قراءة في الأعمال المنجزة في سيمبوزيوم السليمانية الثالث في كردستان العراق «جيهان إبراهيم» تعمل على تثبيت عناصرها ضمن هدنة مسبقة مع فضاءاتها (7)

غريب ملا زلال

 
لا يمكن للعمل الفني أن يلد و يخرج إلى الشمس مالم يكن هناك هدنة مسبقة بين المولود و الخالق، هذه الهدنة التي يجب أن تكون معجونة بعشق تقتضي الرغبة أن تكون مبهرة، فثمة إستسلام بينهما، إستسلام أحدهما للآخر ( المولود و الخالق ) حتى يبدأ الإبهار بالمنجز و ما يحتويه من مئات الصور لحالات تشكلت إتفاقاً، أو مضت في عالم الإستيهامات الذاتية بمحض إنشاء، أو بمقادير تحكمها الهدنة التي أشرنا إليها، أصوغ ذلك و أنا أراقب جيهان إبراهيم كيف و هي تمضي في دروبها بموجب جدل تفترضه بينها و بين الفضاء الأبيض الذي يقف أمامها منتظراً منها ما يزدهيه، و ما ستستند عليها للفكاك من ذلك الجدل و تحويله إلى ألفة و تفاهم و حب بينهما، حينها، أقول حينها فقط ستبدأ النوافذ بالإنفتاح واحدة تلو الأخرى، و المطلوب حينها فقط أن تتخلص من الإستبداد الذي في داخلها و الذي يمارس ضدها، 
فهي هنا ستحمل وجوهاً لنساء عشقن الحياة رغم خرابها، و تحد من درجة يتمهن، فهن الملتفات حولها و حول ألوانها / بألوان دون أن يَشِحْن عنها، دون أن يعترضن على هذه الصيرورة و إن من جانبها الشكلي، فكل ما فيها من ملامح و حركات تقول بأن في دواخلها ما تحب أن تهربه إلى ذلك الفضاء خلسة، و تحوله إلى فعل وجود، و هنا لن تكف فهناك بدأ ما يتوالد، و التوغل على أشده، و المنجز ذاته لن يكف بإستقبال تلك الإستيهامات فهو يريد المزيد و على جيهان أن تتخلص من ( طبائع الإستبداد ) فهي باتت من الملمس ما يوهمها بأنها مرغمة على التعايش داخل فضاء المنجز ذاته، و تبدأ الصور بالتهاطل، و يبدأ الواقع الفاجع بالمواربة، فلا بد من تواطؤ الآن بينها و بين الفضاءات التي بدأت تلونه بالشكل الذي ترغب هي به لا ما يتطلبه هو، و هنا يبدأ العزوف حيناً و لا بد من إستراحة أو لفافة تبغ حتى تبدأ المداورة بينهما من جديد، حتى يتم التصالح الذي لا بد منه حتى يكون المولود معافى، فالإطاحة بالمعاني شرط أولي، و الإحتفاء بالقادم يحتاج إلى الإرتقاء بالنبوءات و إقتفاء أثر المدارات في رحاب التشكيل، فجيهان تأتي بما يزيد من التعالق بين ما يحكم المنجز، أو بلغة أخرى فهي تبحث عما يمكن أن يخلق من تشابكات بين عناصر المنجز حتى يبدأ الإيقاع بالظهور، و تبدأ مكونات منجزها بالتشكل و إن بطابع إنتشاري يطال السطح كله، فهي هنا مجبرة الوقوف عما يحيلها إلى ما تبتنيها من مشاهد و عوالم لها كل المعاني في الحياة حتى لا يتلاشى المنجز في أفق بعيد، و من خلال ذلك ستتوالى الحركات بالخروج أفقياً أولاً ثم بالصعود شاقولياً بالشكل الذي سنلحظ نحن كمتلقين بأن القبض على لحظة الشروع قد تم و لا بد لها من الإنحدار نحور رموز نمطية على نحو ما، نحو رموز تتوافق مع إحالاتها المحددة بطريقة ما ينبغي عليها الإلتقاء و الإتفاق .
جيهان إبراهيم أنجزت عملين في هذه الورشة، عملين لا يمكن الفصل بينهما مما ذهبت إليه، فهي تقدم طبقاً فنياً يتضح جلياً إشاراتها لمواضيع لها تأثيراتها في إستخداماتها اللونية، أو في صياغاتها الواعية و التي تجسد رؤيتها لواقع يمدها بتجارب كحضور لتمظهرات الحقيقة و هي تنسحب من وجود كان يمكن ألا يكون متصدعاً كما هو الحال، فهي تردد الصدى لأفكار كامنة في الكشف بصيغ لغوية تفهمها هي، و لا تنسى زج عمليها بظواهر مستوحاة من خزانتها المكانية تصب في قلب منجزها دون أي تكسير للمفاهيم الجمالية و قيمها الملائمة لتلك الظواهر التي تحتويها، فلا شيء عندها خارج النص، بل تعمل على تثبيت عناصرها داخل نسق أو نظام ما معتقدة أنه الضامن لبقاء البنية متماسكة و بأنها مسيطرة عليها، ناسية أن المجازات قد تظهر كبديل طازج لكل ما خططت له، فلا يمكن هنا استبعاد اللعب ضمن الإمكانات المتاحة و ضمن سلسلة من الإستبدالات التي قد تقوض صلابة و ثبات تلك البنية، و حينها لن يكون بمقدورها أن تكبح جماح اللعب و تكراراته مهما كانت مخلصة في عدم تحييد الزمكان في عمليها، و يمكن التدليل على ذلك بالعودة إلى أصول و جذور ما أنجبت، و تخطيها مخاطرة الوقوع في المباشرة الفجة لترجمة اللحظات المحددة، و هذا ما جعلتها تصوغ فرضيات بشكلها البسيط، و تستحضر الدلالات الغائبة حتى تبقي القيمة المعرفية موازية للقيمة الفنية و هذه خاصية لازالت متاحة و إن بجرئها الإحتياطي، و ما يحدث ليست قطيعة مع نظام ما، بل شحن المدلول مسبقاً، و هذا ما يحصل أو ما حصل .
جيهان إبراهيم:
مواليد الشيخ حديد – عفرين – سورية .
خريجة دار المعلمين بحلب .
خريجة مركز فتحي محمد للفنون الجميلة بحلب .
المعارض الفردية :
1991 في المكتبة المركزية بجامعة حلب .
1977 في صالة خانجي للفنون بحلب .
2002 هانوفر – المانيا .
2004 هانوفر – المانيا .
2005 لينز – المانيا .
2010 ايسن – المانيا .
و لها العديد من المشاركات في معارض جماعية في كل من سورية -بلجيكا -المانيا – فرنسا – سويسرا – هولندا .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…