ديوان وشيء من سرد قليل.. شعرية مفرطة وتناص متقن مع نصوص التراث

مهند الحميدي
أصدر الشاعر الفلسطيني فراس حج محمد، مؤخراً، ديوانه الشعري السابع “وشيء من سرد قليل” في تناص واضح مع آيات القرآن الكريم. ويضم الديوان 38 قصيدة، في تنويعات شعرية ومواضيع مختلفة؛ منها الغزل والحب، مع التركيز على عنصر السرد.
وللتناص حضور في الديوان، انطلاقا من العنوان الذي يتقاطع مع الآية القرآنية “وَشَيْء مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ” (سبأ- آية 16). ويمنح التناص مع النصوص المقدسة، العمل الأدبي مزيدا من القوة عندما يخدم التضمين المعاني الشعرية، ليجعلها مفعمة بالقيم الأخلاقية. والتناص من المصطلحات الحديثة نسبيا في النقد، وهو تقاطع النص مع نصوص تراثية ذات دلالات إنسانية عالية؛ ومنها الكتب المقدسة، ما يفتح النص الحديث على مدلولات أخرى.
ويُعرِّف الناقد عبد الله الغدامي في كتابه “الخطيئة والتكفير من البنيوية إلى التشريحية”، التناص بأنه “نص يتسرب إلى داخل نص آخر، يجسد المدلولات سواء وعى الكاتب بذلك أم لم يعِ”.
وفي حديث خاص لـ”إرم نيوز”؛ قال حج محمد: “من الواضح جدا هذا التقابل بين الآية القرآنية وعنوان الديوان، والتماثل بين الألفاظ، وتبديل الحروف بين لفظتي (سرد، وسدر)”.
وأضاف: “توخيت في قصائد الديوان أن أكسر الرتابة في الشعر والنثر معا، وهي لعبة فنية كثيرا ما وظفتها في دواويني السابقة؛ فكسرت رتابة الشعر بالسرد، وطعمت النثر بالغنائية الشعرية، لتوليف نص جامع، حيوي، ليس نثرا بالخالص، وليس شعرا بالمطلق”.
وحملت بعض نصوص الديوان لمحات رومانسية بشفافية تراعي رقة المعاني؛ يقول الشاعر في قصيدة “شهية فعل الأمر”: “قف ههنا/ يا ابن اللغات جميعها/ الحب كالتقوى تغلغل في القلوب تأبدا/ قف ههنا/ لا راويا إلاك يروي الوجنتين توردا/ قف ههنا أزل الفروقات البعيدة في المدى/ واجعل زمانك كله في الساعتين تجددا/ قف ههنا/ قف ههنا/ فالله يشهد أنني من بعد حبك صرت عبدا سيدا”.
وفي قصيدة “أنا جائع للسرد” يؤكد الشاعر انحيازه للسرد داخل النص الإبداعي، معرفا المتلقي بوجهة نظره من خلال الفن؛ يقول: ”من يكمل اللعبة عني؟/ التأرجح بين الجملتين وبيني/ أنا جائع للسرد/ أقص عليك رؤياي الطويلة/ أتأمل الأفعال/ كيف تنبت في طرف الجملة مني/ تزدهي بخروجها على القانون“.
ويبث الشاعر في نصوص ديوانه نظرته إلى الحياة بشاعرية مفرطة؛ يقول في قصيدة “لغتي وحدها جلنار”: “هذي السماء دفاتر الله/ والنجوم قصائد العينين/ هناك قرأتَني وكتبتَ أول أولي/ فعرجت فيك/ وانفتح الطريق على الطريق/ لتمر كل الكائنات”.
“وشيء من سرد قليل” من إصدارات وزارة الثقافة الفلسطينية، ط1، 2021، ويقع في 258 صفحة من القطع المتوسط. وصممت غلافه وأخرجته فاطمة حسين.
صدر للكاتب فراس حج محمد كتب عدة؛ منها “نسوة في المدينة”، و”يوميات كاتب يدعى X”، و”كأنها نصف الحقيقة”، وهو عضو في اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وينشر مقالات أدبية في دوريات عربية عدة.
————–
المصدر: إرم نيوز

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أحمد آلوجي

من بين الشخصيات العامودية التي تركت بصمة عميقة في ذاكرتي، أولئك الذين منحوا فنهم جلَّ اهتمامهم وإبداعهم، لا سيّما في المناسبات القومية واحتفالات نوروز التي كانت دائمًا رمزًا للتجدد والحياة. ويبرز بينهم الراحل الفذ مصطفى خانو، الذي أغنى المسرح الكردي بعطائه وإحساسه الفني الرفيع، فاستطاع أن يجذب الجماهير بموهبته الصادقة وحبه الكبير…

آهين أوسو

لم يكن يوما عاديا ،نعم فترة من التوتروالقلق مررنا بها.

إنه آذار المشؤوم كعادته لايحمل سوى الألم .

استيقظت صبيحة ذاك اليوم على حركة غير طبيعية في أصابع يدي ،ماهذا يا إلهي ،أصابعي تتحرك كأنها مخلوقات حية تحاول الهروب من تحت اللحاف ،هممت بالجلوس في فراشي اتحسس يدي ،نعم إنها أصابعي التي تتحرك لاشيء…

(ولاتي مه – خاص):
على امتداد أكثر من خمسة عقود، يمضي الفنان والمناضل شفكر هوفاك في مسيرة حافلة تجمع بين الكلمة الثورية واللحن الصادق، ليغدو أحد أبرز الأصوات التي عبرت بصدق عن آلام الشعب الكردي وأحلامه بالحرية والكرامة.
منذ انخراطه المبكر في صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني في سبعينيات القرن الماضي، ظل شفكر وفيا لنهجه…

ماهين شيخاني

في فجرٍ بعيدٍ من فجر الأساطير، خرج رستم، بطل الممالك الفارسية، في رحلة صيدٍ طويلة. ضلّ طريقه بين الجبال حتى وجد نفسه في مدينة «سمنغان»، حيث استضافه الملك في قصره. هناك التقى بالأميرة تَهمينه، فتاةٌ تفيض حُسنًا وشجاعة، قالت له بصوتٍ يقطر صدقًا:

«يا رستم، جئتُ أطلب من البطل ولداً مثله، لا كنزاً…