اختلاف طقوس الكتابة الإبداعية عند الكتاب والشعراء!!

سيامند إبراهيم*

قبل أن يلج المبدع عالم الكتابة, ويحمل يراعه, ويبدأ في رسم المعالم الأولى من خطوط موضوعه المراد على الورق يهيء نفسه لفترة من الزمن استعداداً للحظة الخلق والإبداع الذي يجعل مادته مثار الكتابة القوية, ونرى أنه لكل كاتب طريقة خاصة في هذا العالم الفسيح الرحب من التدوين,  وكان الشاعر الأميركي (ادجاربو) يضع قطاً على كتفه أثناء الكتابة. والأديب النرويجي أبسن كان يضع أمامه صورة للأديب (سترندبرج )وهو أعدى أعدائه، وكان يقول: إنما أردت أن أغيظه وهو يتفرج على  إبداعي قبل نشره على الناس!(1)

فالأديب عثمان صبري كان يغلق الباب على نفسه, ويجلس على كرسي صغير ويأخذ قلم الرصاص, وقصاصات من الورق ويبدأ بتدخين السكائر ويسير في الغرفة لمدة دقائق ويبدأ بالكتابة وحيداً ثم يبيض ما كتبه بقلم ناشف آخر, ثم يبدأ بدقه على الآلة الكتابة التركية والتي تحوي على الحروف الكردية, إلى أن ينتهي من نصه الابداعي, وأما بالنسبة للشاعر جكرخوين, فقد قال ذات مرة لوالدي أن شيطان الشعر يأتيه فجأة ويبدأ ما يجول في مخيلته الشعرية في الكتابة الفورية قبل نسيان الصور الشعرية الجميلة, وفي دمشق أيضاً كان شاعرنا جكرخوين يأخذ معه دفتراً سميكاً إلى مكتبة الظاهرية في دمشق ويبدأ بمطالعة الكتب التاريخية, وفجأة يترك التاريخ وأوزارها ويمتطي صهوة الإبداع ويحلق في سماء الشعر الكردي راسماً أحلى القصائد خارجة ًمن لدن شاعر كبير, وقد كان الأستاذ علي سيدو الكوراني صاحب القاموس الكردي الحديث يكتب بخط ناعم صغير وعلى دفاتر متوسطة الحجم, وقد شاهدت جميع مخطوطاته في منزله بالأردن, وقد كانت زوجته الفلسطينية تزعجه أثناء الكتابة والترجمة؟! والشاعر الكردستاني (شيركو بيكس) يدخن كثيراً ويحمل قلماً حبراً ويخط أجمل القصائد بخطه الجميل, وقد أهدانا قصيدة في مهرجان المدى لمجلة (آسو), وعندما ذكرته في السليمانية بخطه الناعم وقصيدته الكردية الدمشقية نسي وأنكر تلك القصيدة, فما كان مني إلاّ أن أخرجت القصيدة وذهل لما شاهده وكان قد نسي قصيدته؟
والشاعر السوري نزار قباني كتب أولى قصائده على ظهر السفينة التي كانت تمخر عباب البحر متوجهة إلى أسبانيا, وأمير الشعراء (أحمد شوقي ) كان يكتب على أي ورق يصادفه, وكان حسن هشيار يكتب في البداية على أوراق الدفتر بعناية وأناقة فائقة ثم يقوم بالكتابة على الآلة الكاتبة بنفسه وتدوم الكتابة عنده أيام  وأسابيع طوال قبل أن يرى العمل النور وكان الأديب الفرنسي (فكتور هيجو) يطلب من خادمه أن يأخذ معه كل الملابس التي قد يحتاج إليها ولا يعود إلا ليلا لكي يكون هيجو عارياً على راحته.
والروائي الفرنسي بلزاك يضع إلى جواره دلواً من القهوة، والأديب د. هـ. لورانس كان يكتب عارياً، أما الروائي الأمريكي غابريل غارسيا ماركيز, فهو يملي ما يرويه على سكرتيرته التي تقوم بتنضيد ما يملي عليها.
وقد رأيت قصائد الكثيرين من الشعراء الملالي في الجزيرة, كالملا عبد المجيد كنعاني, الملا عبد الله المهاجر يكتبون على قصاصات ورقية صغيرة, ورأيت بعض الأدباء الدمشقيون يكتبون في ضجة المقاهي وكأنهم في دنيا أخرى, وبعض الأدباء يكتبون في الحدائق العامة, أما بالنسبة لي فإنني ألبس كامل هندامي وأتأنق أتعطر وأضع موسيقى كردية ثم أبدأ الكتابة وبسبب خطي السيء فلله الحمد و للذي اخترع الكومبيوتر وهو الذي يساعدني في حفظ ما كتبته, واستغنيت عن الورق والقلم والمسجلة, أما الطامة الكبرى فلا أعرف كيف يكتب صديقي إبراهيم اليوسف في منزل يعج بنصف دزينة من الأولاد والبنات وعشرات الضيوف الذين لا تنقطع الزيارات إلى منزله بشتى مناحيها, المحبة له والتجسسية عليه والخارجة عن أصول اللباقة في توقيتها.

——————
• رئيس وتحرير مجلة آسو الثقافية الكردية في سورية.
• عضو نقابة الصحافيين في كردستان العراق.
mazidax@hotmail.com
• كيف يستعد هؤلاء للكتابة, أنيس منصور – الشرق الأوسط العدد 9981- الاثنين 27
آذار-

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…