قراءة في الأعمال المنجزة في سيمبوزيوم السليمانية الثالث في كردستان العراق.. كاروان كابان يحاول إسترداد الجمال المسلوب (15)

غريب ملا زلال 
يوهمنا من البداية، بأن الطبيعة بكل ألوانها، و بكل ما تحمله من أحاسيس لم تنج من الخراب، نعم يقولها كاروان كابان و دون غلو و مبالغة بأن للطبيعة نصيبها من الإنكسار، فرغم أنها تنشغل بجمالها و فتنتها كثيراً، و تمنحها دون حساب لكل عاشق قادر أن يلامس كنوزها بحب و عشق، أقول رغم ذلك إلا أنها كائن حي لها أوجاعها و أفراحها أيضاً، لها ربيعها و خريفها، لها يأسها و أملها، لها روحها و قلبها، و بالتالي لها لذاتها و تضحياتها، فكابان يرتد من اللحظة الأولى إلى القلب، المكان الأجمل للآلهة و المرتبط بالروح و اهتماماته، و يشرع بسرد حكاياتها و دخولها المنشود إلى داخل النص / المشهد ضمن قائمة التوق أو الإشتياق القادر على إستعاب سمات أشكالها الفنية، و يوظفها كابان و يسايرها و كأنه يحاول أن يتخذ منها معبراً لإسترداد الجمال المسلوب، و لا تخذله ألوانه في إعادته لروحها حتى تتولى المشاهد ابتناه دلالاتها، 
فهي ذاكرة ممعنة في التخفي لا يمكن التقاط صداها إلا بالنفاذ إلى ما تحجب منها، مع إلتقاط تلك الدلالات المحجبة التي ستعتصر في رحابها ما يدل على الحياة، و هنا يستدعينا الكلام بأن التعامل معها وفق طريقة تفي حاجاتها هي صميم حركتها بتكثيف محاولاتها في التشكيل و الصياغة، فكابان يتحلى بعالم له فضاءاته في الفراسة و الجدة، عالم له نبرة طافحة بشجن، و بالتأسي على الذات و على الطبيعة، و إن كان يتراءى من خلالها ما هو غير ذلك، فلا خيار له إلا بالتعبير الحامل بمتطلبات الالتزام، قد يكون ثمة إلحاح على الدعوة إلى الطبيعة التي تجاهد كي تكون، ثمة إلحاح مؤثر و فعال يجبره على الإندساس في تلاوين اللوحة حتى تتبين تلك اللحظات التي يمتثل فيها مشهده البصري و الذي لا يرفض هذا الإندساس و لا أية عملية إحتواء أخرى، فهو يمارس نوعاً من الإسترسال التحويري في تصريف أطروحاته، و الذي يحمل من السجال الكثير كشاهد على المضي في إتجاه يتجلى فيه الإرتباك حيناً، أو الدفع إلى رحاب الذرى في حين آخر، فهو على إستعداد تام في حفظ الأمانة التي تأخذ في التشكل الفعلي و هو يحاصر مشهده من خارجه قبل داخله، فكلما اقترب من لحظة التحول تلك كلما بدأت ملامح أوهامه و آماله تبرز بين طياتها، كلما بدأت بالتسرب نحو الجوهر الحقيقي للنهوض به . 
نصيب كاروان كابان من هذا الملتقى كان عملاً وحيداً، عملاً عكس ذائقته الخاصة و ما يناسبها من مظاهر التذوق الجمالي، فهو يفضل الإيقاعات المنتظمة تركيباً فهي أكثر أثراً، و الناظمة محتوى و معنى فهي أكثر مساهمة في عمليات التخصيب و في تعميق الفهم لكل الحالات التي تشبع الدهشة مهما كانت مثيرة، فهو يقوم بإسكتشافات تثير الفضول المعرفي الخاص من خلال حركة اللقطة و توازنها مع باقي العناصر، فلا ينبغي أن تتم في إتجاه واحد حتى يشعر المتلقي بأنه جزء من المشهد و فعال فيه، و هذا ما يجعله يتابع عمليات اقترابهما من بعضهما البعض، إن كان من إستخلاص المعنى، أومن خلال محكات ترتبط بإحتمالية التخلي أو الإرتباط، فإهتمامه بهذا التداخل الذي يقوم أصلاً على تداخل الأزمنة يجعل من تكويناته أن تحمل جماليات جديدة لها تأثيرها في السلوك الإنساني، دون أن يسقط من حسابه الزمن الماضي و ما فيه من خطوط عامة رسمت إتجاهاته بنبرة الدفاع عن كينونته، أقول هذا الإهتمام من كابان على تداخل الأزمنة هي إطلالة بانورامية تحتمي بالصمت من أبعاد مجموعة قضايا قد تحتاج لروح العصر حتى يتم فهمها، محققاً ماهيته بإعتباره خطاباً جمالياً، فلا خيار أمام كاروان غير الإنشغال بقضايا إنسانية و إن عن طريقة ملامسته للطبيعة و ثم الغور بين مفاتن أدغالها، و هذا التصور يمثل له لحظة من لحظات عودة رؤيته البيانية التي ابتناها في رحلة بحثه كفعل ملاحقة للحس المتخيل متحكماً بموقفه من الفن و بقدرته على إستمداد سلطته على الفعل في المتلقي و حفزه و إثارته .
كاروان  كابان:
– عضو عامل في نقابة فناني كردستان
موظف في مدیریة الفنون التشكیلیة بمدینة السلیمانیة
– اقام عشرة معارض شخصیة 
– شارك في اكثر من 150معرضا مشتركا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…