غريب ملا زلال
منذ سيمبوزيوم 2015 في ديار بكر وستار علي يفرض حضوره على ذاكرتي الفنية، وبأنه اسم تشكيلي كردي مهم و مؤول عليه الكثير، وأتابع تجربته بكثب علّني أحيط بجوهر أنساقه، و بطرق اشتغاله، و بأبجدية لغته، وأنا أستعين في مقاربتها على التواصل مع ما لا يرى منها، وعلى ما هو منضوي ضمن سيرورة التدليل وأنماطها المتعددة، فهو الحامل لهموم ناسه إلى حد الإرهاق، وكأنه جبل كردي، و يملك من الأدوات ما تسمح له بترجمة ذلك، وينسج وجعها في حدودها القصوى و التي لا تجنح أبداً إلى إقصاء أية علامة مهما كانت صغيرة، فلأشيائه تحولاتها التي تقوده بحركات مرتبطة بدلالات أشكاله نحو ما يكشف له ذلك الصراع المتأزم الذي لم يجد حلاً بعد، فالظروف متفاقمة بين المضطهدين والمضطهدين (مرة بفتح الطاء و مرة بكسرها)، وليس للفنان أن يكون مرآة للوجع فحسب، ولا مدافعاً عن أصل الحكاية، بل حصاناً أصيلاً لا يتوقف عن الصهيل أينما كان متجاوزاً دائرتي الزمان و المكان نحو السموات العشر، داعياً الآلهة هناك بإرسال فيزا لآلهة الأرض و جلبهم إلى سمواته،
فنحن سكان الأرض لا نحتاج إلى آلهة تقودنا من حرب إلى حرب، بل نحتاج إلى جرعات حب و جمال حتى يكون كوكبنا بخير، و الفنان خير من يمثل رسول المرحلة في زرع روح الحب و التسامح و الجمال في كل زمكان، خير من يقود الإنسان و يدعوه إلى الإنسانية عامة، و ستار يجسد المثل الأعلى الإنساني في أعماله بقوة و إخلاص، يعكس عنف التاريخ و قمامته، و يحلم بوجود ممتلىء بالإنسان، يدين الضلال، و يجسد ذلك في مشهده البصري على نحو كبير، و يرفع الضوء ليكون الحامل لكلمته، يعرف ما يدور في الخفاء، و لم يعد هناك يقينات مطلقة، فجميعها باتت تفسيرات للمقاولات المفتاحية، فستار يتحرك من المحسوس إلى المدلول، من الواقع إلى اللوحة، مع إعطائه للجانب الشكلي أهميته، و كل قراءة هو تأويل جديد لهذا التحرك، مع التنبه لظهور بنية جديدة لديه تقوم على عدم تحييده للزمان و التاريخ، لذلك فالمرء يمكنه و طبقاً لإيماءاته أن يخرج بإماءة جديدة تساعده في القبض على الوقائع بأدق لحظاتها دون أن ينحيها جانباً .
ثلاثة أعمال هي ثمار ستار علي في هذا السيمبوزيوم، ثلاث لوحات، ثلاثية إنبعاثية كل منها تتحدث تاريخاً من الوجع، تاريخاً من الليل الطويل الذي كان جاثماً هنا، و هذا السواد لأمكنة هي بالضرورة ما كانت تغدو في الأوردة على إمتداد الإختلاف، و ما كان مهيمناً على فضاءات مازال فيها ما يشهد على ذلك، ستار علي يستجيب للحظة النسق، نسق التوثيق و الإستماع، لحظة فهم الذات بوصفها دالاً داخلياً يقدم نفسه كمعطى لصوت غائب، كمعطى لوجع مازال طعمه الزقام في القلب، و كحالة إستثنائية لهذا المكان المعزول عن نفسه، و الذي تحدى كل الممارسات و تضميناتها بات على شفى عناصر محدودة في صياغة مضمونه، و ستار يعي ذلك و هذا ما جعله يحول مساحة اللوحة كلها لفضاء تصويري متناه، قليل الإضاءة، فهو ينتج فناً يرتبط إرتباطاً وثيقاً بهذا المكان، و له علاقة مباشرة بالإنسان الذي ينتمي إليه محتفظاً بقيمه الذاتية دون أن يتجاهل ما سيكتسبه من قيم جمالية خاصة و مميزة حتى و إن أخصعناه لمعايير الفن المختلفة، فيقصي بعض الألوان ليمنح لأخرى مساحاتها التي عليها ستمارس وجعها، فالمناخ العام لثلاثيته يوحي بالتآلف فيما بينها و على نحو أخص أنه انجزها كي يوضح لمتلقيه بأن الكثافة اللونية الموضوعة على بياضه ما هي إلا مقاربات لموضوعات كبيرة كانت و ما زالت تشغل دوائر كثيرة، و ستار يتعامل مع فضاءاته بصرامة تمنحه كمّاً من أشكال تعبيرية تحمل قوة في التنوع و التعدد، و قوة في الإيحاء و التعبير، و بواسطة الحركة الجريئة من فرشاته تبقي ملامح الثلاثية ضمن إيهامات مشتركة بينها، يتتالى الإنطباع بالعمق و بالتوالد، و يتتالى المميزات البصرية لألوانه بالسعي إلى جعل الفن أداة جمالية تخدم المصالح الروحية و ما تمثله من جدوى الإحتجاج تاركاً آثاره عليها دون أن ينزع منها ما مر عليه من ضربات ريشته، أو من قطعة قماشه، و هنا يكمن سره في وجود هذه القطاعات المتفاوتة العمق، و هذا التباين في كثافة اللون في أماكن عديدة من لوحته .
ستار علي
– موالید 1957 قضاء العمادیة- دهوك – كردستان
– خریج كلیة العلوم قسم الجیولوجیا جامعة الموصل/العراق
– أقام سبعة معارض شخصیة
– شارك في العدید من المعارض الجماعیة في كردستان و العراق و أوربا .
شارك في العدید من السیمبوزیومات التشكیلیة في كردستان و خارجها
- عضو نقابة فناني كردستان
– عضو اتحاء ادباء كردستان
– عضو نقابة صحفیي كردستان
– نشر العدید من المقالات الفنیة و الأدبیة باللغتین الكردیة و العربیة و له كتاب في الفن التشكیلي بعنوان ( بعض القراءات التشكیلیة)
– أقام العدید من الندوات و المحاضرات الخاصة بالفن التشكیلي .