الخالة نورا

عبداللطيف الحسيني.برلين

الماضي لن يذهبَ بعيداً، كلما بَعُدَ نقتربُ منه أو نقرّبُه و نُمسك به
لنحتفظَ بذاك الفرح الذي يوقظُنا من غفلتِنا، لفظَنا جحيمُ الماضي إلى
جحيم حاضرِنا لنتذكّر إيقاعاتِه. إنّه كالكينونة يبقى دوماً “تحتِ سطوةِ
اليد” بحسب هايدغر، يُستتَر ويختفي، لكنْ ما ينوبُ عنه هو الإيماءُ أو
الرمز أو جزءٌ من الذكرى التي كانت كاملةً، لكنّنا نجتزىء منها ما هو
طريٌّ فيها وناصعٌ، ويبقى ناصعاً بمرور السنين، 
فالذكرياتُ صدى السّنين
الحاكي. قبلَ عشرين عاماً من اﻵن طرقتُ بابَ غسان المائل إلى اﻷصفر
المُحبَّب، وكأنّ الخالة نورا وراءَ الباب مباشرةً، وكأنّها تعلمُ بأنّي
سأطرقُ الباب الذي يُفتَح فوراً…تستقبلُني بزيِّها الكرديّ
اﻷسود، فأوّلُ ما ينبّهُني فيها صوتُها المبحوحُ وسعالُها” أهلاً … شيخ”، 
و وشوم يدِها التي تشيرُ إليّ:”غسان في غرفته….نائم” تفضّل. ترافقني
الخالة نورا في الممرّ المفضي إلى غرفة غسان هامسةً وطالبةً منّي أن
أنصحَه وأن أُجلب له تميمةً في المرّة القادمة وأسلّمها سرّاً لتضعَها
سرّاً تحتَ مخدّة غسان.
غسان نائم…أصيحُ به عدّةَ مرات، في كلّ مرّة أرفعُ صوتي في النداء
ليفيق و تشاركني الخالة نورا في النداء: “غسااان… الشيخ جاءَ إليك”.
غسان يتناوم، فأرفعُ صوتي، فتأتيني عشراتُ الشَتائم دفعةً
واحدة…. أهونُها يا ابني..وهل الوقتُ.. وقت الزيارات؟
….
اﻵن:
لا الخالةُ نورا بقيتْ لتفتحَ لي الباب، ولا البابُ بقي.. ولا لونُه، ولا
غسان نائم، ولا أنا ذاهبٌ ﻷفيقه.
ذاك الماضي الذي ذهبَ بعيداً باتَ يلوحُ كباقي وشم الخالة نورا في ظاهرِ يدِها.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…