غُراب العُزلة

خالد إبراهيم
أعلمُ أَنَّ الزَّمَنَ 
أَدَار ظَهْره عَنْ وَجْهِي كَمَا أَعْلَمُ إنَّنِي ضَعِيفُ الْحِيلَة 
و أعلمُ تماماً أنكِ لَا تَرَيْنَ مَا اكْتُبْه بِعَيْن الْقَارِئ الْجَائِع ، 
كَمَا أعلمُ أَنَّ هُنَاكَ فِي الضَّفَّة الْأُخْرَى مِمَّنْ يُرِيدُ أَنْ يغرزَ آخَر سِكِّين لَدَيْهِ فِي ظَهْرِي ، لَا لِشَيْءٍ ، فَقَط لِيكمل الْقَدْرأتونه الملتهب فِي صَدْرِي ، فَقَط لَأَقُول أَنَا لستُ أَنَا . 
***
قَالَتْ لِي هَذِهِ السُّنُون مَرَّة : 
لَا تَكُنْ مِثل هَذَا وَ ذَاك ، كُنّ مِثل نَفسك ، و لَا تَبْخَل عَلَى جسدكَ قَسَاوَة الْفُصُول 
قَالَت أنتَ رَجُلٌ 
ضَحِكْت بِعُمْق و مَضَيْت .
…..
أنا الضريرُ الذي يُبصرُ في العتمةِ
فلا بردُ الشتاء نالَ مِن أصابع يدي
 ولا حرُّ الصيفِ جعلَ القمحَ فحماً 
على بابِ قَلبِكِ شجرةٌ تَتسعُ لعصافيرِ قلبي 
الطيرُ الضريرُ يبكي !
قَنَّاصُ ثُمّ أَزِيز رصاصَة ، ثم تفرّين أَمَامِي مِثل غَزَالَة بَيْن غَابَات رُوحِي ثم تسقطين بَيْن راحتي يديَّ و أنتِ تنزينحُبا و عِشْقًا …
أتَعْلَمِين مَن أَنَا ؟ .
……
يَخرجُ الصبحُ عارياً مِثلَ شَجرة ، وَيَلْوِي النَّهَار خُيُوط الْعَتَمَة وَيَبْقَى أَنَا بَيْنَ شُعَاعِ الفجرِ الأحمرَ كَالذِّئْب الجَريح ،كالأصابع الْحَائِرَة عَلَى شَفَاه تَرْتَعِش ، كفناجين القَهْوَة ، مِثل تِلْك الْوُرُود الذَّابِلَة ، مِثل مِكْنَسَة تُرِيد اِقْتِلاع صمتيناالعجوزين 
أنظرُ إلَى صورتكِ المُثبتةُ بَيْن عِتمةُ قَلْبِي ، حَزِينَةٌ أنتِ مِثل هَذَا الْعَالِمُ 
أَحْيَا مِثلَ الطِّفْل الَّذِي خَرجَ وَنَجّى مِنْ بَيْنِ رُكامِ مدينةٍ مُدمرة 
تنهضين بَيْن أضلعي حُبًّا لَا يَنْتَهِي 
…….
أنا 
أرسم حُدُود الرَّغْبَة 
أنا 
الظنُ المتكلس بَيْنَ أَسْنَانِ الرَّهْبَة 
أنا  
شاهدُ زُورٍ عَلَى مَدْخَل الْقِيَامَة 
لَا أملكُ 
و لَا أملكُ 
و لَا أملكُ غَيْر حطامٍ مِن الرّوَى 
يدٌ مبتورةٌ 
و وشمٌ يطاردني مَا حَيِيتُ 
الْعَرْصَة المتخاذل عَلَى يَد اللَّه
هو هَذَا الْعَالمُ ..
شرائحُ لَحْم جَسَدِي مُعلقة عَلَى جُدْرَان جَهَنَّم 
********
كَم تُشبهينني أيَتِهَا القَهْوَة المُرّة ، لونكِ ، مذاقُكِ ، رائحتكِ ، طَبعُكِ ، أَيْنَمَا كُنتِ أَكُونَ أَنَا ! !
أنتِ شَظَايَا جرحٌ و أَنَا شَظَايَا رَجُلٌ
لِنَكُون معاً
تَعَالَي و ارقصي فِي فنجاني الْفَارِغ ، كَوْنِي مِثل سَعير الظَّلَّامِ فِي كوخٍ مَهْجُور
تَعَالَي
فنجاني لَا يخافُ الْعَتَمَة
تَعَرِّي
ارقصي
اقضمي
اُنْظُرِي فِي دَيْجُور الظَّلَام
كَيْف أَصَابِعِي
تَرَسَّم صُمْت اللَّهُ عَلَى جَنَاحِ غرابٌ يُسمى * أَنَا 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غريب ملا زلال

أحمد الصوفي ابن حمص يلخص في تجربته الفنية الخصبة مقولة ‘الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح’، وهو كثير الإنتماء إلى الضوء الذي يحافظ على الحركات الملونة ليزرع اسئلة محاطة بمحاولات إعادة نفسه من جديد.

يقول أحمد الصوفي (حمص 1969) في إحدى مقابلاته : “الفن رؤيا جمالية وبدائل لفساد الروح”، وهذا القول يكاد ينبض في…

عبد الستار نورعلي

في الليلْ

حينَ يداهمُ رأسَك صراعُ الذِّكرياتْ

على فراشٍ مارجٍ مِنْ قلق

تُلقي رحالَكَ

في ميدانِ صراعِ الأضداد

حيث السَّاحةُ حُبلى

بالمعاركِ الدُّونكيشوتيةِ المطبوخة

على نارٍ هادئة

في طواحينِ الهواء التي تدور

بالمقلوبِ (المطلوبِ إثباتُه)

فيومَ قامَ الرَّفيقُ ماوتسي تونغ

بثورةِ الألفِ ميل

كانتِ الإمبرياليةُ نمراً..

(مِنْ ورق)

بأسنانٍ مِنَ القنابلِ الذَّرية

ومخالبَ مِنَ الاستراتيجياتِ الدِّيناميتية

المدروسةِ بعنايةٍ مُركَّزَة،

وليستْ بالعنايةِ المُركَّزة

كما اليوم،

على طاولته (الرفيق ماو) اليوم

يلعبُ بنا الشّطرنج

فوق ذرى…

حاوره: إدريس سالم

إن رواية «هروب نحو القمّة»، إذا قُرِأت بعمق، كشفت أن هذا الهروب ليس مجرّد حركة جسدية، بل هو رحلة وعي. كلّ خطوة في الطريق هي اختبار للذات، تكشف قوّتها وهشاشتها في آنٍ واحد.

 

ليس الحوار مع أحمد الزاويتي وقوفاً عند حدود رواية «هروب نحو القمّة» فحسب، بل هو انفتاح على أسئلة الوجود ذاتها. إذ…

رضوان شيخو
وهذا الوقت يمضي مثل برق
ونحن في ثناياه شظايا
ونسرع كل ناحية خفافا
تلاقينا المصائب والمنايا
أتلعب، يا زمان بنا جميعا
وترمينا بأحضان الزوايا؟
وتجرح، ثم تشفي كل جرح،
تداوينا بمعيار النوايا ؟
وتشعل، ثم تطفئ كل تار
تثار ضمن قلبي والحشايا؟
وهذا من صنيعك، يا زمان:
لقد شيبت شعري والخلايا
فليت العمر كان بلا زمان
وليت العيش كان بلا…