قراءة في الأعمال المنجزة في سيمبوزيوم السليمانية الثالث في كردستان العراق محمود حسو لا يؤرق عمله بل يجعله يلهب خياله و خيال متلقيه (18)

غريب ملا زلال 
 
سبق قلت و في أكثر من مكان بأن محمود حسو من الأسماء المهمة التي يتم تداولها في الحركة التشكيلية السورية، بثيمات تخصه، و بها يمضي إلى حلمه الممتلىء بكل وجوده، فلا يقينات مطلقة في طريقه، أطاح بها جميعاً و هو يقيم بناءه الشاهق، يكشف مكامن الجمال بهدوء، الجمال الذي ينبغي أن يكون، فهو دائماً يعوم بين ألوانه بنفس مولوي لا يحمل الخطيئة، بل يتملكه فضول معرفي جمالي للقيام بمقاربات خاصة بين تلك الخصائص التي ترتبط ببنية العمل الفني أو شكله، و ما تحويه تلك البنية من تأثيرات متميزة تمارسها على المتلقي، فهو يهتم بتلك الخصائص على نحو ما يوصله إلى التعبير عن الحركة الإيهامية، فالجدة و الدهشة و التركيب و الغموض …إلخ ما هي إلا إنبعاث لحركات الروح و هي ترتقي من رحم اللحظة حين يشار إليها إلى ما يعابث اللون دون أن يكتفي بنقله من الواقع الذي يستل الخيالي منه إلى مكونات بانية لجسد يطفح بالمتخفي من الصور التي نهفو إليها، 
فحسو يتخذ من التكثيف الدلالي و ما يستدعيه رؤية بها يختزل تلك التجليات التي ستخبرنا عن كل لحظة من لحظاتها و هي تردد صدى لظاهرة يجاهد حسو أن تبقى، فبنية نصه / عمله يأبى أن يغير من ملامحه، و يكف عن ذلك تماماً، تلك الملامح التي باتت تشكل طاقة سرية لكل من العمل و الفنان معاً، تلك الملامح التي باتت كالوشم مترسبة في روح اللوحة و جسدها حتى باتت كجواز سفرها و هي تشق دروب الوسط، و غاليرياته، فحسو و بتعبير مجازي لا يؤرق عمله، بل يجعله يلهب خياله و خيال المتلقي، و يملأ على كل منهما حكايته التي سينشغلا بسرد تفاصيلها على إمتداد المساحات و ما تتركه من وقع في عينه و عين المتلقي، و على الرغم من أنه يقتصد في ألوانه، و يقتصر على القليل منها إلا أنه يهتم و بذكاء بالتفاعل اللوني، و نتلمس ذلك بمزيد من الوضوح و هذه تسجل له و تصنف ضمن اهتماماته الخاصة . 
محمود حسو خرج من هذا السيمبوزيوم بعملين، لا تعارض بينهما، بل ترتبطان بما ينشطه هو لمجموعة من الوحدات المعرفية و الجمالية فيهما، و التي ستولد نوعاً من المتعة الجمالية على شكل مثيرات تحمل أكثر من معنى بإيقاعات قوية و منتظمة في ذاتها، و خلال متابعتنا له و هو غارق في تأملاته و كأنه في حالة ملحوظة الهدوء، كأنه ينصت إلى موسيقا لا يسمعها غيره، و يعيد نغماتها على فضاءاته، فهو يهتم بالداخل على نحو كبير، لا يهتم بالخارج إلا ما سيكون مرآة للداخل، نعم حسو يبدأ بالإنتاج من الداخل، و في تلك اللحظات الأولى حين يبدأ بزراعة بذوره اللونية لا يتأرجح، بل يتقمصها و كأنه يردد مع شمس الدين التبريزي ( 1185-1248) و بتساؤل : ” كيف للبذرة أن تصدق أن هناك شجرة مخبأة داخلها .. ما تبحث عنه موجود بداخلك ” نعم حسو يصدق ذلك و يفعلها، فهو يدرك بأن الإحساس بهذه الحالة و الوصول إليها تحتاج إلى مسافات من التأمل و التقريب بينها، إلى إيجاد عناصر إيقاعية و التآلف بينها، فهي حالة ليست سهلة المنال، و حسو مرابط بينها بهدوء من الخارج، و بنشاط من الداخل، بطاقة حياتية كبيرة و كأنه في حالة من الإستمتاع الذاتي المتجسد في موضوع جمالي، و هذا يجعله يزيد من إهتماماته بالداخل و بأن بذوره لا بد أن تثمر و تخرج إلى السطح، فهي ثمار بعثت على ريشة فنان يدرك قدراته على رعايتها لتكون في أبهى أشكالها و بأطيب عبقها، و بألذ مذاقها .
محمود حسو يستوعب لغته، و يعمل على تجاوزها، يدعها تؤدي عملها و إن بعلامات غامضة حيناً، و لكنها منظومة في شكل فني جمالي تشمل بيانات بحثه، لا يبعدها عنه و إن صام دهراً فهي تحوم حوله لا بد تحضر، إن كانت في رسم خطوط أفقية متموجة، أو في تسهيل مهمته و هو غارق في تكويناته علّه يمارس الإرتباط بينها، فهو و على مدى عقود يشتغل عليها لتكون هويته، و الناطق ببصمته، لهذا يبعدها عن الإستعراضات دون أن قمع أو إضطهاد، كل منهما ( هو و لغته ) يرد على نفسه بنفسه ليقتربا معاً من عوالم تخصهما، عوالم متفقة على ما هو متصالح مع ذاته .

محمود حسو :
مواليد الحسكة 
مقيم في السويد 
فنان متفرغ 
1997 بكالوريوس من كلية الفنون الجميلة – جامعة دمشق بدرجة إمتياز .
عضو جمعية الفنون التشكيلية السورية .
عضو نقابة الصحفيين السوريين .
عضو جمعية الإمارات للفنون التشكيلية .
2000 دعوة من جمعية الفنون العمانية لتدريس دورات لمجموعات من أعضائها الشباب حول تقنيات التركيب الرسم الزيتي .
حصل على الجائزة الأولى في جريدة نصال الشعب للفنان الشاب .
2000 جمعية الإمارات للفنون التشكيلية و حصل على الجائزة الأولى في معرض البورتريه السنوي .
2002 على جائزة في بينالي طهران الدولي للفن المعاصر .
1998-2000 مدرس فنون في معهد الشارقة للفنون .
2003-2005 مدير رواق الشارقة للفنون .
2004 مدرس فنون في جامعة الشارقة .
2018-2019 مدرس فنون في معهد فاد فيكينغ ستاد – السويد 
أعماله موجودة لدى مجموعات خاصة، و لدى مجموعة متاحف و غاليريات حول العالم

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…