ريبر هبون
رأس اصبع السبابة المبتور ينعي في قرارة موته 121 شهيداً عادوا إلى أحضان
أمهاتهم بلا رؤوس وللبتر حكاية ألم حاسر الرأس يمشي في الشرايين والأعصاب مشية الحسناء ذات الأرداف المكتنزة
لم يعد يستطيع كاميران كتابة نعوة أو قصيدة كون للسبابة أهمية قصوى كطريق الحرير
تربت على أحد كتفي القلم في حين يقوم الإبهام بإسناد الكتف الآخر.
!لا كتابة –
.لا ثرثرات بعد اليوم
يمر الوقت بطيئاً واللحم المعطوب لم تلتئم بناه بعد، يتدلل كامرأة لا ترضى بأقل من غداء بأفخم مطعم كي تصالح زوجها خائر الثبات
الوجع يرابض كعسكري سوري في احدى البوابات السورية التركية الحدودية
. والتي لم تفتح لسنوات
الوجع ذلك التيس الأعمى الذي أعطب قرنيه وأدمى ما حول أذنيه لشدة نطاحه
. للحيطان المسلحة بالباطون
تراه يتأمل ويقرأ ويحصي دموع حبيبته التي لم يرها على الهواء مباشرة
جين متعلقة بأصابع يده، منذ أن كان يرسل لها صوراً لأنامله، هذه المرة ان
. التقاها ،ستتأمل احدى أنامله ورأسها المبتور من فرط الابتعاد وطول الانتظار.
حكاية رأس السبابة المبتور يرمز للوقت الفائت، للانتظار الذي تفرعن ومد
. بساطوره ساطراً السماء كما تُشطر البيتزا الإيطالية لعدة أجزاء
لكونه لا يستطيع الكتابة على الكيبورد ولا على الورق لا أفضل من أن تتولى كتيبة أنامل اليد اليمنى بالتحليق في الكتابة حيث يبلي الإبهام بلاء حسناً كأنه عنتر في ساحات الوغى يصرع الفرسان
يكتب الإبهام الأيمن عبر تطبيق الوتسآب قصة رأس السبابة المبتور، ليقوم
.كاميران بعد ذلك بنسخها ولصقها لملف ورد
لن يعدم الوسيلة مادامت الغاية تحويل الألم الأمي لألم عبقري
الوجع لا يدمي المخيلة لكنه يؤرخ الوقت الذي نعيش منه أياماً مؤلفة ودقائق مليونية دون أن نتذكر سوى القليل القليل من سنواتنا التي تمضي، حيث
. يتساوى أمام الموت الأمير والفقير ،الجميل والدميم، القاتل والفاضل
صباح مكتظ بخواطر جياشة تسرح بأغنام الكلمات على سهول اللكمات
تذكر قصة الذين وقعوا أسرى بقبضة داعش
!كيف يكون وجع اليد المقطوعة أو الأصابع التي تبتر من جذورها-
حين راح أحد الكورد من الطائفة الإيزيدية يجاهر بدينه أمام أبي قتادة الليبي ذي الوجه الكالح كدولاب سيارة الهمر
: راح صارخاً في وجهه يقول
.دين أجدادي أدفع لأجله حياتي ولا استبدله بدين آخر.
فما كان من أبي قتادة إلا أن أمر رجاله الملثمين بقطع أصابعه العشر بالمبراة الحديدية ففعلوا على الحال وتدفق الدم كنوافير من فوهات تلك الأصابع المبتورة وعلا صراخ الرجل فلم يجد سوى الرمال الملتهبة بحرارة شمس آب طريقة للضغط على تلك الأصابع لشدة الألم.
. أمسكوه ودعوني أتبول على تلك الأصابع الكافرة.-
.راح يتبول على تلك الأصابع.
أحس أمين بحرارة ذلك البول والرمل وامتزج الدم والرمل والبول معاً مع ذلك الألم
. اللامتناهي
هذا ما رواه له جاره الإيزيدي الناجي من الإبادةمن فظائع البتر وقطع الرؤوس واغتصاب النساء واجبار امرأة ايزيدية على أكل قطعة من لحم طفلها الذي لم يتجاوز أشهره الست، كل ذلك جعله يضحك على بتر رأس
. سبابته اللعينة بباب جعل ضغط الريح يطبق عليه بغتة
وحشيتهم تخرج البهائم والوحوش بداخلنا عنوة، فأمام أحاديث الموت والفقد
. يغدو ألم الإصبع نكتة سمجة
لايحفل الزمن إلا بما هو مؤثر وحقيقي، ان كان فاجعة أم مجزرة
.إلا أن صغائر الأحداث لها ما يجعلنا ننفتح بتعقل لمأساة الغير
هكذا بدأت الأفكار والهواجس والقصص تأخذ بكاميران وكأن ذهنه سفينة يميل
. بها الموج المتلاطم
تذكر عراك جاره رفعت مع زوجته المريضة والمصابة بالانفصام
ان لم تحبني لماذا أنت في بيتي؟ –
اذن سأترك لك البيت –
راحت تسحبه من طرف معطفه لتمنعه من الخروج، فراح يصفعها
مسرعاً نحو باب الشقة، إلا أنها تمكنت من إطباق الباب بعنف على إصبعه الذي
. تم بتره من الظفر واللحم
ارتفع صراخه وتوزع صداه على البناية
فهمّ بالخروج، ومن حسن حظه عثوره على هاتف طارئ في طرف شارع سوق
. الخضار و تم على إثره إسعافه للمشفى
لقد بدأت تجذبه قصص مماثلة لحادثته
حكاية صديقه زهيري واصبعه الذي نسيه في ماكينة الفلافل عند تحضير الحمص
وكذلك ماحدث لابن عمته الخياط غسان الذي غرزت إبرة ماكينة الخياطة في
. اصبعه
بانوراما تجارب ألم الأصابع لا يكاد يتوارى عن مخيلته
الألم جرس يوقظنا من سهونا في عالم يحتاج ليقظين على الدوام
لا تحفل القصص كثيرا بألم الأصابع المميز عن ألم آخر
كاميران يحاول ملياً فهم فلسفة الألم ولذة السادي في إرساله للآخرين
. والمازوشي في استقباله بزهدية
! سيلتئم اللحم وتبقى آثاره عالقة في دواخلنا –
هكذا همس في نفسه متأملاً بياض السماء وعري الأشجار
.وبرودة الهواء..
أخذ يدس إصبعه الملفوف بالشاش في جيب معطفه مسرعاً للبيت
.وفي ذهنه تتزاحم قصص الأصابع المبتورة
.لتؤلف سيمفونية تدوزنها أصوات الأحياء وعناد مكوث الموتى في الإيقاع.