إبراهيم برغود وتفاصيل أقل تعقيداً وأكثر وجعاً

غريب ملا زلال 
أن تتابع وجوه إبراهيم برغود وتتأملها، أن تدفع بنفسك لمواجهتها بعمق لكشف تفاصيلها الصغيرة، فأنت مضطر أن تتوجع وبإرتباط مباشر ببؤر الوجع ذاته، فيجرك إلى عالم آخر كل مافيه مشاهد مؤلمة وقريبة من ذاكرتنا، مشاهد فيها من التعقيد ما يجعلك تمضي بتفكيرك متخطياً الواقع المؤلم حيث الجوع والحرب والعوالم الكالحة تحقق المزيد من مساحات حياتنا، فبرغوث يملك خصوصية مميزة في معالجة الملامح دون أن يكيفها مع متطلباته، بل يتركها بصيغ ملازمة لمحاكاة مناخه الخاص مع إستجابة تحولاتها لمفارقاته المرتبطة أصلاً بمعالم تجسد الشعور بكل ما هو مقلق من ظواهر وموضوعات عبر تبدل في المفاهيم الفنية ليؤكد أن هناك ثمة اختبارات من الجذور إلى الراهن مستلهماً نسيجه العام من نصوص بصرية تشكيلية مكتظة بالآهات والتعب، ساعياً إلى حالة من التآلف بين العناصر المختلفة والمستثمرة في إعادة صياغات حسية غير مرئيّة وعلى نحو أكثر في نسج وجوهه وهي في حالة إحتضان للوحدة وما تفرضه تلك الوحدة من ملامح تائهة إلى حد التعب ليحقق بها مضامين هي بالضرورة وقائعية سهلة التحديد وبفرضية تأويلية تجعلها كمنافذ منها يتسسلل المتلقي إلى عوالم كل مافيها تحفز الذاكرة وتثيرها بحثاً عن دلالات توضح التباين في الكشف عن الوقائع ذاتها، 
تلك الوقائع التي تشكل الأساس لدى برغود في البحث داخلها وفق مقتضيات خاصة به، كالعودة إلى المستتر والمفترض لوجوهه لخلق كيان مستقل به يتم إستحضار كل ما يحقق السكينة له وإن كانت للآخر مستفزة لكثرة مافيها من تباينات تعكس أوضاعاً إنسانية مثيرة للإنقباض والهواجس غير اللطيفة .
والحاصل أن برغود يجعل من وجوهه كيانات خاصة لصيقة إلى حد بعيد بجزيئات حالاته، تلك الحالات التي فيها تتحقق خصائصه الذاتية ويكشف عن مستوى القيمة التعبيرية لتداخلاته كشكل ما لإبراز القيمة الجمالية، وإن لم يهتم بالأثر الذي سيخلفه ذلك، فهوأي برغود ومن خلال تجاوزه لحدود الإنفعالات السريعة ينتج رؤية خاصة لخبايا وجوهه وبآليات مقتضبة يقلص أقاصيصهم أمام الفائض في الإيماءات .
وبرغود يلجأ للتلقائية في إستغراقاته حتى تكاد تصبح صمام الحقيقة بعيداً عن التأنق وهذا ما يمنح وجوهه ملامح متباينة كل منها تحمل رؤاها الداخلية وتتبع اللاوعي وما تنطوي عليه من إستكشافات تحرر المخيلة إلى أبعد أفق حتى إبراز مرحلة إنتقالية لها من الحوافز المنشطة ما تجعلها تعيد الصياغة بتفاصيل أقل تعقيداً وأكثر وجعاً، وهذا ما يدفع برغود إلى إختبارات غير مكتملة تعبر عن الراهن للإنسان المعاصر المنكسر حتى في علاقته مع نفسه، ولهذا يجب النظر إليها أقصد النظر إلى تجربة برغود كحقل متعدد الإنتاج ومتميز عن بعضها البعض وإن كان يفرض عليه أحياناً شكل تعبيري معين في بناء نمطه وهذا مايسمح له في الفصل والعزل في حالات كثيرة بين الإنبثاق من الداخل من جوهره وفق دلالات مقولاته وبين التحقق من الظاهرة في دائرتها التأسيسية بوصفها مسلمة يمكن الإنطلاق معرفياً منها، ومن ميدان إستحضار نماذج من النشاط الإنساني ولتجنب الإستغراق في تفاصيله ينطلق برغود من مسلمات السرد الجمالي في جميع حالاتها وعلى نحوأكثر في حالة الكشف عن تصوراتها ( طبيعتها، مكوناتها ) مع إبراز حركيّة اللمسة المشبعة بمقامات بصرية لتعانق فضاءه المتخيل بالتناغم مع حس عبق اللحظة التعبيرية لإيقاعاته الداخلية، ومن جهة ثانية فهذه الصياغات الشكلية لوجوه تملك لغة خاصة وملامح خاصة تحمل من التشويه إلى حد الفوضى ماهي إلا مرايا بها يعكس برغود عالمنا بكل مقاييس التعبير في تيهه وفي لحظاته التي تسبق موته .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…