يوميات الحصار تؤرّخ الحياة في الحرب

زهرة أحمد
صدر العمل الفني الخامس للكاتب صبري رسول بعنوان «يوميات الحصار» عن اتحاد كتاب كردستان سوريا في مدينة قامشلو، فقد صدرت له سابقاَ أربع مجموعات قصصية خلال مسيرته الكتابية. 
هذا الكتاب عبارة عن مجموعة نصوصٍ سردية «ترصد واحدٍ وثلاثين يوماً من الحصار القاسي على مدينة قامشلو «قامشلي» كما على المدن السّورية الأخرى، نصوص «يوميات الحصار» تؤرّخ الحياة اليومية في الحرب، عشرة أيام من العام 2012م و21 يوماً من بداية 2013م.
الحصار الذي فرضته القوى المسلحة المتصارعة والمهيمنة على مقدرات الحياة اليومية، الذي يشمل مستلزمات الحياة اليومية، فقد شهدَتْ مدن الجزيرة حصاراً اقتصادياً، فتك بحياة النّاس، حيث اختفت المواد التمونية، والأدوية والمحروقات؛ ويؤكّد الكاتب في المقدمة القصيرة للمجموعة أنّه دوّن الواقع المزري الذي عاشه سكان مدينته في يومياته: «حاولتُ تصوير الحياة اليومية مدة شهر، في كلّ يوم دوّنتُ نصّاً يرصد حركة الحياة، فقد يأتي يومٌ يقول فيه القارئ: كيف كان النّاس يتحملون قسوة الأيام، إذا انتهت الأزمة قريباً، وقد تزداد المعاناة، ويرى القارئ أنّ الزمن المخصص لهذا الوصف كان زمن الرفاهية والفرج مقارنة مع وضع الناس». 
في النّصوص السّردية التي أطلقَ عليها الكاتب «نصوص مفتوحة» ولم يسمِها الكاتب القصة القصيرة، يطرح أفكاراً ومقاربات وأسئلة ومواقف حياتية كثيرة للنّاس في سعيهم من أجل البقاء، إلى جانب التأكيد أنّ الحروب تفرض على الناس أنماطاً جديدة من الحياة والعلاقات، فتختفي بعض القيم والمبادئ التي كانت إلى الأمس القريب بمثابة ما يشبه مقدّساتٍ لا يتجاوزها المرء، وتظهر علاقاتٌ أخرى بديلة مرافقة للصّراعات الجديدة «هذه الأحوال المأساوية غيّرَتْ أنماط السلوك البشري، وجعل الإنسان شرهاً للكسب الطارئ، بأيّ طريقة كانت، ويفقدُ في الوقت نفسه قيماً نبيلاً اكتسبها في تربيته الدينية والأسرية والمدرسية، خلال عشرات السنين، لكنها لا تصمد أمام غريزة البقاء»ص22.
الأدب يعكس الحياة، يمثّلها في خطابٍ نصّيّ، فلكل حركة في الحياة يمكن خلقها من جديد في النصّ، لكن ربما قساوتها تفرض أسلوباً آخر مغايراً للنصّ القصصي والشعري، فالرّصد السّريع دفعه إلى تصوير حياة النّاس في نصوصٍ يحاكي المذكرات اليومية، كوصفه للطفولة وما شابها من التغييرات، فـ«التجاعيد قد غزَتْ وجوه النّاس، حتى الصّغار لم نَعُد نلمح الطفولة في عيونهم، فالوجوه قد شاخَتْ قبل أوانها، وتصرفاتهم لم تعد تصرفات طفولية. الطّفولة صارت عبئاً على هذا الجيل»ص40 
الحصار يخلّف مآسي كثيرة، وقد يكون أكثرها بؤساً، حين ترى وتشعر أنّ الحرب تمزّق بمخالبها روح الحياة وكل شيءٍ جميل فيها، وتفرضُ على الإنسان أن يتخلَّى عن طقوس يومية تعّود عليها، وهندسَ مفرداتِ حياته على أساسها. والحرمان من القراءة ضحية من ضحايا انعدام مقومات الحياة، لا شيء سوى الحرمان والحرمان. » لكن علاقتي بالقراءة تدهورت مؤخراً شيئاً فشيئاً، ارتبطت تلك العلاقة بالكهرباء والأجواء العامة في البلاد، وبالمزاج الشّخصي الذي يشبه أوراقاً محترقة».
» في الشّهر الأخير حصلت حالة من الطّلاق بيني وبين القراءة من طرف واحد، الحالة نتجت عن الحصار المؤلم، فلم يَعُد ثمّة من أولوياتٍ إلا تأمين المتطلبات اليومية الضرورية التي من دونها لا تستمر الحياة»ص53 
يبلغ الحصار أوجّه حين يُحَاصر قلم الكاتب، وتُفرَض عليه أجواءٌ مأساوية تمنعُه من الكتابة أو تعيق حركة قلمه، أوراق بيضاء تناثرت حروفها وتباعدت أسطرها من النّسيان، قلم لم يعد تنديه أناقة الأفكار، ليكون القلم أحد ضحايا الحصار، لا وظيفة له سوى الصّمت في أحضان العتمة، وهذا كان عنوان إحدى يوميات الحصار، إنه حصار القلم.
»أما قلمي فقد أخذ إجازة اضطرارية، لأنّه لم يعد له وظيفة لدي، فالكهرباء تنقطع مايقارب اثنتين وعشرين ساعة في النّهار، وكلما جاءتْني فكرةٌ لا أجد الإضاءة الكافية لكتابتها«.ص95
ترافق النّصوصَ بعضُ صورٍ حقيقية لأماكن في سوريا والجزيرة أيام بدايات الأزمة، تبيّن مدى قساوة النّكبة لسوريا، فيؤكد الكاتب في النّص الأخير بأن الجزيرة منطقة منكوبة، بل سوريا كلها هي دولة منكوبة، والصّفة أطلقها عام 2013 تاريخ كتابة النّصوص التي باتت كشواهد موثّقة على فترة من تاريخ سوريا المأساوي. أصبحت الحياةُ رهينة الخوف، والمجهول، واللاحياة، قتل، تهجير، هجرة، نزوح، فقر، عتمة، جوع، برد، عناوين ليوميات الحصار، عناوين لحياة السوريين منذ بداية الأزمة وماتزال مستمرّة وبشكلٍ أكثر بؤساً.
تتألف مجموعة «يوميات الحصار» من واحد وثلاثين نصّاً سردياً إضافة إلى المقدّمة المترجمة إلى الألمانية، وتقع في مئة وستّ صفحات من القطع المتوسط، بغلافٍ أنيق من تصميم  إيفا رسول والطبعة خاصة. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…