قراءة في الأعمال المنجزة في سيمبوزيوم السليمانية الثالث في كردستان العراق حكمت داؤود يصيغ أسئلته في البؤرة ذاتها ( 4 )

غريب ملا زلال
من مصمم أزياء الدراما السورية، إلى التمثيل، إلى الشعر، إلى التشكيل، جميع هذه الكائنات يجمعها حكمت داؤود في شخصه، فهو يغرد على هذه الأغصان جميعها بالشكل الذي سيوهمه بوجود آخر لتحقيق المغاير معها جميعاً، فهذا التعدد في السير و الحركة يفصح بطرائق مختلفة عن افتتانه بالشجرة التي يتكىء عليها و التي لا يحل اليباس عليها ضيفاً، أقصد شجرة الإبداع التي لا يمكن أن ينفلت من مذاقها من كرمه الله من ثمارها، لسنا بصدد داؤود المصمم فله عشرات الأعمال الدرامية التي تتحدث عن انجازه، و لا عنه الشاعر فله مجموعتان تتحدثان عنه الأولى بعنوان كطفل يشتهي 2015، و جديلة قرب النهر 2016، ما نحن بصدده هو حضوره في هذا السيمبوزيوم الجميل و ما أنتجه فيه، فسبق تحدثت في مادة مستقلة عن رتوش من تجربته مع الفن التشكيلي،
 فحكمت داؤود كان من ضمن الجوقة التي شاركت في تلوين فضاءات السليمانية، و كان عمله الوحيد الذي أنجزه خطاباً جمالياً في السبل المؤدية إلى إبتداع طرائق في إجراء الكلام و تصريفه على البياض، فيتلمس كل السبل و المسارب التي يعتقد أنها قد توصله إلى آفاق هو فاتحها، مهما كانت هذه السبل مليئة بالتصدعات و الإنقطاعات، لذلك يدرك أنه لا يمكن أن يصرف النظر عن الحواف مهما كانت البؤرة حامية، رغم أن عمله هذا، المنجز هنا في هذا الملتقى يصيغ أسئلته في البؤرة ذاتها، قد يعتقد المتلقي من الوهلة الأولى أنه يهمل الهوامش و الحواف، و لكن مسك حبال البؤرة وحدها قادرة أن تثبت لنا بأن الاندساس في الحواف عنده لا يقل أهمية من البؤرة، فصحيح أن اللغم هنا، و لكن مع الإنفجار ستغطي الشظايا اللونية جميع الأمكنة، هذه اللعبة التي يتقنها داؤود هي إضافة إستقدامية لمنجزه الذي يملي عليه أن يتملك ذاته حين يسير في ضوء مقرراته، و هذا سيترتب عليه اللعب الحر و تطعيم المشهد بمشاهد مفتاحية يبحث عنها كل من يقف أمام عمله لإجراء نقلة في التوترات الناجمة عن إبراز التعارضات كمسألة جوهرية لمقولات مشهده، و إستخلاص ما سيكشف عن نفسه في لحظات الإنبهار الأولى و التي ستحمل المتلقي على إصدار تعليقات أو تفسيرات لإزاحة الغرض و تحويله إلى مفهوم جديد يتضمن تنويعاته تلك لا كرد فعل على المقاصد الكيفية التي تتوالد و التي بها نتعرف على أشيائه، بل ليتسنى لنا كمتلقين معرفه خططه و كيفية تطبيقها على تجربته، فلا شك أنه يعايش القلق الذي يرافق الفنان عادة في لحظات الخلق كعنصر من العناصر التي تمنحه القدرة على التعايش مع ألوانه و تحويلها إلى سيل جارف لبياضه، و علاقته هذه تجعله يحتفي بمخلوقه / منتجه بإنبهار رغم عدم قدرته على تغييب إنفعالاته و لا تفاصيلها، فهو المسكون بحضور صامت يحاكي متخيله و كأنه أمير يمارس سلطته عليه، و لديه الإستعداد الروحي لتوزيع ذاته في عمله أو العكس، كل منهما يكتمل بالآخر و قد يكون هذا سر تمسكه بمدن منسية يستحضرها بنوافذها الصغيرة الكثيرة و كأنه يقول لنا : هذا أنا أجتاح مدني الكثيرة، و تجتاحني هي حتى يذوب أحدنا في الآخر .
حكمت داؤود
مواليد 1965 القامشلي
2013 معرض عيون الشام – بيروت 
2013 معرض وشم – صيدا
2014 عالية – لبنان 
2015 ديار بكر – تركية
2015 درباسية
2015 معرض اللوحة الصغيرة – دمشق
له مجموعتان شعريتان 
مصمم أزياء دراما تلفزيونية
ممثل

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…