السهولة والقُرْب يزريان بالمكانة

إبراهيم البليهي 

لا يحترم الناس إلا ما يصعب عليهم نواله؛ فمن مفارقات البشر أنهم يستهينون بمن يضع ذاته قريبًا منهم. لذلك تجد بعض المسؤولين يحرصون بأن يُغلقوا الأبواب على أنفسهم، ويضعون الحُجَّاب بينهم وبين الناس، فالدخول إليهم يتطلب جهدًا وصبرًا  يضفي مسافةً فاصلة ويضيف قيمةً ويصنع مهابة ….
   هكذا البشر يَخلقون المتاعب لأنفسهم من دون أن يدركوا . فهم يستخفُّون بالمتاح. ويبحلون ما يصعب الوصول إليه. لذلك قيل : زامر الحي لا يُطرب فالذي يعرفك في الصغر يحتقرك في الكبر ….
      ومن هذا القبيل ما يُروى عن أم الإمام أبي حنيفة فقد كانت تستفتي الوعاظ ولا تثق بفتوى الإمام لأنها عرفته في أيام طفولته وضعفه وعاشت معه فلم تشعر بأهميته ولم تتذكر أن الوعاظ أيضا كانوا أطفالا لكنه القُرب الذي يُزري بالمكانة ….
وفي المجال الفكري نجد الكثيرين يجهلون القيمة العظيمة لكتاب (قصة الفلسفة) لويل ديوانت فهو من أعظم الكتب التي تُقَرِّب فهم الفلسفة فهو يجعل أصعب القضايا الفلسفية تبدو سهلةً ومفهومة ولكن هذه المزية العظيمة التي تُسَهِّل الصعب، وتُقَرِّب البعيد، أَوهمتْ الكثيرين بأن هذا الكتاب للمبتدئين …..
     وبالمقابل؛ قوبل كتاب (الوجود والعدم) لسارتر بالكثير من الاهتمام والتبجيل لأنه تعمَّد الصعوبة فالكتاب يقع في ترجمته العربية بأكثر من 800 صفحة وكل ما تتمخض عنه هذه الصفحات التي تقترب من الألف لاتزيد عن تأكيد إيمانه بأن على الفرد أن يواصل خلق ذاته لكي يتحرر مما تطبع به ومما يحيط به ويؤثر عليه …..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…