غريب ملا زلال
فرهاد خليل ينظم حركة الإنتقالات في المساحات بتفهم، و هو يرمي سره بصمت حين يهمس لنفسه : الرجل صورة، المرأة صورة، المكان صورة، الفضاء صورة، الشكل صورة، الحب صورة، اللون صورة، الحزن صورة، الحرب صورة ….إلخ، يعلق كل شيء بالمشهد رغم قمعه له، يحمل كل ذلك بوسعها إلى مشهده البصري الذي ما إن استقبلت كل تلك الصور حتى ضجت بمحتوياتها، لم يخطىء بالقصد، بل أخضع كل ذلك لمختبراته قبل أن يريها النور محاولاً التدليل عليها علّها تظهر مفاتنها له، يعزل المحيط منكفياً على ذاته حتى يبدأ النزف الداخلي بالعزف، النزف الذي يعول عليه خليل كثيراً، و هو الوحيد القادر على المضي به نحو اللامألوف، و الوحيد القادر على إستخراج الحقيقة المألوفة إلى السطح دون أي تأطير،
فلا يوجد قرار و لا إجراء ميكانيكي للتحقق من القصد و محتواه، فهو يقوض مفاهيم القصد و المجاز لا لتقزيمها، بل لإطلاق اللجام للحالات الجلية أولاً، و المتخيلة ثانياً، و لهذا فهو لا يرسم أي خط فاصل بين عائلة مشهده، بل كل أفرادها تخرج من هامشها لتكون لها حضورها في المشهد، لتكون لها تعبيراتها في الوقت ذاته، و هذا كلام واع للإشارة إلى وعيه و إلى لا وعيه أيضاً، و تعابيرهما حين ينسلا من المسلة معاً، و يمكن مقاربتهما و قراءتهما بشكل يمنح الشعور بالسيادة و الهيمنة المعرفية له، و بالحماس و التعاطف لنا، فهذا الحس الدائري المشترك بين المنجز و الفنان و المتلقي حس مجازي و حقيقي في الوقت نفسه، و حس يقوم على التمييز بين الداخل و الخارج، بين الحقيقة و الظاهر، بين الحقيقة و الخيال، في إطار نسق فيه من التفاهم و التناقض بنسب ما، و هذه العلاقة حاسمة بمعنى ما لخليل دون إطلاق أية مزاعم، فهو يبذل قصارى جهده للنفاذ إلى جوهر البصيرة و يغور فيها بقدر كبير من إستخدام المجازات و أنواعها، مع العناية الفائقة بالهوامش، و التي ستكون مفاتيح لفك إيماءاته و كل ما هو مهم و ما هو غير مهم من مكملات فصوله، فلا مفر من تضمينها في تجربته و دفعها نحو إنتاجها في إتجاهين أو في بعدين، فهي من ناحية تزيح بطريقة ما شوائب الطريق، و من ناحية ثانية تدلل على كيفية توليد دلالاتها الواضحة، و كيف يمكنها أن تستقر في حضور مطلق بتوظيف غير محدود لظروفها و أغراضها .
فرهاد خليل يعمل بالضرورة من الداخل، و هذه حالة تسجل له، يستعير من مكوثه هناك ما يساهم جوهرياً في تنقية مشهديته، بعناصرها المجردة، فيباعد نفسه عن المحسوس، و يركز كل إهتماماته في اللحظة الأكثر شكلية أي في جهتها الصائتة، فهو في طيلة جلساته كان يحايث صوته كي يقتفي الأثر، و يطرح ما يمس حياة الناس لا على نحو مباشر، بل بإشارات تحمل مفاهيمه الذاتية، تكريساً لرؤية جديدة بها يختصر المسافة بين الفن و الحياة مما يؤدي إلى أن خليل يتحرر من الوسائل التقليدية و يتوجه مباشرة لإكتشاف نفسه و العالم، و هنا فهو يعبر عن ادراك جديد للعالم و عن مفهوم جديد للفن، و لبلوغ الهدف الذي رسمه لنفسه كان لا بد له من إعادة استجوابه للواقع و إدخاله في بناء اللوحة محافظاً في الوقت نفسه على قيمها التجريدية .
عملان اثنان هما ما أنجزه فرهاد خليل في ملتقى السليمانية، عملان بينهما تقاطع و تناغم كبيرين، بدءاً من المساحة التصويرية نفسها المعبرة عن مفاهيم فنية عامة تحدد منطلقاتها الأساسية أنماط التأليف و طرق بناء عناصر المشهد داخل المساحة المصورة، إلى مجمل العلاقات بين مفرداته من جهة، و بينها و بين أشيائه من جهة ثانية، و هذا التقاطع و هذا التناغم قد يشكلا هدفاً لعمليه الفنيين المنجزين، بعد أن أكسبهما دلالات جديدة أكثر شمولاً و أكثر اتساعاً دون أن نغض الطرف عن القيم الجمالية المتضمنة في الممارسة الفنية، و لا بد أن نشير بأن فرهاد يملك وعياً ثقافياً قوياً تساعده في لفت إنتباهه و توجيهه نحو أحداث مقلقة ذات طابع درامي تنتمي إلى المكان .
فرهاد خليل
من مواليد 1970 – الحسكة
له معارض مشتركة كثيرة نذكر منها :
2001 الحسكة – سورية
2002 بيروت – لبنان
2004 بيرن – سويسرا
2004 القامشلي
2007 الحسكة
2008 القامشلي
2015 ديار بكر
2017 الرقة
2018 أربيل
2019 أربيل