أحمد عزيز الحسين
هذه لوحةٌ فنيةٌ مأخوذةٌ من صفحة الصديق الدكتور شاكر نوري، وهو روائيّ وناقد وفنّان تشكيليّ عراقيّ، وقد أنجزها بمادة (الأكريلك)، ولم يضع لها اسماً، وقد اقترحت عليه أن يكون عنوانها ( الطاغية)، في حين اقترح عليه الصديق الروائيّ (جان دوست) أن يطلق عليها اسم (الجنرال).
وفي ظنّي أنّ عنوان (الطاغية) هو الأكثر دقة في التعبير عن المستوى الدّلاليّ في اللّوحة؛ إذ ليس لدينا نياشين على صدر ( الجنرال ) لترشح بحبه للمظاهر السطحية الفارغة، ولا نظرة باردة تشي بالحيادية التي يكون عليها ( الجنرال ) في العادة، بل لدينا رأس ضخم يفتقر إلى التّناسق الجماليّ، وجمجمة ذات حجم صغير جداّ بالموازنة مع حجم الوجه، ولها شكلٌ مسطَّحٌ من الأعلى يشي بوجود دماغ صغير فيها لايساعد على اتخاذ أحكام عقلانيّة أو مواقف دقيقة تدل على الواقعية السياسية أوالتوازن، غير أن الوجه تضخّم واتسّع لاستيعاب عينين واسعتين مفعمتين بالقسوة، وتطلقان نظرة واعدةٍ متجهّمة مكتظّة بالبرود،
أمّا تقاطيع الوجهٌ المتخشّب الموشَّح باللون الأحمر فتشي بالقسوة والعنف، كما تقصّد الفنان أن يجعل أذني الطاغية (صغيرتين) بالموازنة مع حجم وجهه الضخم المائل إلى الحمرة ليوحي بالغضب المزلزل الذي يختزنه، ويشي باحتقاره للديموقراطية، وعدم رغبته في الاستماع إلى الآخرين، أو استشارتهم؛ وقد تضاءلت أذنه اليُسرى إلى حد التلاشي لترشح بتغييب حاسة السمع في حياته، واحتقاره لشعبه ومستشاريه، وعدم رغبته في الإنصات إليهم، أو إيلائهم أيَّ اهتمام..
وقد ذكرتني الصورةُ المرسومةُ للطاغية هنا بالصورة التي رسمها الناقد العراقي عبدالله إبراهيم لصدام حسين في سيرته الذاتية (أمواج)، إذ تكاد الصورتان تتطابقان على المستويين الشكلي والدلالي، ولكن، مع ذلك كله، ومع وجود أعضاء بشرية في اللوحة تدل على حبّ الطاغية للتعذيب، وولعه بسفك الدماء، وميله إلى العنف والتسلُّط، وإقصاء الآخرين بالقوّة، إلا أن اللون الأخضر توضَّع في اسفل اللوحة ليرشح بأن وجوده في حياة شعبه ووطنه مؤقت ومرهون بوجود ظروف موضوعية، وسياقٍ لن يستمرّا؛ إذ ثمة أملٌ وتفاؤلٌ في الإطاحة به، والتخلص منه بوصفه كابوساً مؤقتاً ليس غير.
إنها لوحةٌ متميزةٌ تدلّ على فنان متمكّن يحسن استخدامَ أدواته، والتعبيرَ عمّا في نفسه اسمه شاكر نوري.
——————-
كاتب سوري