رقية حاجي
ثمة أفكار كثيرة؛ ومشاعر لا حصر لها تتقاذفني في هذه اللحظة، ولأنني أحب ممارسة حقي في التناقض، فها أنا ذا، أجلس لأدوّنها، دون أدنى معرفة بالمكان الذي سأصل إليه في هذه الخاطرة..
للتو أنهيت فيلماً لطيفاً، ترك لدي انطباعاً يشبه انطباع الحبُ بين طفلين التقيا في حديقة الألعاب، وافترقا قبل أن يعرف أحدهما اسم الآخر..
فرغت من تناول وجبة أحبها، لم تشعرني بالشبع فحسب، وإنما أسبغت على حواسي شعوراً بالرضى والسعادة.
ومازلت أتلذذ بطعم القهوة في فمي، وأؤجل شرب الماء -رغم العطش- حتى لا أفقد بقايا مرارتها المذهلة.
لكنني في المقابل، أرى الأطباق المتسخة وهي تملأ الحوض وتحاول يائسة إفساد مزاجي، وأراقب بطارية هاتفي وهي توشك على النفاد، وقبل أن أبدأ النقر على هاتفي، قرأت خاطرة عن فقد الأحبة، فأحسست بمرارة أخرى، غير مستساغة على الإطلاق، تعربد في دمي وقلبي..
لماذا لا يحصل الإنسان على (كاتالوج) للتعامل مع نفسه عندما يشعر بأن ثمة خطبا ما يُخرجه عن طبيعته، كأن توجد عبارة تقول:
إذا أحسست بالحزن فعليك أن تضغط على زر إعادة التشغيل لمدة ثلاث ثوان..
أو
إذا وجدت نفسك وحيداً فقم بتفعيل زر المحاكاة ليظهر لك صاحب افتراضي قادر على تحطيم وحدتك..
أو
إذا شعرت بانعدام جدوى الحياة، استرجع ساعة من الماضي، وعشها مرة أخرى مع إنسان كان كل مالديك..
ما فائدة كل هذه الاختراعات التي تحاصرنا إذا لم يكن هناك اختراعات تعيد لك أحبابك في أشدّ حاجتك إليهم، ما الفائدة إذا كان ثمة طرق كثيرة لتقع في الحب والكره والسعادة والحزن، دون اكتشاف المصل المضاد لأي منهم..
أشخاص نحبهم، لكننا لا نريد أن نفعل، حتى لا يهزمنا رحيلهم، أشخاص نكرههم، بيد أن الوقت المسفوح في كراهيتهم أولى أن يُنفق في حبهم، ما فائدة السعادة عندما تورثنا هذا الكم الهائل من الذكريات الخارجة عن السيطرة، وما فائدة الحزن، إذا لم يكن بمقدورنا أن نوقف منجله عن حصد أرواحنا ..
ماذا كنت أقول؟
حقي في التناقض، نعم، كأن أستسلم في النهاية لترك هاتفي على الشاحن، بينما أنظف الأطباق، وأخلط مرارة قهوتي بمرارة قلبي؛ فأبكي والابتسامة لا تفارق وجهي..