قراءة في الأعمال المنجزة في سيمبوزيوم السليمانية الثالث في كردستان العراق.. جيمن إسماعيل طافحة بالمرارة و القتامة إلى حد السكوت (5)

غريب ملا زلال 
من الوهلة الأولى و أنت تتعرف عليها قد تخرج بإنطباع سريع و عاجل بأنها كتلة من الفرح و السعادة، فالبسمة لا تفارق محياها، و خفة ظلها تسبقها في الحضور، فهي من اللواتي قادرات على تعطير المكان و إسعاد الآخرين بمسلمات سلطانها على المكان، لن أقول من يكون هكذا قد يحمل في دواخله أطناناً من الوجع دون أن تظهره، لكن ذلك سيبدو جلياً في ثلاثيتها التي اشتغلت عليها على إمتداد أيام الورشة، هذه الثلاثية الآي قد تلخص بعضاً من ذلك الوجع الذي تخبئه عنا و عن الوسط الذي تعيش فيه، فبحق الأعمال الثلاثة التي أنجزتها تشكل معزوفة وجع كبير لا كإحتواء لرؤاها و تصوراتها فحسب، بل كطريقة للنفاذ إلى عوالمها و مقاربتها بإحاطتها بمنجزاتها هي كحالة رصد للحظاتها المرمية في أحضان الغياب، 
فهي ترزح تحت ثقل وعي درامي قد يوهمنا بما نرى، لكنها منشغلة بمنتجها و تقترب منه أكثر لتحيطنا علماً بما تنهض عليه من إضافات، و بأن لحظة الغدو ليست مجرد اقتدار على الرسم بما يسري في تفاصيل الأشياء، بل هي مكاشفات لأغان طافحة بالشجن، فيها من التعالقات و التقاطعات ما ينهضها بالدلالات على أنها إستحضارات للوجع الكبير توظفها بإنفتاح على رموز في رحابها تلغي كل المسافات، و ترافق التخوم ففيها سر قوتها و مدى مقدرتها على الإستمرار، و هذا قد يفسر بعض أوجه التعارض الحاصل ما بين الداخل و الخارج، و هذا يستدعي حتماً حركة إحياء شديدة التحديث تستند إلى تنوع مطالعاتها التي هي من تنوع إمتلاكها في ملامسة تلك التخوم و الإرتقاء بها نحو السموات العشرة، فجيمن إسماعيل مجبولة بالوجع و هذا سر إلتجائها إلى الرمادي كخير لون في التعبير عن بعض آهاتها، اللون الذي لا يمكن أن ينفلت منه حسرة واحدة، أو وخزة صغيرة في خاصرة ما، فهو منقذ لمشاعرها و ما تبقى منها في الموجودات التي لم تعصف بعد، فمجموعتها المكونة من أعمال ثلاث أشبه بروايات كتبت في ثلاثة أجزاء كل منها إمتداد للآخر، مجموعة طافحة بالرعب و الخراب و كأنها تجر مادتها من ركام مدن اندحرت في زمن ما، فليس أمامها غير الإحتماء باللوحة الطافحة بالمرارة و القتامة إلى حد السكوت، فهي تخطو بين الحطام لا خلاصاً للوجود فحسب بل للمضي فيها إلى المنتهى لتعلن هذا حتفنا، دون أن تيأس فمازال أمامها الصدى حاضراً منكفئة بأن الخروج من الدائرة لم تتم بعد، و بأن إستخدام وسائل خاصة بالبروشور السياسي لن تقيها تماماً من الإستجابة لذاكرتها السياسية المؤسسة لمقرراتها الجمالية، فهي في أشد لحظات الخلق أصالة لا يمكن لتلك الذاكرة أن تتركها في صفائها، فتمتثل حيناً و حيناً تلوذ بالصمت، و حيناً آخر تصبح المواجهة هي الأهم فتقود بنوع من التبسيطية تصوراتها و تمضي بها في دروب التيه، محتفظة بحرارتها كجزء من التعبير عن قيمها الفنية، مكرسة ذلك للنهوض بعالمها القاتم و كأنه كابوس مرعب يلح على ملاحقتها مهما حاولت التخفي، فهي تتكىء على إرث من الوجع الذي لم يندمل بعد، فكل الأماكن مازالت تروي حكايا، و تدلي بشهاداتها، و لهذا قد تلجأ جيمن إلى الهروب علها تنشغل بالغد، لكن المضمر كبير لا يتركها بل يتجلى بين أصابعها و هي تبعثر الرماد، الرماد الذي بات نوعاً من الأقفال لا يقبل الفتح و التفسير، بل أصبح إلى ما هو أقرب من الرفض و العزوف، أو إلى ما هو أشبه بلغز غامض لا يمكن أن يتبدى إلا في ضوء مسافات قد يتسنى فيها سفر المعرفة و كيفية إنتاج المعنى .
جیمن اسماعیل
– خریجة أكادیمیة الفنون الجمیلة ببغداد عام 1988.
– أستاذة في معهد الفنون الجمیلة بمدینة السلیمانیة/ كردستان العراق.
– 1992- 2012 شاركت في 15 معرضا مشتركا في كل من مدینة السلیمانیة و المانیا و اسبانیا.
– 2015- 2017- 2018 كتابة و اخراج ثلاثة أعمال بیرفومانس.
– 2020 اي في زمن الكورونا عرضت معرضاً في السوشیال میدیا.
– 2019 كتابة و اخراج مسرحیة ( الفنان حسین مسري ).
– شاركت في ٲكثر من 50 معرضاً مشتركاً في: الیابان، فرنسا، هولندا، نیویورك، لندن، كوریا الجنوبیة، بینالي فینیسیا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…