مقابلة مع: بهمن قبادي مخرج فيلم (السّلاحف تستطيع الطيران)

أجرى المقابلة: مَمَدْ حقيقت

وُلِدَ بهمن قبادي عام 1969 في مدينة “بانه” في كردستان إيران. عمل لصالح محطة راديو عندما كان طالباً، ثم ذهب إلى سنَنْدَجْ ليلتحق بمجموعة هاوية من المخرجين السينمائيين، الذين أعانوه في إخراج أفلامه القصيرة الأولى. وانتقل فيما بعد إلى طهران لمتابعة الدراسة السينمائية في الجامعة، ولكنه ترك الدراسة الأكاديمية قبل التخرج.
أخرج عشرة أفلام قصيرة بين عامي 1995 – 1999، والتي فازت بالعديد من الجوائز الوطنية والدولية في عدة مهرجانات. ومن بين الجوائز كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كليمون فيرّاند Clemont-Ferrand عن فيلمه “الحياة في الضباب” “Life In The Fog”. وفي عام 1999، أصبح المساعد الأول للمخرج عباس كياروستامي في إخراج فيلم “سيحملنا الريح”   
 “”Wind Will Carry Us. أجرى المقابلة معه “ممد حقيقت” -كاتب السيناريو الإيراني، ومؤلف تاريخ السينما الإيرانية.

ممد حقيقت
: في فيلمك “زمن للخيول السَّكرى” Time for Drunken Horses، ركّزت على الأولاد الفقراء. وفي فيلمك الثاني “أغاني وطني الأمّ” Songs of My Motherland))، تعاملت مع عالم البالغين، وفي فيلمك الجديد “السّلاحف تستطيع الطيران” (Turtles Can Fly) ، كان الأولاد مرة أخرى في قلب القصة، ما الذي جعلك تتحدث عنهم مرة أخرى؟

بهمن قبادي
: في الحقيقة لم أخطّط أن أفعل شيئاً من هذا القبيل. بل أردت أن أصنع فيلماً مدينياً عن ماضيي، ولكن عندما ذهبت إلى بغداد بعد أسبوعين من الحرب العراقية الأمريكية لإطلاق فيلمي “أغاني وطني الأمّ”، شاهدت بما يكفي من مشاهد الرعب التي يعيشها الناس هناك، وبشكل خاص الأولاد، الذين كانوا الضحايا الأولى كما في جميع الحروب، ومع ذلك لا يلتفت إليهم أحد! لقد استحوذت عليّ قضية أحد الأولاد العاجزين. حينئذٍ أردت أن أصنع فيلماً ضد الحرب. لذا عدت إلى هناك وعشت مع الأولاد لأتعرف عليهم عن قرب. بعدئذٍ حاولت أن أعيد بناء الظروف التي عاشوها.

ممد حقيقت: “كاك ساتلايت”  
Kak satellite، كان أحد الأولاد الذين بقوا على قيد الحياة في البداية، ولكن سرعان ما بدأ يزداد طغياناً إلى حدٍّ لا يطاق، هل يمكنك أن تحدثنا المزيد عنه؟

بهمن قبادي:
“كاك ساتلايت” يستطيع أن يعشق، ويستطيع أن يعمل بنبلٍ وسخاء، كما أنه مدرِك ومتبصِّر لمشاعر الناس على خلاف الديكتاتوريين الذين ليسوا سوى مسوخٍ بشريّةٍ إذا ما قارناهم به.

ممد حقيقت: في فيلمك يعمل الأولاد في حقل الألغام، يخرجونها من تحت الأرض ويبيعونها. منذ متى أُلغمت كردستان؟ ولماذا أُلغِمت؟ ومن الذي ألغمها؟

بهمن قبادي:
أنا شخصياً لا أعرف منذ متى، ولكن والدتي وجدتي أخبرتاني عن تاريخ الألغام المضادة للأشخاص، وعن المصابين بها. منذ أن وجدت كردستان فهي تتصدر قائمة البلدان من حيث الصعوبات والشدائد. صنّاع الأسلحة الأوروبيون يبيعون أسلحتهم للدكتاتوريين من أمثال صدام حسين، والأخير قام بزرعها في كردستان حتى غدت وكأنها مستنقع للألغام. ولا بدّ أن إزالتها ستستغرق وقتاً طويلاً حتى يتم تنظيف كردستان من ذاك المستنقع. لقد غدا قتل الأبرياء أو إصابتهم بعاهات دائمة مشهداً يتكرر كل يوم أو حتى كل ساعة. وهناك أُسَرٌ أطلقت اسم “اللغم” على أطفالها المولودين حديثاً!!

ممد حقيقت: في الفيلم، يحاول كلّ شخصٍ أن يعرف أخبار الحرب المعرقلة عن طريق الصحن “الديش”، فمن جهة لا يفهمون اللغة، ومن جهة أخرى لا يصدّقون الصور التي تبثّها وسائل الإعلام، ولكن الذي ينقل إليهم الأخبار الصحيحة ويتنبأ بالمستقبل هو شخص عاجز.

بهمن قبادي:
إن شبكات التلفزة يمتلكها مجموعات لها مصالحها، وتنظر تلك المجموعات إلى الناس في أرجاء المعمورة على أنهم دمى وليسوا بشراً. نحن جزء كبير من لعبة حروبهم وقنواتهم التفلزيونية. يفرضون حروبهم القذرة علينا حتى يزدادوا غنىً…اليوم وبسبب الموقف في منطقتنا ونتائجه الأليمة والرهيبة على بقية العالم، أشكّ بكلّ المعلومات التي تبثّها وسائل الإعلام المرئية، بل وحتى المكتوبة منها.  

ممد حقيقت: إذا ما ذكرنا أفلام يلماز غوني، وأفلام غيره من السينمائيين في الإقليم، هل يمكننا اليوم التحدّث عن سينما كردية، بملامح كردية خاصة؟

بهمن قبادي:
اعتقد أنه من المبكّر الحديث عن السينما الكردية. ولكن عندما يتواجد في كل مدينة كردية اثنين أو ثلاثة دور للسينما، ومختبرات وما شابه، عندئذٍ سيكون بمقدورنا الحديث عن السينما الكردية. ولكن اليوم لا يوجد دور للسينما، وإن وجدت إحداها بالمصادفة، فإنه لا يوجد جمهور، لأن الناس لا يملكون النقود. ينفقون نقودهم على لقمة عيشهم، وإن زاد شيء منها يشترون بها الأسلحة!!

ممد حقيقت
: لقد اشتغلت كمساعد للمخرج عباس كياروستامي، ولكنك لا تتبع أسلوبه كما يفعل عادة بقية مساعديه.

بهمن قبادي:
أريد أن أصنع فيلماً على طريقتي الخاصة. إنني ملهَم بثقافة وطني. هذا شيء نابع من الداخل. أتعاطف كثيراً مع المعاناة والألم. أصنع الأفلام لأنني أريد أن أشارك أبناء شعبي في معاناتهم. أشعر بالقوة والطاقة عندما أقف إلى جانبهم.

ممد حقيقت
: في معظم الأفلام الإيرانية الناجحة على الصعيد العالمي، يستخدم المخرجون ممثلين غير محترفين، وأنت تفعل الشيء نفسه، لماذا ذلك؟

بهمن قبادي:
في كردستان لا يوجد ممثلون محترفون، لأن السينما هو فن جديد في كردستان. ولكن حتى لو لم استخدم ممثلين محترفين فإنني أعمل معهم كما لو أنهم ممثلون محترفون، أوجّههم حتى يتمكنوا من أداء أدوارهم.

ممد حقيقت: في الفيلم، تسرد القصة من وجهة نظر شخصيتين: الفتاة الانتحارية الشابة وكاك ساتلايت. هل كانت هذه الثنائية موجودة في النص مسبقاً، أم أنك فكرت بها أثناء تحرير الفيلم؟

بهمن قبادي:
كانت الثنائية موجودة في النص مسبقاً. حاولت أن أعمل نوعاً من الكولاج حتى لا أبدو مثل بقية السينمائيين الإيرانيين. أردت من “كاك ساتلايت” أن يقوم بدور القوة المحرِّكة في ضم الأجزاء المختلفة من القصة إلى بعضها البعض، حتى تبدو القصة متماسكة في نظر الجمهور. وفي الوقت نفسه، أردت أن أسرد قصة الفتاة الشابة، حبيسة ماضيها المؤلم، وقصة أخوها الذي بإمكانه التنبؤ بالمستقبل. وحالما ينتهي الفيلم، يدرك المرء أن الماضي كان مرّاً، والحاضر مرٌّ، لذا يجب ألاّ ينظر المرء إلى أحدٍ سوى نفسه من أجل المستقبل. إن القوى الأجنبية القوية لا تنوي أن تخلق جنّة لنا. وبقدر ما يتعلق الأمر بتلك القوى فإنها تريد أن تستغلنا حتى تحصل على الأمكنة الرائعة التي تناشدها.
 
ممد حقيقت: في جميع أفلامك، تروي القصص المتعلقة بحياة القرويين والريفيين. ألست مهتماً بنمط الحياة في المدينة؟

بهمن قبادي:
لا تجذبني نمط الحياة في المدينة أبداً لأنها معقّدة جداً! لقد قضيت هذا العام حوالي سبعة أشهر في منطقة ريفية نائية في كردستان، كنت استمع خلالها إلى الموسيقى،  وآخذ الصور، أو أصنع الأفلام.

 

المخرج الكردي بهمن قبادي يستلم الجائزة الذهبية لمهرجان سان سيباستيان السينمائي في أسبانيا لعام- 2004 عن فيلمه
 “السّلاحف تستطيع الطيران”

ممد حقيقت: إن فيلم “السّلاحف تستطيع الطيران” هو الفيلم الأول الذي تم تصويره في العراق بعد انهيار نظام صدام، وقد تم تمويله بشكل جيد. كيف حصلت على التمويل؟ وهل عُرض الفيلم أولاً في العراق؟

بهمن قبادي: لقد قمت بتمويل الفيلم بنفسي، ولكنني قرضت بعض المال أيضاً. لقد عانيت كثيراً من ناحية التمويل عند العمل في أفلامي السابقة. وآمل أن أتخلص من هذه المشكلة قريباً حتى أكون قادراً على صنع أفلامٍ طموحة أكثر. أمّا فيما يتعلق بإطلاق الفيلم في العراق فمن المتوقع أن يُعرض في أيلول أو تشرين الأول  بمساعدة أصدقائي.

ممد حقيقت: وماذا عن فيلمك القادم؟


بهمن قبادي:
لديّ نصّ جاهز. تجري وقائع الفيلم في مدينة زاخرة بالأحداث الخطيرة وفي جوٍّ من الواقعيّة السّحرية. 

 ترجمة: عمر رسول
  عن:  Spirituality and Practice

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…