إلى حيث البراري، 
و أتجاوز الجبال والوديان، 
تحول دوني البحار والأنهار .. 
فأدور بمملكة الرعب تائها بلا عنوان.. 
تستوقفني الحوانيت لأتزود لبقايا الطريق، 
لعلني أركن في مكان ما.. 
كلما يحلو لي مكان، 
تتقاذفني أمواج الحنين إلى 
مرابع الطفولة واليفاعة والشباب، 
حيث حديث ومواقع الذكريات.. 
أضناني السفر في تيه البراري، 
وحيث ضوضاء المدن وازدحام الأماكن، 
وكثرة القيل والقال، 
واحتكار التجار، 
وشح الموارد، ولصوصية المواقف، 
والضياع في اختيار المناسب.. 
الصراع جامح، 
والثبات يتأرجح بين شك ويقين، 
ويختلس النظرات باستفهام، 
ويتعحب بأنين، 
الشوق والحنين يحد من التمتع بالحاضر.. 
أتعربش بخيوط الدخان، 
أستطرد جنون المكان، 
تحاكيني كل ممالك الجوارح 
وتنقلني إلى عوالم السكون، 
حيث التداخل بالأفكار والمشاعر، 
وعدم القدرة على تحديد المسار، 
واختيار الأنسب، 
عسى أن تصادفني فكرة هوجاء حائرة 
ضائعة مثلي تبحث عن الاستقرار، 
فنلتحم بتيه المكان، 
وننشد سوياً (رُبَّ مصادفةٍ خيرٌ من ألفِ ميعاد).. 
نعلن التوحد، 
نصدر صكوك الإعلان، 
نكتب نظامنا الداخلي، 
نسطر عناوين اجتماعاتنا، 
نتناقش ونتنافس في تقديم الرؤى بإحكام، 
نرسم معالم الخريطة إلى حيث تتوق إليه أنفسنا 
وتصله أيدينا دون رادع ومقاومة، 
نوزع مناشير التبشير، 
ونبني أضرحة للخيال، 
نتوسم الخير وننهب الخيرات، 
والكل ينظر إلينا بعين الرضى، 
لوعود نزرعها ها هنا دون رعاية ودون ماء، 
والسماء أقفلت أبوابها دونما القطر والمطر.. 
دامت سنو العجاف 
وتجاوزت بمِحنها العشر سنوات، 
ومازال الأمل يراود الفقراء والمساكين 
بتجاوز الآلام وتحقيق الأمنيات.. 
تبدلت المفاهيم العصرية، 
أما زلتم تعيشون بعقولكم الصوفية، 
وتنتظرون النعم الإلهية، 
لقد أُغلقت كل الأبواب 
إلا باب المذلة والمهانة والأرتياب.. 
من يتقلد أفكارنا، 
ويوزع المهانة لشعبنا، 
ويحرمهم من خيراتنا، 
ويشتتهم في بلاد الغربة واللجوء، 
ويجوع أطفالهم، 
ويقتل شبابهم، 
ويرمل نساءهم، 
سنقلدهم بأوسمة النصر، 
وهم منا الأقربون، 
لحين ترددهم، 
سنصفيهم بمهارتنا، 
ونلصق بهم التهم بما نشاء من بنات أفكارنا 
وبما يناسب حجم جريمتهم برأينا ونظرنا.. 
أيعقل أننا ولهذا الحد نتوارث الذل والهوان، 
ونعلم مدى حجم الجريمة وتفاقمها على المدى…؟ 
أيعقل ..
أن يصبح الشاهد قربانا وضحية…..؟ 
أيعقل .. 
أن يصبح الصمت  نصراً …..؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…