إضاءة فاحصة في ديوان بعينيّ غراب عجوز لهوشنك أوسي

ريبر هبون

 
قراءة الديوان مدعاة إطراب ونشوة فنية، تحاصره المفردات الملغومة والصور المتماهية مع الطبيعتين الإنسانية والجغرافية، تتخذ من الزمن جسراً لرؤية الحاضر من فوهة الماضي المتسربل بالآلام الإنسانية، فالشعر هنا تمرس بالوجع حد السادية المفرطة، والشاعر هنا مثقل بشجونه وطعناته والآخرين الذين نصّبوا أنفسهم وكلاء عن القيود والإحباطات، لكنه يتابع كجسد يقاوم سرعة تقدم الحريق لنهش العظام ويتابع كناي يروي أزمنة الوجع فوق تلك الهضاب المنسية، لا يمكن للقارئ أن يقف على الحياد مهما حاول وهو يتصفح هذا الديوان الشهي حد التخمة، نلمس الحكمة في ثنايا الكلمات ، والحكمة تتصل بالشعر اتصالاً وثيقاً  بل لعلها تمتطي صهوات اللغة لتهب الأشياء الجديدة للمتلقي لم يسمع بها من قبل، حكمة تصويرية لا عقلية يبوح بها خيال ووجع الشاعر وفطرته المجبولة على تتبع الأمل الذي يبصره شائعة يجب تصديقها كي يستمر بالإنشودة، لنتأمل هنا ص 34: 
من يشتري مني هذه السفينة
كنت أود إهداءها لأميرة كردية عشقتها
قلت في نفسي : ما نفع سفينة في بلاد ليس فيها بحار
ولا تطل على بحار
ولا تمر فيها بحار
بلاد تعوم على بحار من الدم والحزن والبترول والخيانات
فالشعر نقل لأحاسيس الشاعر وعصارة جهده في الحياة بما تحتوي من خيبات وأوجاع ومتع متعددة الأوجه،  حيث تندرج الحكمة في بند الفكر والاستشراف للمستقبل من فوهة الفن، ونجد اللغة عند الشاعر هوشنك أوسي صورة ومعنى وتوظيف لهما كي يقدما معاً للمتلقي من بوابات الإستعارة والتشبيه والكناية الإطراب والعبرة ، ولاتنفك الحكمة عن الشعر الملتزم الهادف لتحسين نظرة المرء للزمن والمأساة وإعادة صهر الحياة بما تحمله بقالب فني تخييلي يساعد القارئ على إعمال ذهنه وخياله في آن معاً وكذلك ليتماهى بالقصيدة وليحلق في فضاءاتها عله يجد في ثناياه ضالته الممتعة، وللصورة الشعرية دوراً في تحريك الخيال وإراحة النفس الإنسانية المحاطة بواقع صوري تحاصره  ضغوطات الحياة ومعضلاتهاـ وطلب اللجوء للشعر من وظيفته إدخال المرء لعوالم أخرى موازية للحياة بطريقة معنية حيث يقول الجاحظ هنا : „الشعر فن تصويري يقوم جانب كبير من جماله على الصورة الشعرية وحسن التعبير” ومما لاشك فيه فإن الصورة عماد الخيال، إذ يحرك في الذهن إيحاءات الرموز ودلالاتها النابضة، وأخيراً يمكن أن ننهي إضاءتنا الفاحصة هذه بمقتطف شعري يشير إلى ترابط الصور الحسية بالمعنوية لتقدمان حصيلة مهمة من
: جوانب نفسية الشاعر ونظرته للوجود والذات ص7 
أعلن استقالتي من الحزن
عملت لديه خطيباً وحطباً
دمعاً وألماً
اكتشفت خداعه لي
طيلة مئة سنة
كان يسكر في حانة الفرح
ويفاوضه ويساومه على مقتلي
أنا نديمه وصديقه ، منذ مئتي سنة

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حيدر عمر

تمهيد.

الأدب المقارن منهج يعنى بدراسة الآداب بغية اكتشاف أوجه التشابه والتأثيرات المتبادلة بينها، ويكون ذلك بدراسة نصوص أدبية، كالقصة أو الرواية أو المقالة أو الشعر، تنتمي إلى شعبين ولغتين أو أكثر، و تخضع لمقتضيات اللغة التي كُتبت بها. ترى سوزان باسنيت أن أبسط تعريف لمصطلح الأدب المقارن هو أنه “يعنى بدراسة نصوص عبر ثقافات…

نابلس، فلسطين: 2/7/2025

في إصدار ثقافي لافت يثري المكتبة العربية، يطل كتاب:

“Translations About Firas Haj Muhammad (English, Kurdî, Español)”

للكاتب والناقد الفلسطيني فراس حج محمد، ليقدم رؤية عميقة تتجاوز العمل الأدبي إلى التأمل في فعل الترجمة ذاته ودوره الحيوي في بناء الجسور الثقافية والفكرية. يجمع هذا الكتاب بين النصوص الإبداعية المترجمة ومقاربات نقدية حول فعل الترجمة في…

سربند حبيب

صدرت مؤخراً مجموعة شعرية بعنوان «ظلال الحروف المتعبة»، للشاعر الكوردي روني صوفي، ضمن إصدارات دار آفا للنشر، وهي باكورة أعماله الأدبية. تقع المجموعة الشعرية في (108) صفحة من القطع الوسط، و تتوزّع قصائدها ما بين الطول والقِصَر. تعكس صوتاً شعرياً، يسعى للبوح والانعتاق من قيد اللغة المألوفة، عبر توظيف صور شفّافة وأخرى صعبة، تقف…

عبد الجابر حبيب

 

أمّا أنا،

فأنتظرُكِ عندَ مُنحنى الرغبةِ،

حيثُ يتباطأُ الوقتُ

حتّى تكتملَ خطوتُكِ.

 

أفرشُ خُطايَ

في ممرّاتِ عشقِكِ،

أُرتّبُ أنفاسي على إيقاعِ أنفاسِكِ،

وأنتظرُ حقائبَ العودةِ،

لأُمسكَ بقبضتي

بقايا ضوءٍ

انعكسَ على مرآةِ وجهِكِ،

فأحرقَ المسافةَ بيني، وبينَكِ.

 

كلّما تغيبين،

في فراغاتِ العُمرِ،

تتساقطُ المدنُ من خرائطِها،

ويتخبّطُ النهارُ في آخرِ أُمنياتي،

ويرحلُ حُلمي باحثاً عن ظلِّكِ.

 

أُدرِكُ أنّكِ لا تُشبهينَ إلّا نفسَكِ،

وأُدرِكُ أنَّ شَعرَكِ لا يُشبِهُ الليلَ،

وأُدرِكُ أنَّ لكلِّ بدايةٍ…