تعرية الوطاويط

أحمد عبدالقادر محمود  

ما ردك على التُهم المنسوبة لك أيها الثدي الطائر ؟
بهذا السؤال أفتتح قاضي الطيور محاكمة الوطواط ، وسط حضورٌ لابأس به من بقية الأنواع ، وتابع إن لم يكن لديك محامٍ للدفاع فالمحكمة ملزمة أن تعين لك محامٍ للدفاع عنك .
– ياسيدي لست بحاجة لمن يدافع عني ، فأنا لم أرتكب جرماً كي أحاكم عليه .
– أنت متهم بنشر الأمراض كالكورونا ومرض داء الكلب والأمراض الأخرى المؤذية ؟
– وما ذنبي في ذلك ! هذا تكويني لم أختره أنا ، هذا طبعي هل تريدني أُمارس التطبّع .
– إذا أنت معترف ومُقر بذلك ، ما قولك بالتهمة التالية ، أنك تعتاش على أمتصاص الدماء ؟
– أنا لا أمتص الدماء هذه تهمة باطلة ،إنما أعتاش على لعق الدماء فهذا غذائي المفضل إلى جانب الإحتيال على الحشرات كي أبقى ، فحيثما تكون الحشرات أكون .
يلتفت القاضي نحو مستشاريه ويطلب تثبت أقواله .
-حسناً ماذا تقول عن أختفائك نهارا وظهورك ليلاً على عكس طبيعة الطيور الحرة وسُنتها ؟
– للنهار عيون راصدة لا أستطيع الظهور فيها فاحتبس بالكهوف الرطبة والآسنة ، إنما كل نشاطي هو في الظلام الدامس حيث أستطيع الإعتياش والإرتزاق .
– التهمة الأخيرة ، عُرف عنك أنك تخالف الطيور في كثيرٍ من العادات والممارسات الطبيعية ،وربما هذه كما قلت بسبب الإرتزاق ولكن شوهد أنك تنام ورأسك إلى الأسفل وأطرافك إلى الأعلى ! هل ترى في هذه الحالة أنك مميز عن البقية ؟
– يا سيدي أنا أعمى ،أعمى عن كل شيئ أتتبع الصدى فقط ، إن صفّقت لي الأن أستطيع تحديد مكانك وبالتالي التعامل معك وإن رميت لي أي شيئ أستطيع الأمساك به ، فأي ضير في رقودي إن كان رأسي إلى الأسفل .
الجلسة الأن للنطق بالحكم ، هكذا نادى  المنادي
القاضي : لقد أعترفت بكل التهم الموجهة لك ، لا بل أوجدت لها التبرير أيضا ، وبناءً عليه وحسب مواد القوانين الجزائية والتي تستند عليها المحكمة ، لا يوجد قانون يُجرمك إنما بناءً على قانون التعرية و كشف المستور من الأفعال والأقوال المنافية للحقائق ، أنت مدان بتشويه وقلب الحقائق تماشيا مع أنانيتك ومصلحتك الذاتية ، لذا فأنت حر ، رفعت الجلسة .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…