في لهيب الحرب.. قصة قصيرة

أنيس ميرو

في غالبية الحروب هناك تدمير لكل القيم الاجتماعية و مأساة للترابط الاجتماعي والإنساني و تفكك للأسرة و خراب للمدن و الطبيعة و تشويه للبشر نتيجة لأسلحتها الفتاكة..!! كنا في منطقة (جبل حمام) في الأراضي الإيرانية حيث كان يتمركز المقر الخلفي للواء وبقية مقرات للأفواج الخلفية وكانت الأفواج القتالية متمركزة في مناطق كيلان غرب .؟ وبصفتي (ن . ع) في الجيش وككاتب في المقر الخلفي لسرية المقر كنا نكلف ليلا بالواجبات و الحراسات الليلية بانتظام و كانت هناك ربايا و نقاط حراسة ليلية في داخل المعسكر و المناطق التي تحيط بالمعسكر كان موقعنا بالقرب من (جسر جيا حمام) ويمر من تحته نهر صغير ولكن أثناء الشتاء كانت الأمطار تصدر أصوات رهيبة من هذا النهر ليلا و خاصة أثناء هبوب الرياح القوية و كانت الظروف غير طبيعية خوف و ترقب و منازلات من الطرفين و تسلل ما بين القطعات العسكرية للطرفين .!! قتل وربما ذبح لمن غفى في نومه للطرفين أثناء قيام تسلل معادي للطرف الآخر وغالبا ما كانت تنفجر حقول ألغام في مثل هذه التحركات عند تقصي استحكامات الطرف المقابل.؟ 
في ليلة ما كان المطر يتساقط بشدة جنونية و الهواء شديد البرودة قارص و هبوب رياح وأصوات مرعبة بسبب الجسر و الوادي القريب المطل عليه، وكانت دوما هناك زيارات لحيوانات متنوعة في الليل كالذئاب وخنازير برية و ثعالب وقطط برية مرعبة كبيرة الحجم و رهيبة الشكل.؟ وكنت تشاهدها باستمرار وهي تتجول ليلا في المعسكر، دعالج و زواحف كبيرة الحجم لم أرَ مثلها تشبه التماسيح و لكن ليس لها أنياب وغالبا ما كنا نسمع أصوات رهيبة متنوعة لهذه الحيوانات لكون المنطقة فيها جبال ووديان وانهر وغابات صغيرة. !! كنت في ليلة ما من ليالي الشتاء المرعبة بمطرها وبردها القارص و تلك الأصوات المرعبة الكثيرة مع زميل لي في نقطة حراسة مميزة للمقر الخلفي للواء العسكري الذي كنت فيه ولكون الوقت لم يمر بسهولة وهناك خوف من الاشتباك أو تعرضنا للاقتحام من الجانب الإيراني فكنا نحسب الحساب لأي صوت غريب أو حركة تصدر بصوت مميز.؟ اتفقت مع زميلي صالح القيام بالمناوبة، حراسة لمدة ثلاثة ساعات ثم يتم تبديلنا باثنين آخرين من الجنود وكانت العادة ليلا أن يمر ضابط الخفر على هذه النقاط المكلفة بالحراسات ليتأكد من يقظة الحراس وتأهبهم في مواقعهم ؟.. وفجأة داهمني النعاس و رغبة في النوم فاتفقت مع صديقي صالح أن لا يناديني باسمي حين يود أن يوقظني إذا كنت نائماً أو عند سماعه لصوت أو أية حركة للتفتيش خوفا من العقاب إذا ما كنا نيام أثناء الواجب. كنت البس الملابس العسكرية كاملة ومن ضمنها غطاء الرأس.؟ غرقت في نوم عميق ونسيت كل شيء ولم اعلم كم مر على ذلك وفوجئت بحركة ما حسيت كأن شخصا يتلمس منطقة فروت رأسي و ظننت انه صديقي صالح فناديته باسمه صالح ماذا حدث ومن نبرة صوتي استفاق صالح و هو مرعوب ؟؟وتبين انه أيضا داهمته نوبة نوم عميق أي كنا نحن الاثنان نائمين..!! فقال: ـ أنا لم أناديك أو اطلب منك أن تتهيأ فانتابنا نحن الاثنان خوف شديد ؟وتبين أن لا وجود للضابط الخفر أو أي شيء آخر فاضطررنا إلى ترك مكان الحراسة و قمنا بجولة تفتيش في جميع المناطق التي كانت ضمن حراستنا و قريبة من موقعنا ؟العسكري وشمل التفتيش أسفل الجسر القريب من المعسكر وملاجئ الضباط والجنود وتبين أن الجميع يغطون في نوم عميق !! أيا ترى من الذي دخل علينا في ذلك الوقت؟ وماذا حدث أثناء نومنا؟ ولخوفنا من بوح الموقف ومن العقاب اضطررنا أن نكمل مناوبتنا معاً لغاية نهاية الموقف والساعة المتفق عليها.!! ولغاية يومنا هذا لم نستطيع أن نعرف ماذا حدث في تلك الليلة المظلمة والمليئة بالخوف ومن الذي تلمس فروت رأسي ؟!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سيماڤ خالد محمد

مررتُ ذات مرةٍ بسؤالٍ على إحدى صفحات التواصل الإجتماعي، بدا بسيطاً في صياغته لكنه كان عميقاً في معناه، سؤالاً لا يُطرح ليُجاب عنه سريعاً بل ليبقى معلّقاً في الداخل: لماذا نولد بوجوهٍ، ولماذا نولد بقلوب؟

لم أبحث عن إجابة جاهزة تركت السؤال يقودني بهدوء إلى الذاكرة، إلى الإحساس الأول…

خالد بهلوي

بحضور جمهور غفير من الأخوات والإخوة الكتّاب والشعراء والسياسيين والمثقفين المهتمين بالأدب والشعر، أقام الاتحاد العام للكتّاب والصحفيين الكُرد في سوريا واتحاد كردستان سوريا، بتاريخ 20 كانون الأول 2025، في مدينة إيسين الألمانية، ندوةً بمناسبة الذكرى الخمسين لرحيل الأديب الشاعر سيدايي ملا أحمد نامي.

أدار الجلسة الأخ علوان شفان، ثم ألقى كلمة الاتحاد الأخ/ …

فراس حج محمد| فلسطين

لست أدري كم سيلزمني لأعبر شطّها الممتدّ إيغالاً إلى الصحراءْ
من سيمسك بي لأرى طريقي؟
من سيسقيني قطرة ماء في حرّ ذاك الصيف؟
من سيوصلني إلى شجرة الحور والطلع والنخلة السامقةْ؟
من سيطعمني رطباً على سغب طويلْ؟
من سيقرأ في ذاك الخراب ملامحي؟
من سيمحو آخر حرف من حروفي الأربعةْ؟
أو سيمحو أوّل حرفها لتصير مثل الزوبعة؟
من سيفتح آخر…

حاوره: طه خلو

 

يدخل آلان كيكاني الرواية من منطقة التماس الحاد بين المعرفة والألم، حيث تتحوّل التجربة الإنسانية، كما عاينها طبيباً وكاتباً، إلى سؤال مفتوح على النفس والمجتمع. من هذا الحدّ الفاصل بين ما يُختبر في الممارسة الطبية وما يترسّب في الذاكرة، تتشكّل كتابته بوصفها مسار تأمل طويل في هشاشة الإنسان، وفي التصدّعات التي تتركها الصدمة،…