متى سيقرأ الرجال «أوديب»؟

فراس حج محمد| فلسطين

الأبناء سيئون على أي حال. يسلبون الأب كل شيء، ويحولونه إلى مجرد عامل لتلبية طلباتهم، أنانيون ينتظرون موته ليرثوه إن كان غنيا أو ليرتاحوا منه إن كان فقيرا معدماً.
الأبناء سيئون، يضجرون سريعاً، ويغضبون سريعا، ويفشون الأسرار، ويؤلفون القصص المزعجة، يرَوْن باتجاه واحد، عيونهم في العادة مصابة بعمى الألوان أو الانحراف المرَضي المزعج. يتعاملون مع الآباء كما يتعامل أحدنا مع الحكومة، فلا أحد يرضى عنها مهما قدمت، وبالمقابل فالحكومة لا تتراجع عن مهماتها، وهي تعلم أن لا أحد يحبها، بل يكرهونها ويتمنون الخلاص منها، كذلك الأبناء سواء بسواء.
أعتقد أن من له أبناء سيموت مقهورا، فليس هناك من غبي أكثر من رجل له أبناء، يتسلطون عليه ويرضى، بل يغضّ الطرف وينسى، الآباء عموما لا يموتون موتا طبيعيا، يموتون وهم مصابون بكل الأمراض النفسية والعقلية والبدنية. الضغط والسكري والهوس أهون أمرضهم.
الأبناء يحولون الآباء إلى حيوانات انتهت خدمتها وصلاحيتها وعليها أن تموت أو تلتزم الصمت، تأكل وتشرب ولا تعترض، ولا تبدي رأيا، ولا يحق لها التدخل في شيء. عليك أن تنتظر ملك الموت فقط أيها الأب الغبيّ جدا، فلا أحد يحبّ أباه كما ينبغي أن يكون الحبّ.
كم كان ساذجا الواحد من هؤلاء الآباء عندما كان يفرح بولادة طفله، لا يعلم أنه ينجب من سيستنفده، كما يستنفد عمال المناجم مناجمهم. ليغادروها ويتركوها خرابا.
الآباء أيضا سيئون وأغبياء لأنهم يفكرون بأبنائهم حتى وهم على فراش الموت أو المرض أو فقراء أو سجناء، أو منفيون. الآباء مرضى نفسيون لا يمكن لهم أن يشفوا من هذا الداء!
هذا المأزق من العلاقة المعروفة ويقرأها الآباء والأبناء تقول إن الحياة ليست أكثر من عبث وجودي ليس لها طعم بأي حال من الأحوال. على الرجال جميعا أن يقرؤوا “أوديب” قبل الإقدام على صناعة مآلهم السيئ على أيدي أبنائهم.
الآباء وحدهم المدانون لأنهم وضعوا أنفسهم بين يدي قدر سيئ ينهش أرواحهم، فيداك أوكتا وفوك نفخ، لا تلم حدا، وحدك من أدخل نفسه في الجُحر الضيّق هذا. جحر الأبوة، ضيّق وبارد أبشع من برودة كانون وأكثر سوادا من عتمة قبر موحش.
لو سألتَ أحد هؤلاء الآباء على أي شيء ندمت في حياتك؟ لقال إنه لم يندم على شيء ندمه على أنه تزوج وأنجب. كنت أحيانا أتذمر من ذلك على مسامع أمي، فتغصّ بوجع بدا لي بملامح وجهها وتقول: “كون وبده يعمر”. ولكن ماذا لو عُمّر هذا الكون بنطف نظيفة تتحول إلى أبناء أقل سوءا على الأقل مما هم عليه هذه الأيام. لقد كان النبيّ نوح محظوظا عندما أغرقت المياه ابنه السيئ ذاك. فكم ابنا مثل ابن نوح يجب أن يموت غرقا قبل أن يواصل مشوار الحياة العبثي؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…