كلماتنا الكردية في اللسان العربي (3)

ياسر إلياس 

توطئة لفهم كيفية وطريق ورود كلمة (كافر) الكردية .
كان للثور قدسية كبيرة في معتقدات الشرق الأدنى القديم ( العراق القديم ، مصر القديمة، سوريا القديمة، الأناضول ، إيران ) فضلاً عما جاء في العهد القديم و تجسدت هذه القدسية في اقتران الثور مع عدد من آلهة الخصب ، و عد رمزاً حيوانياً لعدد منها يضاف إلى ذلك حضوره في المعتقدات العربية القديمة لا سيما في طقوس الاستسقاء ..
ورد ذلك مثلاً في الأدب السومري (السومريون) الذين نعتقد بأنهم أجداد الكرد لأسباب كثيرة :
أيها الإله ، عظيم أنت في الكون 
لك السيادة على الطبيعة 
أي إنكي المبجل وليد الثور 
وليد الثور الوحشي
وهنا شبه إله السماء آنو بالثور 
الحثيون الذين يُعتقد بأنهم أحد أجداد الكرد قدسوا الثور أيضاً و ظهر في المعابد الحثية منتصباً على مذبح القرابين 
و نظراً لقدسية الثور فقد دخل في أسماء بعض الآلهة فالإله مردوخ كبير الآلهة البابلية يعني اسمه( آمار – أوتو ) أي عجل أو ثور الإله شمس .
لدى آشور يظهر الثور ككائنات أسطورية مجنحة وضعت على بوابات المدن و المدن و القصور  بصفتها أرواح حامية تحرسها. 
وكان الثور مقدساً في المعتقدات المصرية القديمة فهو الإله أبيس حابي وارتقى تقديسه لدرجة العبادة ومن الثيران المقدسة لديهم منفيس وهو الثور الأسد المقدس لمدينة هليوبوليس و الثور بوخيس رسول الإله رع . 
كما لقب الإله بعل بالثور 
وكان مقدساً لدى الكنعانيين فكان من رموز إلههم (إيل) أبو الآلهة .
وحظي الثور بقدسية أيضاً في بني إسرائيل 
فعبد بهيئة عجل ذهبي وهناك تماثيل لثيران في هيكل سليمان .
في الصراع الدائر بين أهورمزدا و أهريمان 
في الديانة الزرادشتية دين الكرد قبل الإسلام يقتل أهريمان الثور و بموت الثور 
و بدمائه و أعضائه أخصبت الأرضت و نبتت الزروع ، و نمت العقاقير للاستشفاء ، و الإله مثيرا في الميثرائية(ديانة من تجليات الزردشتية) يقدم على ذبح الثور قرباناً لخصوبة الأرض و اخضرارها وازدياد خيراتها فتنمو الأشجار و الغابات  هكذا إلى أن أصبح ذبح الثورطقساً تعبدياً سنوياً.
أما العرب قبل الإسلام فقد تمثل تقديسهم للثور باقترانه بآلهة الخصب وفِي ارتقائه إلى معبود عند قسم منهم بدلالة دخوله في تركيب بعض الأسماء (عبد ثور ، أبي بن كعب بن ثور ، و أيضاً ظهور اسم بقر لصنم ثور وقد ورد أن قبيلة همدان وبني عبدإل وبني سبع بن زيد بن أوسلة ، وبني عبد بن زيد بن جشم بن حاشد بن جشم بن اجتمعوا على عبادة عبد البقر ، ولعل ما يؤكد قدسية الثور في الميثولوجيا العربية ما جاء في قصة الخلق الأولى وكان الثور أسها بدليل ما رواه وهب بن منبه بقوله: 
كانت الأرض كالسفينة تذهب و تجيء .. فيسر عدة طرق لتثبيت الأرض من غير أن يجدي ذلك نفعاً إلى أن خلق الله ثوراً عظيماً له أربعة آلاف عين و مثلها آذان و أنوف و أفواه و ألسنة و قوائم مابين كل منها مسيرة خمسمائة عام فحمل الثور صخرة الأرض على ظهره و قرنه و اسم الثور كيوثا).
تكمن أهمية الثور هنا في أنه حمل الكون 
على ظهره أو قرونه ،كما تم العثور على تماثيل و صور لثيران في معابد مأرب كما ظهر الثور في مختلف مناطق اليمن على لوحات و موائد و مباخر و قرابين ومسكوكات معدنيةو أواني فخارية
وعلى جدران المعابد من الداخل و الخارج 
وكان رأس الثور رمزاً للعاصمة الحميرية كما صور رأس الثور بصفته رمزاً للإله سين في مملكة حضرموت و غيرها كثير .
بناءً على التوطئة السابقة ألج إلى كلمة كافر
التي تجاوزت في معناها (غير المؤمن بالله)
لتعني كل من لا يُؤْمِن بدين الإسلام 
جاء في لسان العرب :قال الأزهري  :إنما سمي الكافر كافراً لأن الكفر غطى قلبه كله  
قال الأزهري في تهذيب اللغة: و معنى قول الليث هذا يحتاج إلى بيان يدل عليه)!
و الأزهري محق فيما ذهب إليه .
و يُستنتج من هذا أن العرب فسروا معنى الكفر استناداً إلى معنى الفعل كَفر : بمعنى غطى (( كمثل غيثٍ أعجب الكفار نباته))
ذلك أن الفلاح يغطي البذرة تحت الأرض و يهيل عليها التراب .. و هذا كله من الفعل 
Cover , الذي دخل الإنكليزية من الفرنسية 
قادمةمن اللاتينية المتأخرة بمعنى التغطية 
و هذا تعسف في تفسير معنى الكفر و أصل 
و طريق ورود دلالته ولفظه و عندنا أن الكلمة كردية ، و مرد ذلك أن الكرد كانوا شعباً تخلص من دياناته القديمة التي ورثها من أجداده الهوريين و السومريين و الميتانيين و الحثيين تلك الديانات التي احتل فيها حيوان الثور مركز الصدارة في القداسة و باعتناقه لدين نبيه الجديد زرادشت انتقل نقلة نوعية فمع زرادشت 
أصبح توحيدياً يُؤْمِن بإله مجرد غير مصور 
وبما أن الثور كان أكثر رموز التجسيدية للآلهة القديمة فقد أصبح الكرد يطلقون
على كل من لم يُؤْمِن بالله الواحد المجرد 
تسمية ( Gawer) (Gawir)
گاوَر ، گاوِر ، و هذه الكلمة مستعملة حتى الآن لدى الكرد و يستعملها الكرد بمعنى كافر لكن دلالتها المعجمية الحرفية( مقدس الثور ) ( عابد الثور ) و هذه الكلمة 
تمثل خطاً فاصلاً بين عقيدتين و مرحلتين 
متمايزتين تماماً ، مرحلة امتدت لآلاف السنين تعددت فيها الآلهة المتجسدة التصويريةو احتل فيها الثور مكانة مقدسة سامية و مرحلة أخرى بدأت مع زرادشت 
تميزت بالتجريد و أصبحت فيها الوحدانية لله الواحد الذي لا يتجسد و كل من ينتمي 
إلى المرحلة القديمة في اعتقاداته و دينه صار يطلق عليه (Gawer) ( Gawir)
گاور ، عابد الثور ، مقدس الثور ، أي كافر
و Ga , بالكردية هو الثور 
و wer , لاحقة تلحق نهاية الاسم لاشتقاق 
الصفة 
مثل : Serwer
مستقل ، رئيس ، سيد 
 
 Bîrewer
مستنير 
Perwer: مخلص 
و قد أخذ العرب كلمة Gawer, Gawir, گاوِر ، گاوَر ،واستعملوهامع اشتقاقاتها التي اشتقوها للتعبير بها عن نقيض الإيمان و كل من لا يُؤْمِن بالإسلام و توسعوا فيها حتى أطلقوها على من يكون مسلماً و ينكر شيئا من معلوم الإسلام  بالضرورة من غير أن يعرفوا طريق ورود هذه الكلمة التي يستعملها الكرد منذ آلاف السنين كما تم التوضيح في سياق التوطئة التاريخية لعقائد الكرد و قوميات الشرق القديم و حتى وقتنا الحالي مع العلم أن الكرد حتى الآن يستخدمون كلمة 
گاور ، بالجيم القاهرية و لا يقولون (كافر) كما يقول الفرس و الترك و العرب.
جاء في معاجم العربية و كتب المعرب و الدخيل كلمة : خنجر  : السكين ، أو السكين العظيمة .
يقول الفيروز آبادي في تاج العروس :
خنجر : (الخَنْجَر، كجَعْفَرٍ: السِّكِّين) وقيلَ إِنَّ نُونَه زائِدَةٌ، وإِن وَزْنَه فنْعَلٌ، ومَالَ إِليه بَعْضُ
الصَّرْفِيِّين.
وأقول إن قواعد العربية في الحروف الأصلية و الزائدة لا تصح على الكلمات الكردية و الأعجمية عموماً ، لأنها تضفي عليها ثوباً ليست على مقاسه و تفترض فيها 
عروبةً ليست فيها .
إنَّ آباءنا الكرد الأوائل وضعوا اللبنات 
الأولى لمدلولاتنا و مسمياتنا معتمدين على وحدات صوتية غاية في الصغر ، حتى إن الفونيم الواحد في اللغة الكردية له دلالة.
و يكاد يكون من شبه المستحيل على أي كان مهما كان من الفطنة و الدهاء أن يطأ بقدميه واحة اللغة الكردية و بساتينها يجني و يقطف من عناقيدها و كرومها من غير أن يترك وراءه أثراً من مداس أقدامه في حال دخوله و خروجه 
و كانوا كلما احتاجوا إلى كلمة جديدة نتيجة لتطور حياتهم الفكرية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية لجؤوا إلى ضم هذه الفونيمات الصغيرة إلى بعضها لاجتراج دلالة جديدة و هذا أمر شائع و معروف عن اللغة الكردية ليست لكثير من اللغات  و هذه الخاصية في لغتهم تشبه المتاريس و الدروع أو البصمة الوراثية و الحمض النووي تحفظ هويتها و تصونها أينما حلت 
وكيفما سارت ، و هذا ملمح من ملامح عبقرية الأمة الكردية و لغتها العظيمة 
ولا أبالغ لو قلت إن ٣٠بالمئة من مفردات المعاجم العربية أصولها كردية تجري في عروقها ولولاها لتوقف قلبها و قلب الكثير من اللغات الأخرى عن الخفقان .
و لو عددت أسماء الورود و الرياحين و الأزهار و العطور و النباتات وحدها لاحتجتُ إلى قاموس من آلاف الصفحات عدا عما سواها وهو ما يشكل عدة و عتاد أشعار الحب و الغزل في الأدب العربي وأذكر ما لنا ولا شأن لي بالمفردات الرومية و الفارسية و الآراميةوالسريانية و العبرية و الأمازيغية و اللاتينية و غيرها حيث تمتلىء بها بطون تلك المعاجم و سنبذل قصارى جهدنا لذكر طائفة كبيرة من تلك المفردات الكردية التي لا زالت تجري على ألسنة الأمة الكردية العظيمة مجرى الطعام و الشراب و الدم ..
Xwin:خُين، دم ، دماء 
چر : المشطر الممزق الهاتك المريق 
واشتقاقات هذا الجذر اللغوي كثيرة في الكردية منها :
Çirand:شقَّ، مزّق، فتق چِراند 
Çirandin:تمزيق، تشطير 
Çirandî:ممزق، مشقق، مهتوك
وخنجر من Xwinçir, خُينچِِر 
و تكتب بالكردية : xencer
وترجمتها الحرفية :مسيل الدم، أو محدث الدم مع ملاحظة أن كلمة çir,  چِر : هو الصوت الطبيعي الذي يحدثه الخنجر عند الطعن و التمرير على المادة المستهدفة ..
فهذه الكلمة مصاغة من كلمتين لهما معنى في الأصل ، و هذه خاصية متواترة في اللغة الكردية يراعى فيها تعريف ما يدل عليه الدال الجديد بواسطة تجاور كلمتين أو ثلاث ذات مقاطع صوتية لها تواضع مسبق على معانيها جرى عليها التعارف من قبل جمهور المتكلمين و هذا ما يحلو لي أن أسميه ( استحالةالخروج عن النسب ). 
وهذه من أوجه عبقرية هذه اللغة العظيمة
أما ما يطلقه العرب على هذه الآلة فلا أعلم 
غير كلمة (الشبرية) و أحسبهم اشتقوها
نسبة إلى طولها (شِبر ). و كثيراً ما ترددت هذه الكلمة في المسلسلات البدوية التي كانت تذاع و تبث في أيام الجمعة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…