الحبُّ في زمن الحرب

أمل حسن 
كان هناكَ شاب اسمه  ولات من غرب كردستان  وكان من عائلة معروفةٍ ، و كان والده من أسياد ذلك البلد و وجهائه .
وكان ولات معروفاً بعلمه ونسبه وأخلاقه الطيّبة وصفاته الحسنة ، و كانَ الجميع يحبونه ، و ليس من الصعب أن يحلم ولات ، فهو مثل غيره يبتغي إكمال دراسته و بِناء آماله وأحلامه في وطنه الأم روجافايئ كردستانى  ، و الوطنُ يزدهر بعلم  الشباب و نورهم الزاهر و ينمو و يكبر بأفكار الأجيال القادمة .. ولكنْ مع الأسف استيقظ ولات و الوطن معاً على أصوات القنابل و القذائف والنيران ، و تحولت البلاد إلى الخراب والدمار ، و لم يعد هناك شيءٌ من الأحلام الورديّة التي كانَ يحتضِنُها في مُخيِّلتِهِ ، و عندما تشردَ الشعب و التجأ إلى الحدود المجاورة خوفاً على حياته وإنقاذ الأولاد و النساءِ ، و لكي  يصل الى برّ الأمان ، 
كان قَدَرُ ولات أن يكون من أحد المهاجرين رغم معارضة إرادته لذلك ؛ لأنه ترك خلفه والديه وأحلامه التي لم تكتمل بعدُ ، و الأغرب من كل هذا ، و هو على أسوار المدينة التقطت عيناهُ فتاة من بين المشرَّدين تُدعى روج آفا ، فبدأ قلبه ينبض بالخفقان لِتلك الفتاة ، و وقعا في الحبِّ منذ اللقاء الأول بينهما ، و رافقهم القدرُ سوياً سيراً على الأقدام حتى غادروا البلاد و اتجهوا نحوَ إقليم كردستان ، و قضوا ليلتَهم على الحدود ما بين جزأي الوطنِ ، و في الصباح الباكر تمَّ نقل اللاجئين بحافلات من الحدود إلى مناطق متعددة من إقليم كردستان ، و في تلك اللحظة سبق القدر ولات و روج آفا بإبعادهما عن بعضهما البعض ، حيث ذهب ولات إلى جهة ، و روج آفا إلى جهة أخرى ، و الدموع  لا تفارق عيناهما من شدّة حُزنِهما ، و ذلك لِبعدهما عن الوطن ، و من شدة الألم الذي سيعانونه جرَّاءَ البُعدِ الذي لم يسمح باكتمال سعادتهما بحبهما سوى ليلة و ضحاها ، و هكذا شاء لهم القدر بعد أن تعاهدا على الحب والوفاء ، أنه لن يفارقهم شيء سوى الموت ….
وبعدها بعام لم يحتمل ولات مرارة اللجوء والعيش في ذلك الجحيم ، حيث لا عمل و لا تعليم ، و تحطمت جميع أماله وطموحاته ، حتى أنه لم يكن باستطاعته أن يرى حبيبته روج آفا ، و كان الشوق يقتله والحزن يغمره دائماً ، و قرر ولات أن يذهب الى الاتحاد  الأوربي بطريقة غير شرعية ، ليكمل دراسته ، و يَفِيَ بوعده بخطبة حبيبته روج آفا ، و لكي ينقذها من ذلك الجحيم  الذي تعيش فيه . 
و في ليلة سوداء ليس كمثل باقي الليالي ، كانت أصوات الغِربان تعمُّ أجواء سماء بحر يونان ، و كان ولات يرتجف من البرد و الخوف من المجهول ، فغمضَ عينيه ، و ركب القارب ، و هو لا يزال مُغمضَ العينين ، فتخيل حبيبته ، و هي تناشده بقولها : لماذا تركتني ؟ و إلى أين أنت ذاهب ؟ أنا لا أريد شيئأ من هذه الدنيا سوى أن تحضنني و تسندني ، أنا اليوم بأمسِّ الحاجة إليك أكثر من أَيِّ وقت مضى ، لا تغادر أرجوك ، أتوسل إليك أن تضمَّني بدفء و شوق و حنين بين ذراعَيكَ ، و سأكون لك الحُبَّ بكل معانيه ، و الوطن بكل أمانيه ، و كانَ يعيش غفوة ذلك اللقاء الجميل حين غدرت به أمواج البحر ، و تلاشت أجسامهم مثل الأسماك في أعماق البحار مع أحلامهم البريئه وحبهم الصادق ..
لم تكن قصة ولات و روج آفا الأول و الأخر في وطننا الحبيب ، بل رافقتهم مئات القصص الحزينة منذ اندلاع  هذه الثورة اللعينة ، و ها هي اليوم تجدد عهدها بحب شيرين وفرهاد . 
كم هي عظيمة هذه الأمة حين تستردُّ قوتها من صلابة قلبها و جبروت دموعها و أنين عذاباتها ، حين يحمل العاشق بكل قواه على أكتافه أحلامه الميتة و آماله المحطمة ، و حبه السرمدي الذي تركَ بصمات في قلبه ، فمن الصعب أن يمحوها الزمانُ . 
و هكذا تنتهي قصص الحب في ظل خيانة الإنسانية والهيئات الدوليه ، إنه زمن الدم و القتل و الاحتكار لا تهمهم لغة الحب والصفاء بل تهمهم لغة القنابل والدمار  .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسكي

 

قُلْتُ لَهَا :

خُذْي مِنَ الرُّوحِ شِغَّافَ الرُّوحِ

وَطَرِزْي وِشَّاحَ الشِّتَاءِ

وَغَطِّي الْجُرُوحَ

كُلُّ فَصْلٍ مِنْ فُصُولِ الْحَيَاةِ

تَنْمُو فِيه سَنَابِلُ الْبَوْحِ

لَا .. كَفَى … تَغْتَالِي

سَنَابِلِي الْحُبْلَّى بِثِقْلِهَا الْمَجْرُوحِ

بِعِنَادِ خَرِيفٍ يَتَذَمَرُ

يَمْنَعُ الْمَطَرَ وَالنَّوْحَ

نَعَمْ ضُمِينِي لِكُلِّ فُصُولِكِ الْجَرِيئةِ

وَأَزَيحِي سِتَاَرَ الثَّلْجِ الْمَطْرُوحِ

قَدْ يُدَفِينا وَنُدَاوي شَوْقَ الرُّوحِ

***********

قَالَتْ :

آهٍ مِنْكَ وَمِنَ النَّوَى

أَسْمَعُ صَوْتَكَ ، قَلْبِي يَهْوِى

وَالرُّوحُ تَعْشَقُ حَتَّى لَوْ كَانَ أَعْمَى

لَا تَشْكُو…

“كنتُ قصيدةً تائهة” – للشاعرة شيرين دريعي

هناك نصوص لا تُقرأ… بل تُرتَجَف

وقصائد لا تُنشَد… بل تُبكى في القلب.

“كنتُ قصيدةً تائهة”… ديوانٌ نسجته أنثى من خيوط الغربة، وبقايا الحنين، ونبض القلب حين يخذله الحب، وتخذله الحياة.

هنا، لا تكتب الشاعرة الشعر، بل تكتب نفسها، بكل ما فيها من شروخ وهمسات، من خوف واشتهاء، ومن ضياعٍ جميل يبحث…

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…