جابر عصفور : رحيل مثقف إشكالي

أحمـد عزيـز الحسين 

برحيل جابر عصفور ( 1944-2021) تطوى صفحة واحد من أهم النقاد العرب، وأكثرهم فاعلية وتأثيراً في المشهد النقد الأدبي العربي المعاصر، سواء من خلال مؤلفاته الغزيرة والعميقة التي عني فيها بتوضيح كثير من المفاهيم النقدية الإشكالية، أو بتطبيق رؤيته الجماليةِ على النص العربي، شعراً كان أم نثراً أم نقداً، فضلا عن تطرقه لبعض القضايا الفكرية المهمة كالتعصب، والتطرف، والتنوير، والعقلانية، وما شاكل ذلك، بالإضافة إلى تأسيسه المركز القومي للترجمة، وإشرافه عليه، وعقده للكثير من المؤتمرات النقدية العربية في رحابه، وتطويره لمجلة ( فصول ) التي تصدر عنه، واستضافته لأهم الأسماء النقدية العالمية مما جعل ( المجلس الأعلى للثقافة ) في عهده نافذة خلاقة للتنوير على أكثر من مستوى وصعيد.
ومع ذلك كله؛ فالمثقف العربي، والمتلقي العربي لايغفران لعصفور سقطتين وقع فيهما وهو واعٍ لما يقوم به:
– الأولى قبوله لجائزة القذافي العالمية للآداب في عام 2009، مع معرفته الوثيقة بأن القذافي لم يكن سوى مهرج وديكتاتور فظ لايليق بمثقف من وزن جابر عصفور أن يقبل جائزة تمنح باسمه، مهما يكن المبلغ المرافق لها كبيراً.
– والثانية، أن جابر عصفور قبِلَ أن يكون (وزير ثقافة) في الأشهر الثلاثة الأخيرة من حكم الديكتاتور  مبارك، مع أن مبارك لم يُوزِّرْه إلا كي يكون سنداً داعماً له في الاستمرار بحكم مصر التي وقف شعبها ضده، وطالب بإسقاطه ورحيله، وقد استقال عصفور بعد عشرة أيام من توزيره بعدما أدرك الهوة التي تردّى فيها، ولكن بعد أن خسر رصيده المعنوي في قلوب محبيه ومتابعيه . 
ومع ذلك كله؛ فينبغي أن نعود إلى ما تركه جابر عصفور من تركة نقدية رفيعة المستوى؛ فنمحصها، ونحاول الإفادة مما فيها من إيجابيات، وهي كثيرة، لأن جابر عصفور استطاع أن يكون لنفسه شخصية مستقلة في النقد الأدبي العربي المعاصر، وأن يستفيد من التيارات النقدية المعاصرة، وأن يجعلها أداة له في إبداع نص نقدي يشهد له بعلوّ الكعب في النقد التطبيقي العربي الذي عزف عنه الكثيرون لما يحتاجه من وعي ودربة وخبرة في الاستضاءة بالمرجعيات النقدية المستعارة مع الإخلاص في الوقت نفسه لطبيعة النص الأدبي العربي، وما يقتضيه ذلك من وعي في قراءته والحكم عليه .
————————-
ناقد سوريّ

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

يسر موقع ولاتى مه أن يقدم إلى قرائه الأعزاء هذا العمل التوثيقي القيم بعنوان (رجال لم ينصفهم التاريخ)، الذي ساهم الكاتب : إسماعيل عمر لعلي (سمكو) وكتاب آخرين في تأليفه.

وسيقوم موقع ولاتى مه بالتنسيق مع الكاتب إسماعيل عمر لعلي (سمكو). بنشر الحلقات التي ساهم الكاتب (سمكو) بكتابتها من هذا العمل، تقديرا لجهوده في توثيق مسيرة مناضلين كورد أفذاذ لم ينالوا ما يستحقونه من إنصاف وتقدير…

نصر محمد / المانيا

-يضم صورا شعرية جديدة مبتكرة ، لغة شعرية خاصة بعناق ، تعانق الأحرف بالابداع من أوسع أبوابه ، انها لا تشبه الشعراء في قصائدهم ولا تقلد الشعراء المعاصرين في شطحاتهم وانفعالاتهم وقوالبهم الشعرية

-مؤامرة الحبر يترك الأثر على الشعر واللغة والقارئ ، يشير إلى شاعر استثنائي ، يعرف كيف يعزف على أوتار اللغة…

 

فراس حج محمد| فلسطين

تتعرّض أفكار الكتّاب أحياناً إلى سوء الفهم، وهذه مشكلة ذات صلة بمقدرة الشخص على إدراك المعاني وتوجيهها. تُعرف وتدرّس وتُلاحظ تحت مفهوم “مهارات فهم المقروء”، وهذه الظاهرة سلبيّة وإيجابيّة؛ لأنّ النصوص الأدبيّة تُبنى على قاعدة من تعدّد الأفهام، لا إغلاق النصّ على فهم أحادي، لكنّ ما هو سلبيّ منها يُدرج…

عمران علي

 

كمن يمشي رفقة ظلّه وإذ به يتفاجئ بنور يبصره الطريق، فيضحك هازئاً من قلة الحيلة وعلى أثرها يتبرم من إيعاقات المبادرة، ويمضي غير مبال إلى ضفاف الكلمات، ليكون الدفق عبر صور مشتهاة ووفق منهج النهر وليس بانتهاء تَدُّرج الجرار إلى مرافق الماء .

 

“لتسكن امرأةً راقيةً ودؤوبةً

تأنَسُ أنتَ بواقعها وتنامُ هي في متخيلك

تأخذُ بعض بداوتكَ…