فكرٌ خارق وتأثير معدوم

ابراهيم البليهي

لا مبرر لذلك الرعب من الأفكار المغايرة؛ فالناس لا تتأثر بالأفكار  المضادة لما تبرمجوا به وتآلفوا معه  حتى لو أتيحت لهم الكتب الفكرية مجانا في كل مكان ….
أقول ذلك بعد متابعة اللقاء الحافل الذي أجراه الأستاذ عبدالله المديفر مع الأستاذ ابراهيم عبدالرحمن فقد كان اللقاء زاخرا بتفاصيل دقيقة عن حياة عبدالله القصيمي من صديقه الذي رافقه خلال خمسين عاما ….    
ما ينبغي التوقف عنده طويلا وأخذ العبرة منه؛ هو  ما كشفه اللقاء عن المحاولات المتكررة لقتل القصيمي خلال فترات متباعدة من حياته ….
وهذا يؤكد أن البيئة العربية لا تتحمل الرأي المخالف مهما كان معدوم التأثير  بل تبقى مرعوبة منه حتى لو لم يوجد لهذا الرأي أي تأثير ولم يكن له أي قبول؛ فالمفكر في العالم العربي كمن يصرخ في الصحراء فلا يجد من يسمع ولا من يستجيب لكن رغم هذا العزوف العام الشامل عن الاستماع إلى الأفكار المغايرة فإن البييئة تصاب بالتشنج والاحتقان لظهور أي فكر مغاير حتى وهو معدوم التأثير …..
وهنا ندرك السبب الرئيسي الذي أبقى المجتمعات العربية عاجزة عن دخول حضارة العصر كمشاركين وليس فقط كمستخدمين ومستهلكين. إن البيئة العربية لا تواجه الفكر بالفكر وإنما تبقى متحفزة لإسكات الصوت المغاير؛ فكتُب عبدالله القصيمي كانت ممنوعة التداول ولو أتيحت للناس لما اهتموا بها لكنه الضيق الخانق بأي فكر مختلف وهذا له دلالات عميقة. المعروف أنه لا يُطبع في العالم العربي كله من أي كتاب فكري سوى نسخ محدودة جدا ومع ذلك لا تجد هذه الكتب من يهتم بها فتبقى مكدسة في مستودعات الناشرين فالبيئة العربية قاحلة ويندر فيها من يهتم بالكتب الفكرية خصوصا في السنوات التي نشط فيها عبدالله القصيمي وتكررت فيها محاولات قتله. عاش عبدالله القصيمي قرنًا كاملا تقريبا وقد حصلت له تحولات فكرية حادة صاحَبَها إنتاجٌ غزير واستثنائي لكنه لم يترك في المجتمعات العربية أي تأثير إيجابي. تحمل قصة عبدالله القصيمي دلالات عميقة: أولها أن البيئة العربية لا تتحمل الفكر المغاير بل تصاب بالرعب من أية فكرة طارئة بدليل تكرار محاولات قتل عبدالله القصيمي. أما الدلالة الثانية فهي أن الفكر المغاير للسائد مهما بلغ من القوة؛ لا يترك في البيئة أي تأثير إلا إذا تبنته سلطة سياسية؛ فالناس بطبيعتهم ينفرون من أية أفكار تصادم ما تطبعوا به وألفوه واعتادوا عليه …..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

رضوان شيخو

يا عازف العود، مهلا حين تعزفه!
لا تزعج العود، إن العود حساس..
أوتاره تشبه الأوتار في نغمي
في عزفها الحب، إن الحب وسواس
كأنما موجة الآلام تتبعنا
من بين أشيائها سيف ومتراس،
تختار من بين ما تختار أفئدة
ضاقت لها من صروف الدهر أنفاس
تكابد العيش طرا دونما صخب
وقد غزا كل من في الدار إفلاس
يا صاحب العود، لا تهزأ بنائبة
قد كان من…

ماهين شيخاني

الآن… هي هناك، في المطار، في دولة الأردن. لا أعلم إن كان مطار الملكة علياء أم غيره، فما قيمة الأسماء حين تضيع منّا الأوطان والأحبة..؟. لحظات فقط وستكون داخل الطائرة، تحلّق بعيداً عن ترابها، عن الدار التي شهدت خطواتها الأولى، عن كل ركن كنت أزيّنه بابتسامتها الصغيرة.

أنا وحدي الآن، حارس دموعها ومخبأ أسرارها. لم…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

فَلسفةُ الجَمَالِ هِيَ فَرْعٌ مِنَ الفَلسفةِ يَدْرُسُ طَبيعةَ الجَمَالِ والذَّوْقِ والفَنِّ ، في الطبيعةِ والأعمالِ البشريةِ والأنساقِ الاجتماعية، وَيُكَرِّسُ التفكيرَ النَّقْدِيَّ في البُنى الثَّقَافيةِ بِكُلِّ صُوَرِهَا في الفَنِّ، وَتَجَلِّيَاتِها في الطبيعة ، وانعكاساتِها في المُجتمع، وَيُحَلِّلُ التَّجَارِبَ الحِسِّيةَ، والبُنى العاطفية ، والتفاصيلَ الوِجْدَانِيَّة ، وَالقِيَمَ العقلانيةَ ،…

إبراهيم اليوسف

الكتابة البقاء

لم تدخل مزكين حسكو عالم الكتابة كما حال من هو عابر في نزهة عابرة، بل اندفعت إليه كمن يلقي بنفسه في محرقة يومية، عبر معركة وجودية، حيث الكلمة ليست زينة ولا ترفاً، مادامت تملك كل شروط الجمال العالي: روحاً وحضوراً، لأن الكلمة في منظورها ليست إلا فعل انتماء كامل إلى لغة أرادت أن…