الرسالة الثامنة والستون الجمعة:12/11/2021

فراس حج محمد/ فلسطين

أسعدت أوقاتاً، وأتمنى أن تكوني بخير، كم أتمنى لو أراك وأنت تقودين دراجتك الهوائية، تخيلي لو أنني معك الآن وأتابع تلك الرحلة معك، أكتب لك الآن وأنت تمارسين هذه الرياضة التي لها آثار نفسية إيجابية، فهي جزء من علاج نفسي وتشعر المرء بالارتياح والهدوء والسكينة وهو يسير تدغدغه نسمات الهواء وعلى جانبيه المناظر الخلابة. إن بلادنا جميلة كما قلت، بل أجمل مما نتخيل. إننا لا نعرف بلادنا بالقدر الكافي. كان كلامك عن البلاد في غاية الواقعية والجمال والحب. أحببت ذلك كثيرا، وكم شعرت أنك تشبهين طينتها السمراء الخصبة المختزنة بالجمال والنشوة والحياة.
أعاد حديثك عن ركوبك الدراجة الهوائية في “سيران جماعي” الحنين إلى يفاعتي، حيث كنت بارعاً في قيادة دراجتي الهوائية التي ركبت قِطَعها واحدة واحدة، فاكتسبت مهارة تصليح الدراجات أيضاً. كنت في تلك الفترة من حياتي أكثر نشاطاً، وأكثر قوة، كنت أستطيع أن أصعد الطرقات الجبلية وأنا أقود الدراجة، لقد ساعدتني دراجتي الهوائية على أن أمرن عضلات رجلي اليسرى، وأن أتجاوز ما بها من ضعف بحكم الإعاقة في الأطراف اليسرى.
أحدثك عن ذلك الوقت الذي كنت فيه طالبا في المرحلة الإعدادية، كنت بلا أصدقاءـ كانت دراجتي هي صديقتي، كنت أقودها في حارتناـ السيارات كانت قليلة في القرى، والبيوت كانت قليلة، الشارع مسفلت واسع نظيف مفتوح، والوقت بعد العصر، كنت دائما أغني الألحان الشعبية وأنا أقود الدراجة، كانت المعاني والأبيات تنثال عليّ انثيالاً. كنت أرغب أن أصبح زجالاً شعبياً. لكن لا أدري من أو ما الذي قتل عندي هذه الموهبة. لعلّها تحولت وتشكلت على ما أنا عليه الآن. إلى الآن عندي حنين وحب جارف لأغانينا الشعبية: العتابا والميجانا والمربّع والمقسوم والشروقي.
أعدك أن أقود وإياك الدراجة الهوائية إن جئت إليّ زائرة، حارتنا ما زالت مفتوحة الطريق ممتدة والشارع أوسع من الشارع أيام الطفولة قبل أكثر من ثلاثين عاماً، زادت السيارات بلا شك، وكذلك البيوت، لكنّ أهلها ليسوا فضوليين، ولن يقفوا وراء شبابيكهم ليراقبونا. إنهم أفضل من أن يفعلوها. لن يلتقطوا لنا الصور والفيديوهات ولن يشهروا فينا على الفيسبوك وعلى التيك توك. أعدك أن لا شيء من ذلك سيحدث. إن أهل قريتي أناس رائعون بالفعل. وخاصة أهل الحارة التي أسكن فيها.
أتمنى لك السلامة في رحلة اليوم أيتها المبروكة الشيخة، فبركاتك ستحل على الفريق، وأرجو أن تحلّ عليّ أيضاً فتزوديني ببعض الصور. أراك شهية مجنونة كفراشة وأنت تطوين الطريق مترا بعد متر. 
هل يا ترى ستحادثينني بعد عودتك وقبل أن تغتسلي؟ أرجو أن تخبريني عن هذه الرحلة، وعن انطباعاتك فيها، وعما حدث فيها من مواقف طريفة، لا بد من أن هناك الكثير من المواقف التي تحدث للإنسان رغما عنه أحياناً. 
أرجو لك رحلة ممتعة، وبانتظارك أيتها النشيطة الحلوة، فبركاتي- كوني شيخاً سابقاً- ستحل عليك أيضاً، وليس كتلك البركات التي يريدها بعضهم، وتحمل معنى أيروسيا كما قلت. لن تصابي بأي مكروه، فلتحرسك العناية الإلهية، وليحفظك الله من كل ما يسوءك.
حبيبتي الرائعة، أرجو ألّا توصيلني البحر وأعود منه عطشاً كما أومئت لي بتعاملك مع الآخرين، فأنا لست كأحدهم. فثمة شوق في الحنايا لا بد من أن يطفأ في مرجل الحب والوصال واحتدام الشهوة واضطرامها في لحظة صوفيّة، لا أرجو لها أن تموت، أو أن تظل محل احتمال قد لا يحدث.
أتمنى ألا تنسي طلبي ببعض الصور. أحبك، وبانتظار عودتك بكل ما أوتي العشاق من قوة وبهجة وجنون. 
تلفيت 12/11/2021

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…