ابراهيم البليهي
من يقرأ تاريخ كل الأمم لا يجد أمة واحدة استجابت للتخلي عما هي عليه لتعتنق فكرًا مغايرا بل إن التاريخ يقدم كل الأمم وهي تسميت في الدفاع عن نسقها الثقافي الموروث السائد ….
المسيحية بقيتْ دين عدد قليل جدا من الأفراد فلما اعتنقها الامبراطور الروماني صارت هي عقيدة كل الشعوب التي امتد إليها التأثير الروماني بنسخته الأوروبية حيث هيمنت الكنيسة على العقل الأوروبي منذ أن سقطت الدولة الرومانية أو بنسخته البيزنطية حيث امتدت الارثودكسية لروسيا ولكل أوروبا الشرقية ….
البوذية كانت مرفوضة ومطاردة في الهند حتى اعتنقها الملك أشوكا وكذلك كانت مطاردة في الصين واليابان حتى وجدت قادة سياسيين اعتنقوها فانتشرت في اليابان والصين ….
الكونفوشوسية انتشرت في الصين وتوطدت لأن أباطرة الصين تبنوها والتزموا بها …
كل المنشقين على الكنيسة في أوروبا أخفقوا وأحرقوا باستثناء مارتن لوثر لأن أمراء ألمان وقفوا معه وقاتلوا في سبيل نصرته ….
الإسلام بقي أغلب سنواته لا يعتنقه سوى عدد قليل من الأفراد ولما تحالف الرسول مع الأنصار وصار له دولة انتشر بمنتهى السرعة ….
الشيخ محمد بن عبدالوهاب حين أراد نشر دعوته لم يذهب لمخاطبة عموم الناس لأنه يعلم أنهم لن يستجيبوا له وإنما راح يطوف على الأمراء للتحالف مع من يستحيب منهم وذلك من أجل فرض الدعوة بالقوة وهذا هو الذي حصل فعلا ….
العقل يُكَوِّنه ويحتله ويتحكم به الأسبق إليه حتى النظريات العلمية لا تجد قبولا حتى ينقرض العلماء الذين استقرت في أذهانهم النظريات الأسبق كما أكد ذلك شوبنهاور وماكس بلانك وغيرهما وكما برهن عليه توماس كون في كتابه (بنية الثورات العلمية) …
إن تاريخ العلوم وتاريخ الاختراع يؤكد ذلك بوضوح فحين كان الأخوان رايت يعملان في اختراع طائرة كان كبار الفيزيائيين يسخرون من هذه المحاولة ويؤكدون استحالة طيران جسم أثقل من الهواء ثم فوجئ الجميع بنجاح الطيران فاضطروا للتراجع وإعادة النظر في تصوراتهم ويتكرر ذلك مع كل ثورة علمية أو تقنية …..
————————–