غريب ملا زلال
يوهمنا من البداية، بأن الطبيعة بكل ألوانها، و بكل ما تحمله من أحاسيس لم تنج من الخراب، نعم يقولها كاروان كابان و دون غلو و مبالغة بأن للطبيعة نصيبها من الإنكسار، فرغم أنها تنشغل بجمالها و فتنتها كثيراً، و تمنحها دون حساب لكل عاشق قادر أن يلامس كنوزها بحب و عشق، أقول رغم ذلك إلا أنها كائن حي لها أوجاعها و أفراحها أيضاً، لها ربيعها و خريفها، لها يأسها و أملها، لها روحها و قلبها، و بالتالي لها لذاتها و تضحياتها، فكابان يرتد من اللحظة الأولى إلى القلب، المكان الأجمل للآلهة و المرتبط بالروح و اهتماماته، و يشرع بسرد حكاياتها و دخولها المنشود إلى داخل النص / المشهد ضمن قائمة التوق أو الإشتياق القادر على إستعاب سمات أشكالها الفنية، و يوظفها كابان و يسايرها و كأنه يحاول أن يتخذ منها معبراً لإسترداد الجمال المسلوب، و لا تخذله ألوانه في إعادته لروحها حتى تتولى المشاهد ابتناه دلالاتها،
فهي ذاكرة ممعنة في التخفي لا يمكن التقاط صداها إلا بالنفاذ إلى ما تحجب منها، مع إلتقاط تلك الدلالات المحجبة التي ستعتصر في رحابها ما يدل على الحياة، و هنا يستدعينا الكلام بأن التعامل معها وفق طريقة تفي حاجاتها هي صميم حركتها بتكثيف محاولاتها في التشكيل و الصياغة، فكابان يتحلى بعالم له فضاءاته في الفراسة و الجدة، عالم له نبرة طافحة بشجن، و بالتأسي على الذات و على الطبيعة، و إن كان يتراءى من خلالها ما هو غير ذلك، فلا خيار له إلا بالتعبير الحامل بمتطلبات الالتزام، قد يكون ثمة إلحاح على الدعوة إلى الطبيعة التي تجاهد كي تكون، ثمة إلحاح مؤثر و فعال يجبره على الإندساس في تلاوين اللوحة حتى تتبين تلك اللحظات التي يمتثل فيها مشهده البصري و الذي لا يرفض هذا الإندساس و لا أية عملية إحتواء أخرى، فهو يمارس نوعاً من الإسترسال التحويري في تصريف أطروحاته، و الذي يحمل من السجال الكثير كشاهد على المضي في إتجاه يتجلى فيه الإرتباك حيناً، أو الدفع إلى رحاب الذرى في حين آخر، فهو على إستعداد تام في حفظ الأمانة التي تأخذ في التشكل الفعلي و هو يحاصر مشهده من خارجه قبل داخله، فكلما اقترب من لحظة التحول تلك كلما بدأت ملامح أوهامه و آماله تبرز بين طياتها، كلما بدأت بالتسرب نحو الجوهر الحقيقي للنهوض به .
نصيب كاروان كابان من هذا الملتقى كان عملاً وحيداً، عملاً عكس ذائقته الخاصة و ما يناسبها من مظاهر التذوق الجمالي، فهو يفضل الإيقاعات المنتظمة تركيباً فهي أكثر أثراً، و الناظمة محتوى و معنى فهي أكثر مساهمة في عمليات التخصيب و في تعميق الفهم لكل الحالات التي تشبع الدهشة مهما كانت مثيرة، فهو يقوم بإسكتشافات تثير الفضول المعرفي الخاص من خلال حركة اللقطة و توازنها مع باقي العناصر، فلا ينبغي أن تتم في إتجاه واحد حتى يشعر المتلقي بأنه جزء من المشهد و فعال فيه، و هذا ما يجعله يتابع عمليات اقترابهما من بعضهما البعض، إن كان من إستخلاص المعنى، أومن خلال محكات ترتبط بإحتمالية التخلي أو الإرتباط، فإهتمامه بهذا التداخل الذي يقوم أصلاً على تداخل الأزمنة يجعل من تكويناته أن تحمل جماليات جديدة لها تأثيرها في السلوك الإنساني، دون أن يسقط من حسابه الزمن الماضي و ما فيه من خطوط عامة رسمت إتجاهاته بنبرة الدفاع عن كينونته، أقول هذا الإهتمام من كابان على تداخل الأزمنة هي إطلالة بانورامية تحتمي بالصمت من أبعاد مجموعة قضايا قد تحتاج لروح العصر حتى يتم فهمها، محققاً ماهيته بإعتباره خطاباً جمالياً، فلا خيار أمام كاروان غير الإنشغال بقضايا إنسانية و إن عن طريقة ملامسته للطبيعة و ثم الغور بين مفاتن أدغالها، و هذا التصور يمثل له لحظة من لحظات عودة رؤيته البيانية التي ابتناها في رحلة بحثه كفعل ملاحقة للحس المتخيل متحكماً بموقفه من الفن و بقدرته على إستمداد سلطته على الفعل في المتلقي و حفزه و إثارته .
كاروان كابان:
– عضو عامل في نقابة فناني كردستان
موظف في مدیریة الفنون التشكیلیة بمدینة السلیمانیة
– اقام عشرة معارض شخصیة
– شارك في اكثر من 150معرضا مشتركا