كتاب (منطقة آشيتا) بين يدي القراء

يحاول الكاتب علي شمدين في هذه الدراسة التي عنونها بعنوان (منطقة آشيتا/ دراسة: اجتماعية، ثقافية، سياسية)، البحث في الوجود الكردي في منطقة آشيتا، وأخذه نموذجاً للوجود الكردي في عموم المناطق الكردية في البلاد، ويعتبر هذا الكتاب بمثابة رد موثق بالأدلة والإثباتات على تلك الاوساط الشوفينية التي تقزم هذا الوجود وتختصره في مجرد قضية مهاجرين جاؤوا إلى سوريا إثر انهيار ثورة شيخ سعيد بيران عام (١٩٢٥)، من أمثال محمد جمال باروت وغيره من الذين يعيدون انتاج فكر محمد طلب هلال الذي يقول بأن الوجود الكردي هو مجرد ورم سرطاني في جسد الأمة العربية، ولا بدّ من الإسراع في بتره قبل أن يستفحل، وهؤلاء الشوفينيون يبررون تلك السياسات على أنها خطوات احترازية لإزالة هذا الخطر.
ولذلك يركز الكتاب على (منطقة آشيتا)، وهي المنطقة التي تمتد من الغرب إلى الشرق بين القامشلي وتربسبيي، ومن الشمال إلى الجنوب بين الحدود مع تركيا إلى حدود تل حميس، وتضم العشرات من القرى الكردية التاريخية القديمة والتي يسكنها منذ مئات السنين العديد من العشائر الكردية الأصيلة وتتقاسم ملكيتها، ويؤكد الكاتب بالوثائق والمراجع والشهادات الحية والأدلة الموجودة على رأض الواقع، ويثبت بأن الكرد لم يكونوا مهاجرين مع انتهاء الحرب العالمية ولم يكونوا مهاجرين بسبب انهيار الثورات الكردية، وإنما هم سكان المنطقة الأصليين، وقد ألحقت مناطقهم بحدود سورية الحديثة التي تم رسمها إثر اتفاقية سايكس بيكو. 
يضم الكتاب بين دفتيه (٣٣٣) صفحة من القطع الكبير، وهو من منشورات الأكادمية الكردية في هولير، ولوحة الغلاف رسمها الفنان الكردي المعروف كاميران شمدين، ويتوزع الكتاب على خمسة فصول، وهي: (الوجود الكردي في منطقة آشيتا، المراكز الدينية والشخصيات التاريخية، الوعي القومي في منطقة آشيتا، ملاحق متعلقة بمنطقة آشيتا، الخاتمة والمصادر والمراجع)، فضلاً عن الإهداء والمقدمة والخاتمة ومجموعة من الصور والوثائق المتعلقة بالبحث، والبحث يتناول معالم الوجود الكردي في هذه المنطقة ويدحض من خلالها إدعاءات الشوفينيين الذين يقولون بأن هذا الوجود هو طارئ وناتج عن موجة الهجرات المتتالية التي كانت تسعى إلى تشكيل اسرائيل ثانية حسب زعمهم.
لقد حاول الكاتب خلال هذه الدراسة، أن يقدم الإجابات المنطقية حول الوجود الكردي في سوريا عموماً، وذلك من خلال محاولة إثبات هذا الوجود في منطقة آشيتا ودراستها من (الناحية الاجتماعية والثقافية والسياسية)، والبحث في تاريخها وديموغرافيتها، بعيداً عن المبالغة والمزاودة التي تضر بهذا الوجود قبل أن تضر بالذين يسعون إلى إنكاره والشطب عليه، هذا الوجود الذي بات خلال الأزمة السورية الأخيرة معرضاً للخطر أكثر من ذي قبل، مثلما اصبحت المناطق الكردية هي الأخرى ميداناً ساخناً لتصفية الحسابات بين كل الذين لا يريدون الخير لسكانها الكرد وقضيتهم القومية، وتسعى هذه الدراسة إلى طرح قضية الوجود الكردي في سوريا بشكلها الصحيح، وتوثيق ملامحها وهويتها كما هي لا كما يريده الشوفينيون العرب من جهة، والمزاودون الكرد من جهة اخرى.
ختاماً، يأمل الكاتب في مقدمته للكتاب أن تكون هذه المبادرة قد جاءت في الاتجاه الصحيح الذي يهدف إلى توثيق الملامح القومية للوجود الكردي في منطقة آشيتا، بشكل واقعي بعيداً عن المبالغة والمغالاة، حيث حاول أن يثبت بالأدلة والحقائق الميدانية حقيقة هذا الوجود في هذه المنطقة التي تشكل انموذجاً مصغراً للمناطق الكردية الأخرى في سوريا.
ومن الجدير بالذكر، أن الكاتب (علي محمد صالح شمدين)، هو عضو عامل في نقابة صحفيي كردستان العراق منذ عام (2007)، وقد أصدر أربعة عشر عملاً بين التأليف والترجمة، نذكر منها:
1- إمارة عبدال خان البدليسي/ ترجمة عن الكردية السورانية للعربية/ ط1 (2010) والثانية (2012) / بمدينة السليمانية.
2- أضواء على الحركة الكردية في سوريا/ ترجمة عن العربية إلى الكردية الكرمانجية/ الطبعة الأولى (2012)/ بمدينة استنبول.
3- ثورة الشيخ سعيد بيران من منظور عائلته/ ترجمة عن الكردية السورانية إلى العربية/ الطبعة الأولى (2013)/ بالسليمانية.
4- الإعلام والرأي العام الكردي في سوريا/ تأليف باللغة العربية/ ط1 (السليمانية/ 2014).
5- (فلتتوقف هذه الحرب)، تأليف مشترك مع عبد الحميد درويش/ ط1 بالسليمانية (2015). 
6- الحركة الكردية في سوريا وظاهرة الانشقاقات/ تأليف باللغة العربية/ الطبعة الأولى (2016)/ بمدينة السليمانية. 
7- نفوذ الهلال الشيعي في الشرق الأوسط/ ترجمة عن الكردية السورانية إلى العربية/ الطبعة الأولى (2017) بمدينة السليمانية.
8- الحركة الكردية في سوريا وظاهرة الانشقاقات/ ترجمها كلٌ من (شاناز رمزي هيراني وآران علي) من العربية إلى الكردية اللهجة السورانية/ الطبعة الأولى (2018)/ بمدينة السليمانية.
9- صفحات من سيرة عبد الرحمن ذبيحي، إعداد وتأليف باللغة العربية، الطبعة الأولى في مدينة السليمانية (أوائل 2019).
10- ترجمة كتاب (الحركة الكردية في سوريا والانشاقات)، الطبعة الأولى صدرت في ألمانيا باللغة الكردية/ اللهجة الكرمانجية، أواخر (2019).
11- كتاب (عبد الحميد درويش.. القابض على جمرة من النار)، إعداد وتأليف، الطبعة الأولى في مدينة السليمانية (أواخر2019).
12- كتاب (أوربية في بلاد الكرد)، ترجمة عن الكردية السورانية إلى العربية/ صدرت الطبعة الأولى عن دار الزمان (أوائل 2021).
13- قلاع أسقطتها هتافات الجماهير (مقالات وآراء)/ تأليف باللغة العربية/ جاهز للطبع.
14- منطقة آشيتا، تأليف باللغة العربية، من منشورات الأكاديمية الكردية بإربيل 2021.
———-
هيئة تحرير (الديمقراطي)
القامشلي 9/11/2021

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…